fbpx

طلاق الوالدين وأثره على أطفالهما

0 149

لا يختلف اثنان في أن الطلاق أمرُ سلبيٌ، يضطر إليه الزوجان لانقطاع القدرة على تواصلهما حياتياً، فيكون حلاً بديلاً عن استمرار الصراع والقطيعة بينهما، وتقليلاً لآثار هذا الصراع عليهما وعلى أولادهما، ورغم أن “الطلاق أبغض الحلال إلى الله”، إلا أن آثاره السلبية قد تكون أقل خطورة على حياة الأطفال من استمرار الصراع بين الزوجين، وانعكاس ذلك على الأطفال. 

هذا التأثير السلبي يقع بالدرجة الأولى على الأطفال، لأنهم الطرف الأضعف في الأسرة، وبالتالي ستكون أضراره أكبر عليهم، نتيجة غياب دور الوالد/ة في بنائهم النفسي وفي تنشئتهم الاجتماعية. فالطلاق يُحدث في البنية النفسية للطفل ما يمكن تسميته (غياب الإحساس بالأمان).

ولتتبع الأضرار المختلفة التي يُحدثها الطلاق على الأطفال في الأسرة، يمكننا القول، إن هناك أضراراً نفسية تلحق بالطفل، منها الإحساس بفقد الأمان، نتيجة غياب أحد الوالدين، وأضراراً اجتماعية متعددة، بعضها يتعلق بالإنتاج المدرسي، وبعضها الآخر يتعلق بمسألة التكيّف والتأقلم مع المجتمع.  

أولى التحديات النفسية والحياتية التي يجد الطفل صعوبة في مواجهتها، هي حالة الاكتمال النفسي، ونقصد بذلك اكتمال الدائرة النفسية لدى الطفل، التي تتكون من أهمية دور الأب كشخصٍ قائد في الأسرة، إذ إن الطفل يأخذ عن الأب القوة، بحكم أن الذكورة تتصف بذلك، ويأخذ عن الأم حنانها واحتضانها اللذان يمدانه بأمانٍ روحي، فالأمومة هي من يخلق لدى الطفل هذا البعد النفسي العميق المنتج للتوازن بالتضافر مع القوة الآتية من دور الأب.

غياب أحد الوالدين يجعل الأطفال في مواجهة تحدٍ كبيرٍ، يتمثل في محاولة التأقلم مع واقع جديد مختلف عما ألفوه سابقاً، فيعتريهم الخوف والقلق والشعور بعدم الأمان، سيما ما يتعلق بالقوّة المفقودة نتيجة غياب دور الأب في مرحلة تنشئة الطفل، هذه الحالة قد تخلق لدى الطفل مشاعر غضبٍ تجاه أحد الوالدين، حيث يعتقد الطفل أنه السبب في انهيار عالمه.

وتزداد هذه المشاكل النفسية حدةً عندما يكون الطلاق غير ودي ويظل الأبوان بعدها في خصام دائم، فتزداد حدة القلق والخوف من العلاقات مستقبلاً.

بعض الأطفال في سن الطفولة قد يحمّلون أنفسهم مسؤولية طلاق والديهم، ويعتقدون أنهما سيتوقفان عن حبهم، ما يؤثر على مشاعرهم الداخلية، ويزيد من شعورهم بالإحباط والخوف والتوتر، وقد تترافق هذه المشاعر بأعراض نكوص كالتبول اللاإرادي، ومص الإصبع، أو حتى الاتكالية على أحد الابوين بارتداء ملابسه أو ربط حذائه.

أما عن الجانب الاجتماعي، فالذي تحدثنا عنه في الجانب النفسي يجد صداه في سلوكيات الأطفال مع محيطهم الاجتماعي، ففي هذا الجانب تقول الباحثة ليزا ستروشين في بحثها: إن الأطفال الذين انفصل آباؤهم لديهم مستويات أعلى من القلق والاكتئاب والسلوك غير الاجتماعي، حيث يُظهر الأطفال صعوبة في التعامل مع محيطهم، بسبب المشاعر السلبية المؤلمة في داخلهم، التي يصعب عليهم التعامل معها دون مساعدة الكبار أو المختصين، فنجد ردات فعلهم تميل للعنف، وحل المشاكل بالاشتباك والصراع ضد أقرانهم.

ويميل بعضهم الآخر للهروب، واختيار العزلة، والابتعاد عن أي نشاط جماعي، فتزداد المشاكل النفسية حدةً، وقد يلجؤون إلى طرق خطيرة للهروب مما يعتمل داخلهم إلى الإدمان.

أما في الجانب المتعلق بالتحصيل الدراسي، فإن تلك المشاكل النفسية والسلوكية لابدّ وأن تنعكس على إنتاجية الأطفال الدراسية، بسبب ما يعانون منه في محاولة لإدراك التغيير الحاصل في أسرتهم، ما يؤدي إلى تشوشهم وتشتيت انتباههم، فيقل تركيزهم على دراستهم، وتتدنى درجاتهم، وتصبح المدرسة عبئاً إضافياً، ويحدث التسرب المدرسي فيخسر الطفل فرصته في إتمام تعليمه، وتحسين نظرته لذاته وقدراته.

لا ينكر أحد أهمية الاستقرار والشعور بالأمان في نمو الاطفال نمواً متوازناً، والطلاق هو تصدعٌ كبير في عالم الطفل، مما يفقده الأمان بالحاضر والثقة بالمستقبل.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني