fbpx

عادات الزواج لدى السوريين وتغيراتها في ظل الحرب

0 518

الحرب بتعبير آخر ليست السياسة بطرق أخرى فحسب، بل هي تفكيك لبنى قائمة اجتماعياً، لإتاحة ولادة الجديد من خلال مبدأ الضرورة. في هذا السياق يمكن فهم الظروف التي غيّرت من شروط ومتطلبات الزواج لدى السوريين بعد قيام الثورة عام 2011.

ثمة دروب جديدة، وثمة مسارات أخرى، ستضطر المرأة السورية لارتياد دروبها، في ظل حرب لا تزال مستمرة منذ عشر سنوات. هذه الحرب أثّرت على المرأة في مناحٍ عديدة، في واقع شديد التغير نتيجة تغير معطياته، فتغيرت بموجب ذلك سلوكيات الناس، وتراجعت قيمٌ اجتماعية تتعلق بشروط الزواج، حيث صار الطارئ هو القاعدة، وغدت العادات مجرد ذكرى حدثت في زمن آخر.

لم يعد شرطاً عمل طالب الزواج مهماً، بل المهم أن يكون لديه مصدر دخل يستطيع به إعالة أسرة قيد التكوين، فالشباب ممن هم في سن الزواج، وبعد أن صاروا لاجئين أو نازحين في شروط حياتية قاسية، لن يتمكنوا من الحصول على فرص عمل تتوافق مع مقدراتهم العلمية وخبراتهم الفنية.

كذلك لم يعد المهر شرطاً أساسياً وفق قواعد الزواج في زمن ما قبل الحرب، صار المهر عبارة عن مهرٍ مكتوب بعقد الزواج، وطالب الزواج مضطر لتقديم مال بحدود ممكنة من أجل أن تقوم عروسه بتحضير مستلزمات حياتها الزوجية.

هذه المستلزمات تحولت من شروطها التعجيزية التي كانت سائدة قبل الحرب، إلى طلبات بسيطة كخاتم الزواج، وربما قطعة أخرى صغيرة أو متوسطة من الذهب، إضافة إلى جهاز العرس.

لكنّ المسألة لا تنتهي عند اجتماع العروسين ببيت واحد، بل تبدأ شروط حياة جديدة، لا تتوفر فيها شروط الزواج ما قبل الحرب، فالزوجان الجديدان سيضطران إلى التعامل مع دخلهما المحدود للتكيف مع مستلزمات الحياة الجديدة، وهذا لا يعني احتمال تعثر عمل أحدهما أو كليهما نتيجة ظروف العمل أو الواقع.

إن وقع الحرب على الزواج يختصّ بأثر سلبي على المرأة أكثر من الرجل، فالمرأة في بيئات اللجوء المختلفة ستضطر إلى التعامل مع قوانين البلاد، التي ستتزوج فيها، وهي ستجد قوانين مختلفة في جوانب متعددة، تختلف عن قوانين بلادها، وبالتالي ستشكّل هذه الحالة احتمالاً إضافياً لنزاع، قد يحدث نتيجة تغير ظروف الواقع، ومن هذه التغيرات، أن الزوج يتصرف وفق ثقافته الاجتماعية المحمولة معه، وقد يجد في سلوك زوجته الاجتماعي ما يعتبره خروجاً على العادات والتقاليد وهو ما يهدد هذا الزواج.

لكن الأسوأ في التغيرات الحاصلة على عملية الزواج، تتعلق من جانب آخر بإهمال عمر المرأة التي ستصبح زوجة، حيث مالت كثير من الأسر السورية في بلدان اللجوء، أو في المخيمات المقامة داخل البلاد إلى تزويج بناتهن في سن أدنى من ثمانية عشر عاماً، وهذا يعني عدم تلبية شروط زواج صالح جسدياً وعقلياً وثقافياً.

المرأة في سن أقل من ثمانية عشر عاماً، تصنّف دولياً ضمن مرحلة الطفولة، هذا التصنيف يتعلق بعدم اكتمال نموها الجسدي والذهني، وبالتالي فتبعات زواجها ستكون ذات طابع سلبي بحقها، حيث لم تستطع إشباع مراحل عمرها خلال مرحلة الطفولة، وهو ما يترك آثاراً سلبية بصور مختلفة ومتعددة على بنيتها النفسية والجسدية، ويعرّضها لأخطار كبيرة.

لكن الحرب أحدثت جانباً جديداً في عادات الزواج بين السوريين، فنتيجة للجوء والنزوح لم تعد الأسرة السورية تعيش في بيئة منطقتها التاريخية، بين أسر تتشابه عاداتها وتقاليدها وثقافتها الاجتماعية، بل يمكن التأكيد على التمازج المناطقي الجديد نتيجة الحرب، فتجد في منطقة النزوح أو اللجوء أسراً من غالبية المناطق السورية، وهذا يعني توسع احتمال الزواج بين أبناء المناطق المختلفة.

هذا التمازج له مزايا وعيوب قد تؤثر على حالة الزواج، فثقافة الزوجين الجديدين مختلفة نسبياً وهذا قد يؤدي إلى تعزيز وتمتين رابطة هذا الزواج، وقد يسبب تناحراً اجتماعياً بين الزوجين نتيجة اختلاف عادات وتقاليد بيئتيهما.

ولكن عموماً، يمكن القول، إن عادات الزواج التي كانت سائدة قبل الحرب تغيّرت نتيجة تغيّر البنى الاجتماعية التي كانت ذات وضع مستقر، وهذا يتطلب دعماً اجتماعياً ونفسياً من مؤسسات اجتماعية تهتم بالأسرة والمرأة.

ولكن هل نتائج هذا التمازج الاجتماعي عبر الزواج ستكون لمصلحة مستقبل السوريين؟ هذه الحالة لها جانب إيجابي هام، إذ إنها كسرت قيوداً اجتماعية كانت تضيّق من قبل على الزواج خارج المناطقي، وهو أمر يفكك ذهنيات ما قبل الدولة الوطنية التي ترسّخت في ظل عادات وتقاليد تنتمي لمرحلة العائلة والعشيرة والقبيلة، وهو أمرٌ يبنى عليه في مراحل قادمة. 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني