صراع الفساد بين ابن الخال وابن العمة
أرقام خيالية حتى لو كانت بالليرة السورية، ذكرها رامي مخلوف، بلاّعة الاقتصاد في سوريا، وشريك من لا شريك له، خرج فيها بفيديو عبر موقع فيس بوك، ليّهدد بشكلٍ مبطّن وعلني بشار الأسد وزوجته أسماء، وكل من لا يقف بصفّه، لحفظ الامانة كما يدعي!.
الأمانة التي قال إنه مؤتمنٌ عليها، دون أن يوضح ماهيتها، لكنه كان مصمماً أن ماله الذي جناه بعرق جبينه، سيضيع في جيب الدولة المتهالكة، التي يحكمها ابن عمته، بحجّة تراكم الضرائب على شركة اتصالات سيرتيل.
ومع الاعتقاد، أن تسريبات الصحافة الروسية في الأسابيع القليلة الماضية، عن فساد نظام الأسد، والمطالبة بمحاسبته، حدا ببشار نحو خزنة العائلة، وواجهة الفساد الأكبر رامي، رامي الذي عيّر نظام الأسد أنه صرف على أجهزته الأمنية، التي باتت الآن تحاول تغريمه ظلماً ماله وجنى عمره كما يدعي.
نينار برس وضعت تساؤلات، بعضها واقعي، والآخر افتراضي، بهذا الخصوص، وتكفّل ضيوف التحقيق بالإجابة عليها.
أهل الطائفة مسحوقون كما باقي الشعب
جمال سليمان
فنان سوري
الفنان جمال سليمان كان أول المجيبين على تساؤلاتنا لكنه لم يتفق مع طرح الإيحاء بأن الطائفة العلوية تحتكر الاقتصاد، هو يرى أن السواد الأعظم من أهل الطائفة مسحوقون كما باقي الشعب السوري ويلجؤون كما باقي الطوائف الى أساليب شتى منها الرشوة وبيع المهربات إن أتيح لهم ذلك لملء الفارق الكبير بين الراتب وبين التكلفة الحقيقية لمعيشتهم، ويؤكد سليمان أن الفساد هو فساد السلطة، وأن الفساد كان عابراً للهوية الطائفية وخاصة أيام حافظ الأسد، أما في فترة بشار الأسد فقد تم تركيز الحصة الكبرى من موارد الفساد في يد العائلة (وليس الطائفة) وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار ما كان يشير له رامي مخلوف بشكل مبطن وأعربت عنه صفحات موالية بشكل معلن وهو دور أسماء الأخرس فيما يجري.
ويقول السياسي المعارض أن رامي مخلوف مثّل واجهة هذا الفساد بشكل فج متجاوزاً حتى أبسط وسائل المداراة إلا أنه لم يكن يعمل لحسابه فقط أو لحساب الطائفة، كان يعمل لحساب العائلة.
أما عن أسباب الصراع الحالي بين مخلوف والأسد قال الفنان جمال سليمان إن المؤشرات القوية عن قرب انتهاء الحرب والانتقال الى مرحلة جديدة فيها إشارات استفهام كبيرة حول مستقبل النظام القائم، والأموال التي سيحتاجها بشار سواء بقي أو رحل أمر حيوي جداً في هذه المرحلة وأضاف كما برزت الحاجة لإعادة ترتيب الأوراق والدفاتر المبعثرة والتخلص من عبء رامي مخلوف والظهور بمظهر الرئيس الذي يقيم القانون حتى على أقرب الناس إليه إلا أنها نكتة لم يصدقها أحد.
كما عارض سليمان أن يكون المخلوف حليفاً لروسيا والأسد حليفاً لإيران، بهذه الصياغة لا أظن أن الروس سيكونون سعداء لو قيل إنهم في نفس التيار مع رامي مخلوف، ونعم لقد حدث انقسام كما قال بدأت ملامحه تظهر من خلال السوشيال ميديا ولكن ليس إلى فئتين بل ثلاث فئات: فئة مع رامي وخاصة بسبب دور أسماء الأخرس في الأمر، وفئة مع بشار الأسد على أمل أن يباعد بين شخصه وما حصل من فساد في عصره، لعل ذلك يرفع من حظوظ إنقاذ النظام، أما القسم الأكبر فهم أولئك الذين دفعوا الثمن الباهظ لأنهم ينتمون إلى الطائفة، لقد كانوا مدعوين بحرارة للمغارم ولكن لم يتذكرهم أحد في المغانم.
في هذا الصراع أعتقد أن الطرفين خاسران يؤكد سليمان لأن المسكوت عنه ظهر إلى العلن، وما يجري الآن هو سقوط آخر قطعة قماش كانت تستر عورات هذا النظام.
وبيقينية قال السياسي السوري: لقد دخلنا في الفصل الأخير من الصراع السوري لأنه لم يعد لأي من الأطراف المنخرطة فيه فرصاً لتحقيق المزيد وبالتالي لابدّ من فتح الفصل الأخير والذي يتضمن ترتيبات المرحلة القادمة، أظن أن النظام يعرف ذلك أكثر من أي أحد آخر ولهذا نشب الصراع الآن بين مخلوف والأسد.
بشار كمن يلبس بنطالاً لوالده
خالد محاميد
رجل أعمال سوري
بينما يرى رجل الأعمال السوري خالد محاميد كلمة النظام هي التعبير الشعبي عن السلطة الأمنية الحاكمة، لأنه في الحقيقة لم تقم سلطة الأسد، الأب والابن على نظام لا بمعنى Régime أو بمعنى System، كما في مصر مثلاً، في سوريا ومنذ عام 1970، بنى حافظ الأسد سلطة على مقاسه الشخصي، اعتمدت على تجمعات مصالح متداخلة: أجهزة أمن خاصة مهمتها حماية حكمه.
ويرجع المحاميد أساس حكم حافظ إلى أصل عشائري اعتمد اذ قال أنه اعتمد على عشيرتين كبيرتين هما القراحلة (عشيرته وأسرته) والمتاورة (عشيرة فياض وحيدر وناصيف ودوبا..)، وشراكة بين رجال أعمال وضباط متنفذين تجلت في الإمساك برقبة المشاريع الاقتصادية الكبيرة ومأسسة الفساد، أما الحزب فكان الغطاء الإيديولوجي لأصحاب القرار الفعليين.
وأتبع المحاميد إن حافظ الأسد للحفاظ على حكمه ضحى بأخيه رفعت وسرايا الدفاع في 1984، وبشار ورث هذا الشكل كما هو، فعندما جرى توريث السلطة لبشار الأسد في 2000، كان حاله كمن يلبس بنطالاً جرى تفصيله بالأساس لوالده. ولاحظ الناس ذلك في تخبطه وخضوعه لما سمي وقتها “الحرس القديم”.
وفي الوقت الذي اختار بشار الأسد المواجهة الأمنية العسكرية مع المجتمع منذ انطلاق الحراك الشعبي السلمي في 2011، يقول رجل الأعمال السوري هذا الأمر وضعه تحت رحمة الأجهزة الأمنية التي صار بيدها تقرير مصيره، رفد خلالها عصابة المنتفعين من شاليش ورامي إلخ، بعدد من تجار وسماسرة الحرب، وأصبح هناك مجموعة جديدة/قديمة من تجار الحرب الذين استثمروا في بؤس الأوضاع ومآسي الناس، إلا أن أي اقتصاد يقوم على مص الدماء، هو اقتصاد قاتل لكل أفراد المجتمع، معارضة وموالاة، وهذا سبب حالة الفقر المدقع وبالتالي لم يعد في الدولة ما يمكن سرقته، عندها يمد الحاكم يده إلى جيب لصوصه، ودفع ما تحتاجه أجهزته للبقاء، وهنا يرى المحاميد أصل المشكل.
ورجح المحاميد الصراع العشائري على المجتمعي بالنسبة لوضع الأسد لأن تجمع المصالح الاقتصادي مكون اليوم من أبناء السلطة التي ولدت قبل خمسين عاماً، وهم الأبناء والأقارب الذين ولدوا وعاشوا على امتيازات أهلهم، فلا هم رجال أعمال ولا صناعيين ولا أصحاب حرفة، وهذا يشمل كل “الأبناء” من جمال خدام إلى رامي مخلوف، وبعض هؤلاء خرج من الجوقة قبل الأحداث أو أثناءها، وبعضهم ما زال عضواً فاعلاً في النادي مثل رامي مخلوف الذي لخّص علاقته بالأجهزة الأمنية عندما قال: إنه كان يقدم لها كل ما تطلب، لكن السؤال الأساس كما يراه المحاميد في غياب استقلال القرار السياسي للأسد، هل يسمح حلفاؤه بمواجهة واسعة؟
رجل الأعمال السوري لا يتفق مع نظرية تقسيم الركائز الاقتصادية التي افترضناها بداية وقال، صحيح أن رامي مخلوف قد وضع 55 مليون دولار في أربع بنوك روسية، ولديه تسع شقق في الأبراج في موسكو وقصر قديم في يالطا، وسعى لمشروعات استثمارية لم تبدأ في سوتشي ويالطا، إلا أن هذه الاستثمارات يعتبرها مصروف جيب ومنازل استراحة، أو ملجأ أخيراً.
كما أكد السياسي السوري أن رامي لا يملك علاقات سياسية مع القيادة الروسية يمكنه الاعتماد عليها، أما علاقته بالإيرانيين فكانت جيدة حتى إمساك الحرس الثوري وسليماني بالملف السوري حيث ساءت وانحسرت بعلاقة محدودة مع عدد من المستثمرين الموالين لإيران. أما بشار وماهر، فيعرفان أن خسارة “الحليف الروسي” يعني النهاية العملية لاستمرار الأسد في الحكم. الفارق بين أزمة 1984 والمشكلة اليوم، أن سوريا اليوم فيها مناطق نفوذ وسيطرة لأربع دول، ولا يملك بشار أو غيره سلطة القرار.
ولا يعطي رجل الأعمال قيمة لقانون سيزر لدرجة جعلها المفتاح السحري لإسقاط النظام، بينما خروج إيران من سوريا، فهذا الموضوع بدأ منذ زيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى دمشق بعد اغتيال الحريري، وبرأيه أن إيران لن تخرج إلا إذا أجبر الأسد على احترام وتطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تنص على انتقال سياسي، وحدها هيئة حكم انتقالية قادرة على إخراج الإيرانيين وغيرهم من البلاد. أما التركيبة الحالية فهي تعيش من ذلك.
الخلاف هو صراع عائلي على الثروة
عبد المجيد العقيل
سياسي سوري معارض
وبتسليط الضوء على تصرفات مخلوف الأخيرة يرى السياسي السوري المعرض عبد المجيد العقيل أن خطورتها تكمن بتصديره المشكلة إعلامياً وضمن ثلاث نقاط:
الأولى: أن نظام الأسد لا يقوم على وجود “عائلة حاكمة” كما في الأنظمة الملكية، ولا على نظام بوليسي عسكرتاري مستبد كما في عموم الديكتاتوريات، بل هو مزيج بين الاثنين وفي نظام مثل هذا فإن الحفاظ على هالة من القدسية حول العائلة الحاكمة هو من أساسيات الحفاظ على السلطة وحاضنته الشعبية.
وعلى ذلك يقول المعارض السوري فإن تصدير خلاف عائلي على هكذا مستوى وفي هكذا توقيت، ظاهرة جديدة وخطيرة جداً في تداعياتها على النظام حسب بنيته وتركيبته.
بينما الثانية: فهو الوتر الطائفي الذي لعب عليه رامي مخلوف ولا يخفى على أحد، وقرعه جرس الإنذار لفقراء الطائفة العلوية من حيث أن “الآخرين” وضعوا أيديهم ليس على أمواله بل على لقمة هؤلاء الفقراء، هذا الأمر ستتفاقم تداعياته في علاقة تناسب طردي مع تردي الوضع الاقتصادي وزيادة الفقر، وسيتفجر صراع طائفي ضمن النظام وحاضنته يسرع في التشظي الحاصل، وإن كان هذا الأمر للأسف مخيفاً على مستوى البلد بأكمله إذ لا ينقصها المزيد من الاحتقان الطائفي.
أما الثالثة: مؤشر خطير للروس على أنه حدثت حالة فقدان للسيطرة ضمن العائلة نفسها وفي أعلى هرم النظام، ما سيسرع من سعي الروس لإتمام عملية ربط مؤسسات النظام العسكرية والأمنية كافة بهم مباشرةً.
ويرى العقيل أن مصدر الخلاف هو صراع عائلي على الثروة وليس روسي/إيراني، بالوقت الذي يؤكد فيه المعارض السوري أن بشار الأسد خياره بات شبه محسوم لصالح الإيرانيين في حال ذهبت الأمور إلى هكذا منحى، أما رامي لديه علاقات جيدة مع الروس والإيرانيين معاً، ويبدو أن رامي مخلوف يحاول توجيه رسالة للروس حول استعداده لمشاركتهم في أمواله – التي رفض التنازل عنها للنظام – مقابل حمايتهم له، أي أن يصبح شريكهم المباشر بعيداً عن العائلة.
ويتساءل العقيل عن إمكانية تطور الأمر نحو أن تتبناه روسيا وتحميه؟ فيجيب ربما، وهل تتخلى روسيا لو جزئياً عن تشبثها بالأسد؟ نعم، على الأرجح هل تتشبث إيران ببشار وماهر؟ نعم بالتأكيد.
ويربط المعارض السوري سبب الصراع الحالي في النظام إلى التدهور الاقتصادي بعد 9 سنوات من الثورة والحروب، وقانون سيزر الذي سيكون جدياً للغاية وستكون تداعياته قاسية جداً في حزيران القادم، وكذلك ما يقوم به الروس من عصر للنظام مالياً، وجائحة الكورونا وتداعياتها ليس على النظام فقط بل على حلفائه وقدرتهم على دعمه، والكثير من العوامل الأخرى التي تفضي إلى نتيجة واحدة هي تضاؤل الكتلة المالية، وبالتالي اشتداد الصراع حولها من جهة، ومن جهة أخرى شعور بعضهم أن النهاية قد اقتربت ولذلك فلينفذ كُلٌّ بريشه ويهرب بـ “جنى عمره”!
شراء الكيانات الاقتصادية للدولة
حسن النيفي
محلل سياسي
المحلل السياسي حسن النيفي يرى ركائز النظام ركنين اثنين، العلاقة بينهما هي علاقة تكامل وتفاعل، وقال: وأعني بذلك المال والسلطة، اللذين يجسّدان شكل الدولة الأسدية.
فبرأيه منذ أن ورث بشار الأسد السلطة عن أبيه، بدا واضحاً أنه أراد أن يتبع نهجاً اقتصادياً، توهّم آنذاك، أنه سيكون له مردود إيجابي على الحياة الاقتصادية في البلاد، من خلال إتاحة المجال لرؤوس الأموال الداخلية باستثمار أو شراء الكيانات الاقتصادية للدولة، وهذا ما يُطلق عليه بعملية (الخصخصة).
بينما يعتقد النيفي أن المشكلة بدأت بظهور وجوه مالية جديدة، هي التي بدأت بعمليات الشراء والاستثمار، أمام تسهيلات هائلة لها من جانب مؤسسات الدولة، وخلال فترة قصيرة، أصبحت هذه الوجوه المالية تحوز على أهم المفاصل الاقتصادية في البلاد، وخاصة في مجال الخدمات، وأكد المحلل السياسي أن هذه الوجوه انبثقت من أوساط أو بطانة السلطة ذاتها – آل مخلوف – آل شاليش – ومن دار في فلكهما من خارج الطائفة العلوية، الأمر الذي مهّد لظهور مفهوم الشراكة بين (المال والسلطة)، أما بعد انطلاقة الثورة السورية يرى النيفي، استمر النزيف الاقتصادي للنظام، بات يتوجب على رأس المال توفير مستلزمات المواجهة التي يحتاجها، طالما هناك أمل بصمود سلطة الأسد، فظهر رامي مخلوف في العام 2011 باعتباره مسؤولاً عن حماية نظام الحكم في سورية، علما أنه لا يحوز على منصب سياسي رسمي، سوى منصب الوصاية/الشراكة المالية، التي يرى مخلوف أنها تخوّله التدخل في شأن النظام الذي يتغذى من أمواله.
أما بعد تسع سنوات من الصراع يقول النيفي، استجدت أمور، وغابت أخرى، ولعل أبرز ما استجدّ بوادر التغيرات في مواقف حلفاء الأسد، وتحديداً الروس، ويمكن القول إن موسكو دافعت عن بشار الأسد طيلة الفترة التي كان قادراً فيها على تلبية مصالحها، بينما رامي مخلوف وحلفه المالي يعتقدون أن رأس بشار أصبح قابلاً للبيع بالنسبة للروس، أي إن السلطة التي غذّاها مخلوف بماله سوف تزول، فلمَ لا يحافظ على المال، وينجو بنفسه وأمواله ويخرج بها إلى روسيا ملجأ أبيه، أو بيلاروسيا ملجأ أخيه حافظ، خير له من مواجهة مصير لا يستطيع التنبؤ به.
ويوضح المعارض السوري أن الانقسام ظهر من الجانب الشكلي، فرامي يحاول الاستقواء بالروس، دون أن نعلم حتى الآن، إلى أي مدى يمكن للروس أن يساندوه، ولكن على الرغم من النزاع المالي العميق، فإن مخلوف ما يزال يستجدي الطرف الآخر، فهو يريد أن تبقى أمواله بعيدة عن سطوة بشار وزوجته، لذلك يعرف أن التصعيد لن يكون لصالحه، وخاصة أن مخلوف ليس لديه قوة على الأرض يمكن أن تجابه بشار، أما ما لدى مخلوف من ميليشيات مسلحة، كانت توفر الحماية لتجارته وشركاته وسوى ذلك، فإنها لا ترقى لأن تكون قوة قتالية بإمكانها مواجهة الجيش والمخابرات التي ما تزال تحت سيطرة بشار.
وبزاوية الصراع يحصر النيفي الأسباب بموافقة الإدارة الأمريكية على قانون سيزر، والدفع باتجاه تطبيقة في حزيران المقبل، الذي كان ناتجاً عن رغبة واشنطن في الضغط على نظام الأسد والروس معاً، وإنهاء الدور الإيراني في سورية، أي إن التغيير الذي طرأ على المواقف الدولية حيال نظام الأسد، كان خلفه رغبة واشنطن في تعزيز استراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط، وتحاشي الروس من أجل عدم وقوعهم تحت سطوة العقوبات الأمريكية الموجعة هو الذي يجعلهم يفكرون بإيجاد البديل السوري الذي يحافظ على مصالحهم.
واختتم المحلل السياسي توقعاته بالقول: إلّا أننا من جهة أخرى لا نرى أن التغيير – إنْ حصل – في سورية، سيكون نتيجة لاستمرار العملية السياسية التي بدأها الروس من أستانا مطلع العام 2017، وليس – كذلك – وفقاً لمرجعيات جنيف، بل ربما يكون الحل السياسي عبارة عن توافق دولي – روسي/أمريكي/تركي – ثم تقوم هذه الأطراف الثلاثة بإكساء توافقاتها معاً، طابعا شرعياً داخل أروقة الأمم المتحدة.
النظام أشبه بمريض في غيبوبته
محمد برو
مدير مركز صدى للأبحاث واستطلاع الرأي
محمد برو مدير مركز صدى للأبحاث واستطلاع الرأي قال بدون أدنى شك النظام شديد الإنهاك، وهو أشبه بمريض في غيبوبته يعيش في غرفة الإنعاش، منذ عام “2015” لولا مصالح بعض الدول وفي مقدمتهم روسيا وإيران، لما استطاع هذا النظام البقاء ستة أشهر، أما الآن يرى برو أن هناك تغيرات لا بد أن تنعكس على موازين القوى في بنية النظام، خاصة وأن الروس يضغطون بشكل مستمر على الخزينة السورية الفارغة لتحصيل ما يمكن من ديون مستحقة على النظام السوري.
الأمر الذي دفعه للضغط على شبكة رامي مخلوف التي تسيطر على قسط كبير جداً من الاقتصاد السوري، إضافة لكون النظام بتعامله مع أزماته المتراكمة يحتاج إلى كبش محرقة يضحي به كورقة ترضية للوضع الداخلي، ويعتقد مدير مركز صدى كون الفساد المرتبط برامي مخلوف تجاوز جميع الحدود فهو الضحية المثلى، وهذا الوضع الناشئ سيكون له تداعيات على شبكة المصالح داخل بنية النظام.
واستتبع برو أن التشققات في بنية النظام حاضرة منذ سنوات لكن الآن تتبدى مفاعيلها بشكل أوضح، ولن تودي إلى انقسام ملموس، لأن رامي مخلوف فقاعة صنعها النظام وسيتخلص منها وممن يؤيد وجودها وسيجعل ذلك جزءاً من الترويج لقضية محاربة الفساد، ويضيف برو إن الروس لن يقدموا على دعم رامي مخلوف بمواجهة بشار الأسد إنما سيكون لهم ضغط ملموس لتسوية يرجح أنها ستذهب بنفوذ آل مخلوف مع مزيد من التضييق على الوجود الإيراني.
بينما يوصف مدير مركز الأبحاث الصراع داخل بنية النظام، إنه في الأصل صراع على تقاسم النفوذ الذي يتشابك فيه الاقتصادي والأمني، وفي هذا التفصيل بات واضحاً منذ تعافي أسماء الأسد من مرض السرطان، وعملها بشكل حثيث على سحب البساط من تحت آل مخلوف وبناء طبقة جديدة من رجال الأعمال الجدد يكونون بمنجاةٍ من العقوبات الاقتصادية التي أرهقت النظام، وربما يكون هذا الاتجاه متناغماً مع سعي النظام لإعادة إنتاج نفسه وتأهيله للمرحلة القادمة، كل هذا يأتي منسجماً مع العمل الجاري على تقليص الدور الإيراني في سوريا، وهذا ما نلمسه من خلال القصف المتكرر للمواقع العسكرية الإيرانية في سوريا من قبل الطيران الإسرائيلي، دون قدرة إيران على أي رد.
هذا الصراع جزء من تفاعلات الفساد
رياض درار
الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية
تسع سنوات من الثورة أنهكت الجميع سواء كانون من المعارضة أو الموالاة كما يقرأ الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية رياض درار الواقع، والصراع داخل البيت الحاكم برأيه لن ينهيه بيوم من الأيام فهي ليست المرة الأولى، فهذا الصراع جزء من تفاعلات الفساد التي أخذت طورها الأعلى في هذه المرحلة، ومع ذلك فإنه سيصل إلى تفاهمات لا تنهي النظام لأن نهاية النظام ليست داخل البيت أو في سوريا بين أبناءها إنما بالقوى المتدخلة سواء كان روسيا أو أمريكا أولاً وبعض القوى الأخرى التي أصبحت على هامش وأطراف التدخل.
درار يقول إن الانقسام لدرجة الصراع موجود في حاضنة النظام بين التيارين الروسي والإيراني وربما مرت مرحلة كان فيها اغتيالات وتفجيرات، لهذا الطرف على حساب ذاك بين قوى الأمن.
ويرى الرئيس المشترك لـ مسد أنه لا يمكن التوقع أن تكون هناك غلبة في هذا الصراع أيضاً لأن الغلبة هي للدول المتحكمة، وإيران الآن هي موضوع تفاوض وتفاهم من أجل إخراجها من سوريا وهذا ليس بالأمر السهل لأن الإيرانيين يتحكمون في أكثر مفاصل البيت السوري ولذلك إخراجهم ليس سهلاً وليس بمجرد تحركات بهذه النقطة أو تلك وقصف جوي على مواقعهم.
بينما يجد درار أن قانون سيزر سيكون له تأثير شامل على جميع المتدخلين في سوريا والمواطنين في الداخل، بالتالي فإن هذا القانون لا يكون سبباً إلا بمنع المشاركة مع النظام، فالمخارج كثيرة ومستمرة دائماً ربما بعض الشركات سوف تتوقف عن المساعدة والمساندة، لكن الذين يحاربون أمريكا ويقفون ضدها لن يهتموا بكيفية تأثير هذا القانون وسيبقى تدخلهم قائماً، لذلك لا نعول على هذا القانون أن يكون سبباً في إنهاء النظام بقدر ما سيكون سبباً من أسباب الدفع نحو تفاوض جديد من أجل إعادة شكل هذا النظام، لأن البديل ليس موجوداً حتى الآن ولا يمكن أن يسقط البديل بمظلة من السماء، ربما بعد القرار الأمريكي بتسليم روسيا سوريا كاملة، هذا ممكن أن يجعل روسيا طرفاً أساسياً في رسم المسارات والسياسات.
صراع رامي/بشار ستتم لملمته
عدنان عبدالرزاق
صحفي سوري
يتفق الصحفي السوري عدنان عبدالرزاق مع وجهات نظر الضيوف الآخرين ضمن هذا التحقيق من خلال المتابعة وما تكشفه معيشة السوريين، بأن نظام الأسد قد تهالك اقتصادياً بشكل أوصله للإفلاس وعدم قدرته على تحسين المعيشة عبر زيادة الأجور أو تسديد ديون روسيا المستحقة التي فضحت بنية الأسرة الحاكمة أخيرًا.
هذا التهالك الذي يظهر من وجهة نظر الصحفي السوري من خلال تراجع الناتج الإجمالي المحلي من 60 مليار دولار إلى نحو 11 ملياراً وفراغ خزينة الدولة من القطع الاجنبي البالغ 18 مليار دولار، وثمة دليل بتهاوي سعر الصرف من نحو 50 ليرة إلى أكثر من 1300 ليرة مقابل الدولار.
لم يقف التهاوي عند الحدود الاقتصادية كما يقول عبدالرزاق إنما هناك تهاوٍ سياسي للنظام، بعد شعور حامليه بأنه عبء، فبدأنا نرى الخلافات الروسية/الأسدية وكذا الإيرانية مع النظام، وربما الجرائم المرتكبة خلال الثورة، زادت من تعريته سياسياً، وبخاصة قانون قيصر المنتظر والذي من المتوقع أن يكون له مفاعيل إضافية على إفقار النظام والسوريين بآن، ويوقف بعض الإمدادات التي تسعفه، سواء من مصر أو الإمارات أو حتى شركائه في طهران وموسكو.
الصراع الذي بات معلناً مع رامي مخلوف، يرجح الصحفي السوري أنه ستتم لملمته وفق ما يسمى مجلس حكماء الطائفة، ليدفع رامي شركاته وممتلكاته بالداخل كدية، ويتم اقتسام الأموال الخارجية بين أسر آل الأسد ومحمد مخلوف، إذ من المعروف أن مخلوف يدير أموال ورثة الأسد، بمن فيهم باسل ومجد المتوفيين
لكنه يعتقد أن الفجوة لن تتسع وسيتم تسويتها بطريقة ما، لكن تلك التسوية لن تمحو التأكيدات التي لمسها السوريون والعالم حول الفجوة والفساد واختصار القانون وسوريا بأسرة حاكمة.
الكاتب السوري قال: لست من أنصار أن الروس يناصرون رامي، رغم أن أبيه وأخيه يقيمان في موسكو ومحمد مخلوف كان عراب التسليح والصفقات منذ مطلع الثورة وزادت بعد التدخل الروسي عام 2015، إذ أعتقد أن في مصلحة روسيا إضعاف جميع الأطراف وتعريتهم قبل حلول الصفقة المتوقعة، وهي إزاحة الأسد والتي ربما تتم بالتوازي مع انتهاء الفترة الرئاسية العام المقبل.
وهنا خالف عدنان عبدالرزاق بوجهة نظره ما وصفه رجل الأعمال السوري خالد المحاميد لجهة الانقسام، وتشكيل الدولة العميقة فيقول يعرف المطلع على بنية الدولة العميقة التي أسسها حافظ الأسد، أن للنظام رأس واحد فقط، لذا برأيي الانقسامات مرحلية، ولكن هذا لا ينفي التخوف، وربما الخيبة التي تشكلت بمدن الساحل السوري خاصة، بعد خلاف الأسد/مخلوف، والتي أعادتهم لمنتصف ثمانينيات القرن الماضي، خلاف حافظ ورفعت.
وأيضاً الصراع في سوريا مرتبط بقضايا عدة، منها تفتت الكتلة الصلبة، الاقتصادية والسياسية حول بشار الأسد ومرتبط بقناعة روسيا بعدم القدرة على الاستمرار بدعم حليف مرفوض دولياً، وشعورها بالخسائر كلما طال تبنّي مواقف الأسد ومحاولات إعادة إنتاجه، ومرتبط أيضاً بالوضع الداخلي المتردي، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.
ومرتبط بتعرية النظام دولياً وبداية الشعور الدولي بضرورة الحل، قبل أن تتحول سوريا لساحة احتراب داخلي ودولة فاشلة، لذا سنرى سيزر وربما نرى خنقاً إضافياً، أوروبياً ودولياً لنظام الأسد وداعميه بطهران والضاحية الجنوبية.
التوافق الكبير على بداية النهاية لحكم الأسد، وتأويلات شكل صراع الأسد/مخلوف من جهة والتوازع الروسي/الإيراني من جهة أخرى، يظهر مدى التراجع والانحلال في منظومة القوة الأسدية التي أسسها حافظ الأسد قبل قرابة خمسين عاماً، وتكرار وريثه بشار للتضحية بقرابة الدم لمحاولة إنقاذ نظام الحكم.