صاحب نظرية “تأريض الإسلام” فيروس كورونا يضع حداً لحياته ومشروعه!
تعرفت على الكاتب “حسين قادر” 1958-2020، قبل حوالي عقدين، عندما كان ينشر بعض المقالات السياسية، في مواجهة الاستبداد، والظلم الذي يلحق بأهله الكرد، على أيدي سدنة النظام السوري، وتعززت علاقتنا، منذ حوالي عقد زمني، بعد أن سهلت وسائل التكنولوجيا الحديثة – الفيسبوك – على نحو خاص سبل التواصل بين الناس، وأزالت ألغام الحدود، وبواباتها، وجماركها، لأطلع عن كثب على بروفايله، وتتعزز العلاقة – أكثر – عندما بت أتابع موقفه، من الاستبداد، أياً كانت هويته، إذ لطالما أبدى رأيه بشجاعة.
وإذا كانت مقالاته السياسية، تتناول هموم إنسانه، في مرحلة ما قبل الثورة السورية، وما بعدها، فإن ابن عفرين الذي حصل على شهادة الهندسة المدنية في جامعة حلب1981، وهاجر إلى أوربا بعد أن واجه الفساد الإداري في إحدى البلديات التابعة لحلب، عندما قدم له أحد المتعهدين جهاز تلفزيون – هدية –، فجن جنونه ما إن علم بذلك، بعد عودته، في مساء ذلك اليوم، ليطلب من إخوته – وعلى جناح السرعة – إعادته إلى صاحبه الذي يئس من رشوة هذا المهندس، ليمرر صفقات كبيرة من خلال توقيعه، من دون جدوى، ما دعاه إلى تهديده، ليواجه ذووه التهديد بمثيله، إلا أن المشكلة تفاقمت أكثر، بعد أن اكتشف أن بعض مسؤولي السلطة “المتنفذين” أنفسهم باتوا يهددونه، فإما الخضوع لآلة الفساد، أو أن يدفع حياته، ما دعاه لأن يقنع ذويه بضرورة السفر إلى أوربا لمتابعة دراساته العليا، فقد أحب عالم الهندسة، وحلم أن ينال الدكتوراه في هذا المجال، ليعود أستاذاً جامعياً، يعمل في ظروف أقل ضغطاً، أو أكثر حرية، إلا أنه بعد سفره إلى أوروبا انخرط في العمل، وأسس شركة صغيرة، وبعد تأمينه بعض المال، عاد إلى الوطن، ليعمل في مجال البناء، ويتفرغ لمشروعه الفكري، إلا أن اشتعال وطيس الحرب في بلده، دعاه في العام 2012 للعودة إلى النمسا التي كان قد حصل على جنسيتها، من قبل، بعد أن تكبد خسائر هائلة، ناجياً بنفسه وأسرته!
ولعل الاطلاع على كتابه اليتيم الذي أنجز من جملة مخطوطاته ” تأريض الإسلام” الذي صدر عن دار – دار – في مدينة قامشلي، في 400 صفحة من القطع الكبير، يبين مدى عمق رؤية المفكر زاغروس آمدي – وهو الاسم الأدبي – الذي اتخذه لذاته، إذ إنه عمل على تأريض النص المقدس، ونفض ما علق به، من خارج بيئته – بحسب رؤيته – لقراءته ضمن ظرفه التاريخي، زماناً ومكاناً، كصدى لواقعه، بل كثورة على واقع مكان وزمان محددين، وهو ما يسجل له، من دون أن يخفي أن ما يسعى إليه إنما هو من أجل نبذ منابع العنف، وتجفيفه.
مؤكد، أن – نظرية التأريض – والتي اشتغل عليها الكاتب إنما هي مغامرة منه، بل خطوة تتجاوز – بزعمي – بعض محاولات ذوي نظريات نقد المقدس، باعتباره يؤرض هذا النص، وهوما يترتب عليه الكثير، ولعل هذه النقطة كانت وراء عدم نشر الكتاب على صعيد واسع، بل إن الدار التي أصدرته لم يعد لها أثر الآن، لأسباب خارجة عن إرادتها، كما أن الكتاب بات بحاجة إلى إخراجه من حدود تداوله ذي النطاق الضيق!
أهمية مشروع المفكر آمدي تكمن في أنه تطرق إلى موضوع جديد، غير مسبوق، وهو ما سيتضح على نحو جدي لمن يقرؤه، بالرغم من استعانته بالسابقين عليه في هذا المجال، وكانوا جميعاً ممن يتوقفون عند مداخل النص – غالباً – من دون التوغل إلى ما بعد القشر، والصميم، وهو لا يشك سيثير حواراً بين من يقرؤونه: تقبلاً أو رفضاً. كل بحسب رؤاه، وقناعاته!؟
ولكم هو مؤلم، أن يلفظ هذا المفكر أنفاسه الأخيرة، بسبب فيروس كوفيد19 من السلالة الكورونية في أحد مشافي فيينا/النمسا، بعيداً عن مسقط رأسه الذي يعيث فيه الغرباء، وألا يدفن جسده الطاهر في قريته “مامالي” التابعة لعفرين، وإنما في إحدى مقابر فيينا، من دون أن تكترث أية مؤسسة سورية به، لولا بطاقة النعوة التي أصدرها – الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا – وإضاءة من تلفزيون “آرك” ولعل الأوجع من كل ذلك أن حلمه في طباعة مخطوطاته لم يكتمل، ومن بينها كتابه اليتيم الموءود، والذي اقتصرت قراءته على عدد من أصدقائه، ومن محيطه، بالإضافة إلى بعض من كتب لهم اقتناؤه في مسقط حبر الكتاب، أي في: قامشلي.
وإذا كان المفكر زاغروس قد رحل تاركاً وراءه الكثير من المقالات، والدراسات، فإن مهمة كبيرة تقع على كواهل محيطه: ذويه، أصدقائه، محبيه، لجمع تراثه، وإعادة طباعته، لأنه بحق يرتقي إلى مصاف المفكرين الأكثر عمقاً في رؤاهم، وكان قد زهد خلال حياته – رحمه الله – في هذه المهمة، وإن كنت أعدني – شخصياً – قد قصرت بحقه، لاسيما أنه قد خصني بنسخة من كتابه الذي اكتفيت بالإعلان عنه في صفحتي الفيسبوكية، تاركاً مهمة قراءته، ونقده، لسواي!
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”