صراعات خفيّة تحكم جناحَيْ “قسد”.. فهل الاغتيالات والتصفيات من نتائجها؟
نداء بوست 2022/6/24
تشكَّلت ما تسمى “قوات سورية الديمقراطية” بدفع من الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت الغاية من ذلك إظهار “وحدات الحماية الكردية” على أنها جزء من هذه القوات، والتي تتكون من منتسبين عرب وغير عرب في مناطق نفوذ هذه الوحدات.
لكن الحقيقة غير ذلك البتة، إذ إن قيادات الصف الأول والصف الثاني الفاعلة عسكرياً وأمنياً إنما تتبع “وحدات الحماية الكردية”، وهي ذراع حزب الاتحاد الديمقراطي PYD الذي يعتبر الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي الأصل PKK.
وليس خافياً على أحد أن حزب الاتحاد الديمقراطي يشهد صراعاً صامتاً بين جناحيه الرئيسيين، جناح يقول بضرورة انفكاك الحزب عن جماعة حزب العمال الهابطة من جبال قنديل، وجناح آخر يقول بضرورة التماهي مع أهداف وسياسات الحزب الأم PKK.
جناح الدعوة إلى الانفكاك، يريد الاقتراب من قوى الثورة السورية وفق شروط يريد التفاوض عليها، بما يتناسب واعتقادهم، بضرورة قيام حكم ذاتي في الجزيرة السورية، وهذا يتطلب أن يغيروا سياساتهم المعادية للدولة التركية، ولكن هذا الجناح لا يملك القدرة الكافية على تنفيذ برنامجه بغير دعم من الولايات المتحدة، وهذا لا يمكن تحصيله في ظل مسؤولية بريت ماكغورك المتعاطف جداً مع حزب العمال الكردستاني، لغايات تتلخص بإرباك الدولة التركية وحكومتها الحالية، لمنعها من تطوير قدراتها الاقتصادية الذاهبة نحو شغل مقعد متقدم في مجموعة الدول العشر الأكثر قدرة اقتصادية على المستوى العالمي.
جناح التماهي مع أهداف حزب العمال الكردستاني يرى في طرح الانفكاك عن هذا الحزب خطراً حقيقياً على مشروع الدولة القومية الكردية التي يقولون إنها محتلة من أربع دول هي (إيران وتركيا والعراق وسورية)، وهذه أطروحة غير صحيحة، فالأكراد موزعون في أماكن تواجدهم عَبْر مراحل تاريخية مختلفة، وهم لم يستطيعوا بناء دولة قومية خاصة بهم نظراً لضعف الطبقة الاجتماعية الحاملة لمشروع بناء دولة كهذه.
الصراع الخفي داخل حزب الاتحاد الديمقراطي، ربما هو مَن يقف خلف تصفيات سياسية أو جسدية تعرضت لها شخصيات مختلفة، وهناك مَن يقول إن اصطياد المتطرفين المعادين للدولة التركية في شمال شرق البلاد (الجزيرة) يتم رصدهم ومتابعة حركاتهم من خلال اختراقات أمنية ناتجة عن هذا الصراع.
هذا الصراع ليس صغيراً ومحدوداً، ويجد بُعده في رفض حزب الاتحاد الديمقراطي متابعة التفاوض والحوار مع المجلس الوطني الكردي، الذي تعرض كثير من كوادره للسجن والتهديد بالقتل ومنع النشاط السياسي، هذا الرفض يقف خلفه كوادر حزب العمال الكردستاني، لأنهم يدركون أن مشروعهم العابر للدول الذي يريدون تثبيت مربع بدايته مشروع في مهبّ الريح.
وَفْق هذه الحقائق، يمكن فهم تذبذب مواقف جناح الداعين للانفكاك عن حزب العمال، وهذا يعني زيادة وتيرة الصراع الداخلي في هذا الحزب (الاتحاد الديمقراطي)، وبالتالي انتقال الصراع من حيّزه السياسي إلى حيّزه الأمني، وهو ما حدث مع مظلوم عبدي قائد ما يسمى قوات سورية الديمقراطية، والذي صرّح بحوار لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى قائلاً: “نريد حلّ خلافاتنا مع تركيا من خلال الحوار وأننا لسنا طرفاً في الحرب بين تركيا وحزب العمال الكردستاني”.
هذه التصريحات تبعها تهديدات صامتة لمظلوم عبدي بعزله وربما بأكثر من ذلك، وهو أمرٌ دفعت ثمنه هفرين خلف التي تم اغتيالها بكمين على طريق M4 قرب الحسكة وهي منطقة تقع تحت نفوذ قوات “قسد”.
لقد نشرت قناة DW الألمانية “هفرين خلف سياسية كردية وهي الأمين العامّ لحزب سورية المستقبل، يلفّ الغموض مقتلها في شمال سورية”، وهذا يعني أن هذه التصفية تقع في مربع الصراع الداخلي الخفيّ بين جناحَيْ حزب الاتحاد الديمقراطي.
هذه التصفية لا علاقة لأي فصيل عسكري يتبع الجيش الوطني السوري التابع لوزارة دفاع الحكومة المؤقتة، لأنها وقعت في منطقة خارج عملياتهم، في منطقة قريبة من الحسكة على الطريق المسمى M4 وهو تحت نفوذ ما يسمى “قوات سورية الديمقراطية”.
لهذا سارعت جهات تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي بالقول: إن قوات مدعومة من تركيا تقف خلف اغتيال هفرين خلف، وذلك لإبعاد شبهة مقتلها نتيجة الصراع بين جناحَي الحزب المذكور. وقد تبنّت جهات أمريكية ترعى صراع حزب العمال الكردستاني ضد تركيا فكرة روّج لها الـ PKK، أن فصيلاً عسكرياً من الجيش الوطني يقف خلف الاغتيال، وذلك دعماً لهذا الحزب المصنّف بالإرهابي لدى الولايات المتحدة وتركيا وغيرهما من الدول.
لهذا يمكن كاحتمال أن تكون الأمين العامّ لحزب سورية المستقبل ضحية هذا الصراع الخفيّ بين جناحَيْ حزب الاتحاد الديمقراطي، فالفصائل العسكرية لقوى الثورة ليس لها أي مصلحة باغتيال امرأة مدنية تم تنصيبها من قبل الـ PKK رئيسة لحزب لا يشكّل أي تهديد.
إن الولايات المتحدة معنية بتصحيح سياساتها تجاه حلفائها في الشرق الأوسط، وفي مقدمة هؤلاء الحلفاء شريكتها في حلف شمال الأطلسي “تركيا”، هذا التصحيح يبدأ من رفع غطاء الحماية عن حزب العمال الكردستاني، الذي يقود وحدات الحماية الكردية المهددة للأمن القومي التركي، والمهددة لوحدة أراضي سورية. ومعنية بإعادة النظر بعقوبات مسيسة ضد فصائل قوى الثورة، ومنها فصيل أحرار الشرقية.
تصحيح السياسة الأمريكية حيال القضية السورية، والموقف من تنظيم تصنفه هذه السياسة بأنه إرهابي، من شأنه خلق الاستقرار في المنطقة وتقوية موقفها حيال صراعات أكبر ستواجهها في المستقبل القريب، فهل ستذهب إدارة بايدن إلى هذا التصحيح، أم تبقى أسيرة سياسة متناقضة يضعها فيها بريت ماكغورك وأمثاله؟