fbpx

عامٌ كالأفعى بعدة رؤوس

0 777

يُفترض أننا الآن أمضينا ما يزيد عن أسبوعين من هذه السنة 2021، وبدأنا نختبر عاماً جديداً يحمل على كاهله أحلاماً كثيرة بقيت جديدة رغم مرور السنين عليها، إلا أن هذه الأيام ما زالت تلبس وجه الـ 2020 فلا تقاسيم تسجّل كعلامات مميّزة، ولا ومضات تبرق في أفقها، لا دليل حتى على أننا قفزنا فوق الساعة الثانية عشرة بنجاح ووصلنا بسلام لأراضي السنة الجديدة، لا دعسات لأقدامنا على الطريق، ولا آثار لعجلات عربة بابا نويل حتى!

وكأنّ التصفيق الذي رافق السهرات المنزلية (بحكم أنّ الكورونا ضيف البلاد العتيد لم يسمح بسهرات وحفلات في الفنادق والمطاعم) والرصاص الذي بدأنا عامنا الجديد بسماع دويه في سماء دمشق ليس أكثر من فاصلة ربما فاصلة منقوطة بأحسن الأحوال، نكمل بعدها الحديث في السياق نفسه، فما زالت دمشق بحاجةٍ لخوذةٍ ضخمة ولكمّامة أيضاً تمرّ بهما من سنة لسنة برشاقتها المعتادة.

ربما ما أشعره حيال رتابة هذه الأيام يعود إلى أن السنة لم تبدأ بعد! 

لا تستغربوا فاحتفال الأول من كانون الثاني الذي يشغل العالم بأكمله ويشغلنا رغم مآسينا الغنية عن التعريف فنراقبه بحماسٍ شديد من قناةٍ لأخرى بينما الكاميرات تتنقّل من عاصمةٍ لأخرى، هذا الاحتفال ليس الوحيد وليس الأفضل أيضاً، ففي الرابع عشر من كانون الثاني يكون الاحتفال برأس السنة الشرقية أي أن هناك فرصةً للتغيير قابلة للظهور!

احتفالات السنة الجديدة الشرقية تتزامن مع عيد القوزلي – الذي لا يُعتبر عيداً دينياً إنما عيداً اجتماعياً في مناطق الساحل وجباله – تاريخه يسبق الميلاد بسنوات طوال، يكون الاحتفال به بإشعال النيران في ليلة 13 من كانون الثاني ويقول بعضهم بأن كلمة (قوزل) تعني إشعال النار بالآشوري بينما يذكر حيدر نعيسة (صاحب موسوعة التراث الشعبي) أن “القوزلة” من الفعل “قزل” فعل عربي أصيل يعني أشعل النار، ويعدّ إشعال النار طقساً مثيولوجياً قديماً يحمل معنى إيفاء النذور فيما يحمله من معانٍ متعددة، بينما يجنح البسطاء وكبار السن بالاعتقاد بأنها مزيج من كلمتي (القوة والأزلية) – كما ذكر صديق على صفحته الفيسبوكية – وربما هذا التفسير منطقي للكثير ممن لا يعرف الآشورية أو الآرامية وغيرها من اللغات القديمة.

إذن أُشعلت نيران القوزلي، وتبادل المحتفلون التهاني في صباح 14/1/2021 واقعاً وافتراضاً، ومازال هناك وقت لتأخذ الأيام بالتأقلم مع هذا العام ومازال للعام الجديد فرصة بإظهار حسن نيته وإلا سأقفز لبداية نيسان لتأتي بداية السنة السورية (الأكيتو).

تذكر منال ظـفور، ممثلة سوريا في المنظمة الاستشارية للتراث والفلكلور والخبيرة في التاريخ السوري، بأن عيد القوزلة نهاية النهاية (خاص بالعالم اﻷسفل(، وعيد الأكيتو بداية البداية (خاص بعالم الحياة).

عند قدوم نيسان 2021م سنكون في العام 6771 وهذا التقويم يعتبر الأقدم في التاريخ، في حال اعتمدتُه سأكون وكأنني سافرت في الزمن 4750 سنة، سأرتبك عند التأريخ قليلاً لكن لا بأس سأتعوّد، سيكون حنيني للماضي أطول بكثير مما هو عليه الآن، سأطيل يدي ذاكرتي قليلاً لتلائم السنوات الجديدة التي سأنتمي لها، خميرة إضافية ستتكدّس داخلي، وسيمتد مجالي البصري لآلاف السنين خلفاً، وسأعمل جهدي على أن أمزّق الحُجب من أمامه ليبصر سنةً أو اثنتين من المستقبل المبهم المحيط بنا؛ جمال هذا العيد ليس في عراقته وقدمه فقط بل بارتباطه بالآلهة عشتار، التي تدعى الزلف وهذا يبرر المواويل التي تردد لأم الزّلف حتى يومنا الحاضر، “ع العين يا أم الزلف .. زلفى يا موليا”

ويرتبط أيضاً بشكل رئيسي بالحصاد فهو يرمز للبداية الحقيقية للحياة، نهاية موسم المطر والبرد وبدء الخصب ونمو الزرع والزهر.

من الموت تخلق الحياة وبعد الرقاد تتفتح العيون كزهر الربيع ونبدأ الحياة، ليس المهم أن نفتح عينينا شتاءً في أول كانون الثاني أم في الرابع عشر منه، أم في نيسان بعد أن يغادرنا الشتاء بأربعينيته وسعوده الأربعة؛ المهم أن نفتح عينينا كلّ يومٍ على حياةٍ جديدة بكل ما فيها لأن هذا العام يبدو كأفعى أسطورية برؤوس كثيرة مخيفة، لا تعرف في عيني أي رأس عليك النظر والبدء بالتأمل، بل ربما كان عاماً ساذجاً، ممتداً بلا رأس، تستطيع إلباسه الرأس الذي تريده فلا شيء سيتغير؛ احمل بداية العام في حقيبتك، اعتبر البداية ستكون مع أول ابتسامة تقابلها، مع كل ضحكة ومع كلّ أمل يمدّ يده ليصافح يدك المرتجفة يطبطب على كتفك ويخبرك بأنك تستطيع أن تبدأ الآن.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني