fbpx

شريعة الذئاب المنفردة

0 389

فكرة الانتقام فيما وراء الحدود، انطلقت كــ فتوى إيرانية عام 1989 بحق الكاتب البريطاني سلمان رشدي، كان الهدف منها أن تقدم إيران نفسها أمام وسائل الإعلام كزعيمة للعالم الإسلامي، ثم تلقف تلك الفكرة فيما بعد تنظيم القاعدة، فصنع 11 أيلول سبتمبر، وصولاً إلى تنظيم الدولة (داعش) الذي فتح بوابات من الدماء، ليس في سوريا والعراق واليمن وتونس ومالي ونيجيريا وموزمبيق فقط، بل تعدى ذلك نحو أعمال غاية في الوحشية، من خلال ما يسمى بظاهرة الذئاب المنفردة، من ألمانيا إلى فرنسا وتونس وإسطنبول وغيرها من البلدان الأوروبية.

لكن، تبقى الذئاب المنفردة هي واحدة من أخطر ما أنتجه العقل المتطرف، لأنها سمحت لكل فرد ليس صاحب عقل أو رأي أن يرى الأمور بمنظاره الخاص، وأن يختار المكان والزمان المناسبين للتعبير عن ذلك معتقداً أنه يمارس عين الصواب، وهو فعل لم يحدث في التاريخ، ويتجاوز حتى حالة عصابات الإجرام والقتل، التي تستخدم الجريمة كغطاء لمصلحتها، بينما في حالة الذئاب المنفردة، لا يعرف القاتل لماذا يقتل، ولا ينتظر فائدة أو جائزة من أحد، لأنه غالباً مشروع ميت لكنه يقتل قبل أن يموت.

فتوى خارج النص:

خطورة الفتوى الإيرانية عام 1989 أنها شرعت استهداف مواطن ينتمي ويقيم في دولة أخرى، تلك الدولة ترتبط بعلاقات دبلوماسية وسياسية مع إيران، لكن الأخطر ما في تلك الفتوى أنها أضافت تشريعاً لم يكن موجوداً ولم نسمع عنه في قواعد الفقه الإسلامي، وهو استهداف من هم خارج ميدان المعركة، لأن الحرب في العقيدة الإسلامية ترتبط بمكان وزمان محددين، ولا تتعداه مطلقاً،  ولذلك عندما أراد أسامة بن لادن تبرير القتل الذي يقوم به، معللاً سبب ذلك، أن المواطن الغربي يدفع الضرائب للدولة وهذا كاف لقتله بحسب وجهة نظره، وهي نقطة جوهرية، لا مجال للشك بأنها جاءت من عالم غير عالم الفقه والعقيدة الإسلامية، وبذلك، كانت داعش امتداداً لهذه الفكرة، بالتالي فإن ما يربط القاعدة وداعش هو فتوى خارج النص، جاءت لأهواء ومصالح سياسية، وهنا تولد مدارس التطرف.

تعليم ديني مبتور:

ظاهرة التديّن هي ظاهرة طبيعية جداً وتزداد وتيرتها نتيجة الظروف الاجتماعية المحيطة، حيث تشكل الحرب وعوامل عدم الاستقرار أرضاً خصبة لالتقاط الشبان من قبل الجماعات الدينية، والتي برزت في أكثر من مكان، وهذه المدارس متاحة على مواقع التواصل، من خلال ما يسمى دورات التثقيف الشرعي، والتي تستند شكلاً على نصوص مبتورة، بينما تقوم بجوهرها على فكرة جاءت من خارج السياق، ويمكنك مشاهدة الفصائل الإسلامية على اختلافها، تستبيح دم بعضها بعضاً، وتحكم بالكفر على بعضها بعضاً، وتخوض حروباً تحت مسمى الردة، ثم تعود للمصالحة وفق المصالح الخاصة المرتبطة بفكرة البقاء، وهذا المشهد امتد من أفغانستان إلى العراق وسوريا والشمال الأفريقي وغير ذلك.

الظاهرة الجهادية الإسلامية بمضمونها هي ظاهرة حزبية ضيقة الأفق، وكل حزب أو جماعة جاهز في بنيته الداخلية لحمل السيف وقتال الفصيل المنافس، ودائماً ثمة فتاوى جاهزة للحرب أو للسلم بين هذه الجماعات.

التعليم الديني خرج عن سياقه، فبعدما كان سابقاً يعتبر حالة معرفية لإدارة السلوك الإنساني وإعادة ضبطه على قاعدة الفضيلة، وهو ما لا تجده متاحاً اليوم، حيث إن التعليم الديني بات مقتصراً على النصوص المبتورة فقط، والزوايا المغلقة، التي يمكن إدارتها عبر أي منصة إنترنت مجهولة.

نحو المجهول:

في عالم السياسة، لم يعترض أحد على صلاح الدين الأيوبي عندما وقع معاهدة مع الإفرنج أعطاهم بموجبها كامل الساحل الفلسطيني مقابل الحصول على القدس، لكن الجماعات الإسلامية قتلت أنور السادات بعد كامب ديفيد، بمعنى أن فتاوى العصر السياسية تبيح المحظور والمحرم.

من جانب آخر، فما عرفناه عن ميزة مهمة في العقيدة الإسلامية أنها تقوم على علاقة فردية بين الإنسان وبين ما يؤمن به، وفق النص (لكم دينكم ولي دين). بمعنى أنها علاقة فردية لا يحدد مسارها رجال الدين مطلقاً، لكن دورهم فقط محصور في تعليم الناس العبادات، وأما فكرة الجهاد التي كانت موجودة في العصور الإسلامية والتي تقابلها اليوم فكرة الدفاع عن الوطن، فهي بالأساس كانت من اختصاص السلطة الحاكمة، ولا تزال كذلك، لأن السلطة أقرب لما يحدث من أمور من الشيوخ الذين يجلسون في الزوايا المظلمة، وتبقى علاقتهم بالحياة والنظم الاجتماعية علاقة محدودة، لذلك إن إشكالية التعليم الديني هي واحدة من مسؤوليات الدولة، التي تتحمل واجبها نحوها من خلال صناعة مستقبل تعليمي ديني لا يتجاوز سقف الدولة، ولا ينتج عنه هذه المساحة من الفوضى والتي يمكن أن تجدها فقط في البلدان التي تنحسر فيها مسؤوليات وسلطات الدولة ما يقودها نحو المجهول.

الذئاب المنفردة تنتمي إلى شريعة الغاب. 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني