fbpx

عجز المجتمع الدولي في حلّ الصراع في سورية.. مسؤولية أخلاقية وآثار سلبية

0 167

مضى على تفجّر الصراع في سورية أكثر من اثني عشر عاماً، وقد أدّت الحرب التي شنها ولا يزال النظام الأسدي على الشعب السوري إلى نزوح ولجوء أكثر من نصف هذا الشعب، الذي بلغ تعداده قرابة ثلاثة وعشرين مليون نسمة في العام 2011.

وقد صدر بحقّ هذا الصراع اتفاق جنيف1 عام 2012، ثم القرار 2118 عام 2013، وكان آخر القرارات التي رسمت طريق حلٍ سياسي هو القرار 2254 لعام 2015، والذي اعتبر قاعدة الحل السياسي لدى الدول المعنية بالصراع السوري.

إن مجلس الأمن الدولي الذي وافق بالإجماع على القرار 2254، لم يفعل شيئاً من أجل تنفيذه، حيث أوكل للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مهمة إدارة تنفيذ محتوى هذا القرار، وهذا الأخير عين مبعوثاً عنه لإدارة المفاوضات بين قوى الثورة والمعارضة السورية وبين نظام أسد.

مجلس الأمن الذي أصدر هذا القرار في الثامن عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر عام 2015، لم يجعل منه قراراً ملزماً تحت البند السابع، كذلك لم يفرض القرار زمناً محدداً للانتهاء من عملية التفاوض، وهو بالتالي جعل منه قراراً قابلاً للتعطيل والاجتهاد والتسويف.

قد يسأل سائلٌ: لماذا يُصدر مجلس الأمن قراراً مضى على إصداره قرابة ثمانية أعوام ولم يحصل تقدم في التفاوض حوله، لذا بدا الأمر وكأن هذا القرار هو لرفع العتب عن دور مجلس الأمن الدولي في حلّ الصراع بين نظام أسد والشعب السوري ممثلاً بقوى الثورة والمعارضة.

القرار بذاته، يكشف عن تناقضات عميقة تحكم القوى الرئيسية، التي يتشكّل منها مجلس الأمن والتي تسمّى الدول دائمة العضوية. فهذه الدول ترسم موافقاتها على القرارات التي تصدر عن هذا المجلس وفق سياساتها ومصالحها، وليس وفق طبيعة الموضوع الذي يحتاج إلى حلٍ موضوعي يلبي حاجة حل الصراع.

إن اتفاق جنيف1 الذي صدر بعد محادثات بين الولايات المتحدة وروسيا بقي حبراً على الورق، هذا الاتفاق نصّ في حينه على ضرورة ممارسة الضغوط الدولية على جميع أطراف الصراع السوري من أجل تطبيق خطة كوفي عنان، حيث رفض الاتفاق عسكرة الصراع وطالب بأن يتمّ الحل سياسياً عبر الحوار والمفاوضات فقط.

لقد ناور النظام ومن خلفه الروس على إفراغ هذا الاتفاق من جوهره، إذ اصرّ نظام الأسد على الحسم العسكري ضد قوى الثورة المطالبة بالانتقال من نظام الاستبداد الأسدي إلى دولة المؤسسات الديمقراطية.

لكنّ نظام أسد الذي ارتكب مجازر بالسلاح الكيماوي ضد المدنيين العزّل في غوطة دمشق، وراح نتيجة هذه المجازر أكثر من ألف ومئة ضحية مدنية بريئة غالبيتها من الأطفال والنساء والشيوخ، أنكر مأنه ارتكبها، ولكن هذه المجازر المثبتة استدعت إصدار القرار الدولي 2118، والذي أكّد على اتفاق جنيف وضرورة إنشاء هيئة حكم انتقالية، وإجبار النظام الأسدي على الكشف عن كل مواقع صناعته للسلاح الكيماوي وأماكن تخزينه تمهيداً لسحبه من يد النظام.

الولايات المتحدة وفرنسا اللتان سيّرتا أسطولين بحريين للقيام بتدمير كل مواقع صناعة الأسلحة الكيماوية لم تتابعا مهمتيهما، بسبب تدخّل الروس كطرف يعمل على جمع السلاح الكيماوي، وتفكيك معامله، وتسليمها للولايات المتحدة.

وفق هذه السياسات، يمكن القول إن مجلس الأمن خرج عن دوره الطبيعي، الذي استدعى إحداثه، هذا الدور مهمته صيانة السلم العالمي، ومنع حدوث صراعات دموية. لكنّ الدول الدائمة في مجلس الأمن، وتحديداً روسيا والصين، لعبتا دوراً سلبياً في حل الصراع السوري، إذ استخدم الروس ما يسمى بحق نقض القرارات “الفيتو” أكثر من خمسة عشرة مرّة، وهو حق لا تملكه سوى الدول الخمس الدائمة في عضويته.

الروس منحازون في الصراع السوري لمصلحة نظام الاستبداد، الذي ارتكب مجازر فظيعة بحقّ السوريين، راح ضحيتها مئات آلاف القتلى، ويقف معهم ديبلوماسياً دولة الصين الشيوعية ذات النظام الشمولي. في حين تقف الدول الديمقراطية الأساسية الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، موقف المصرّ على تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالصراع السوري.

لكن هذان الموقفان المتضادان بين المحور الروسي الصيني من جهة، والمحور الغربي من جهة أخرى، لم يراعيا مسالة حلّ الجوانب الإنسانية، التي يدفع ثمنها السوريون على صورة تعرضٍ للغارات الجوية الروسية أو نقصٍ في المعونات الدولية.

لكنّ الأهم في الأمر على صعيد هيئة الأمم المتحدة، هو أنه هذه المنظمة العالمية بدت أضعف من أن تلتزم بمبادئها، بما يخصّ حقوق الإنسان، التي تنتهكها الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية القمعية، بحق المعارضين سلمياً لسياساتها، بما في ذلك، الوقوف في وجه الحروب الظالمة، والمهددة للسلم العالمي، ومنع الاعتقالات على أساس الاختلاف في الرأي.

إن المجتمع الدولي الفاعل يحتاج إلى وقفة جادة مع بنية الأمم المتحدة ومؤسساتها، إذ مضى على تأسيس هذه المنظمة قرابة ثمانين عاماً، وهذا يدفع لإعادة النظر بدور مجلس الأمن، إذ ينبغي توسيعه من جهة، وحجب حق الفيتو عن الدول الخمس الدائمة العضوية فيه.

إن وضع الأمم المتحدة بما يخصّ حل الصراعات بات مخجلاً، فهذه الهيئة الدولية التي مضى على تأسيسها قرابة ثمانية عقود من الزمان، تحتاج اليوم قبل غدٍ إلى إعادة إنتاج مؤسساتها بطريقة لا تمكّن أحداً أن يستثمر سياسياً فيها تحقيقاً لمصالحه الضيّقة.

السوريون بحاجة ماسة بعد اثني عشر عاماً لحل سياسي، وأن من يعطل هذا الحل وفق القرارات الدولية هم الروس أساساً، أي ان الروس لم يلعبوا دور دولة ضامنة للسلم العالمي، وهذا يستدعي إعادة النظر بعضويتها في مجلس الأمن من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.

فهل نشهد قريباً تغييراً في النظام الداخلي للهيئة العامة للأمم المتحدة، أم ننتظر هزيمة روسيا في أوكرانيا وقبولها كدولة مهزومة بما يّفرض عليها دولياً؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني