fbpx

شرعنة الزنى بالقانون

0 414

تعتبر مؤسسة الزواج أول مؤسسة اقتصادية في العهد البشري، فمنذ آلاف السنين نشأت بين الرجل والمرأة بهدف تبادل المصالح، حيث تقدم المرأة الطهي مقابل الحماية من الرجل لمدة ليست بمحددة تخضع لرغبات ومصلحة كل طرف بغض النظر عن الطرف الآخر. لم يكن الأمر محدداً بالعلاقات الجنسية فقط التي كانت في بعض المجتمعات القديمة مشاع للرجل والمرأة، فتتعدد الشريكات ويتعدد الشركاء في العلاقات الجنسية.

ولا نجد هذا التعدد في المجتمع الروماني، حيث حرم القانون الروماني تعدد الشركاء في العلاقات الجنسية واعتبر الزواج من امرأة ثانية (تعدد الزوجات) زنى لذلك اعتبر الرومان من أقدم وأعرق المجتمعات في تقديس الزواج.

في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كانت هنالك أشكال متعددة للعلاقات الجنسية والمسماة (زواج) حسب الروايات منها (نكاح البعولة): وهو القائم حتى يومنا هذا بخطبة الفتاة من أبيها على مهر وبحضور الشهود.

وزواج (المباضعة): حيث تقيم الزوجة علاقة جنسية مع رجل آخر بعلم ورضاء الزوج بقصد إنجاب طفل يحمل صفات هذا الرجل الذي يتم اختياره بالاتفاق بين الزوج والزوجة ويكون ذا موقع ومكانة في مجتمعه.

وزواج (المخادنة): ويعني المصاحبة، أن تتخذ الزوجة رجلاً آخر تقيم معه علاقة جنسية غير زوجها وغالباً بغير علمه.

وزواج (البدل): يتبادل زوجان زوجتيهما لمدة معينة.

وزواج (المضامدة): تتخذ فيه الزوجة أكثر من زوج، لإعانتها على القحط.

وزواج (الرهط): يقوم على ممارسة عدد  من الرجال الجنس مع امرأة واحدة، ومتى أنجبت تحدد من هو والد الطفل من بين هؤلاء الرجل، فيلتزم بها وبالطفل نسباً وميراثاً.

أصحاب الرايات أي الدعارة.

لماذا اعتبر ما سبق ذكره من علاقات جنسية حسب بعض الرواة (زواج)؟؟؟

أعتقد أنه تجميل للإسلام الذي حرّم كل ما سبق وأبقى على زواج (البعولة) لكن هل فعلاً حرم الإسلام تلك العلاقات؟؟

جاء في القرآن الكريم في الآية الثالثة من سورة النساء (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألاَ تعولوا) 

وجاء أيضا في الآية /129/ من سورة النساء (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) 

ماذا قصد الله تعالى في هاتين الآيتين؟

القصد الواضح وهو تحريم تعدد الزوجات والاكتفاء بواحدة. بما أن تلك الاحكام القرآنية أتت في زمن الفوضى من العلاقات الجنسية، ولتأسيس حياة مستقرة للأسرة تحقق الغاية من وجودها في حفظ النسل وديمومة النبع البشري ضمن مؤسسة الزواج التي تحمي حقوق أفرادها وتقويها وتمكنها من الاستمرار.

لكن الحقيقة الواضحة والقائمة هو الالتفاف على الآيات بتفسير لا يمت لهما بصلة، واستخراج ما يناسب بعض الرجال من أهواء وغرائز بتفسير (مثنى وثلاث ورباع أو ما ملكت أيمانكم) ونسيان ما تضمنته الآيتين السابقتين من تحريم واضح حيث يوضح القرآن الكريم اشتراط العدل وينفي وجوده لدى البشر ليقول (فواحدة) و(لن تستطيعوا ولو حرصتم) الله يخاطب العقول لتدرك القيمة الحقيقية للإنسان، فكان التدرج بالأحكام يناسب ذلك العصر ما يعطينا درساً أن نتحدث بمنطق العقل وإشغال الفكر الذي هو أكبر عطاء للإنسان من الخالق (وأما بنعمة ربك فحدث) نعمة العقل التي ينبغي الاعتماد عليها في كل جوانب الحياة واشتراط العدل ما هو إلا دعوة لإشغال العقل واستبعاد الغريزة.

الرجل الذي يرى في تعدد الزوجات إشباعاً لغرائزه وتحقيقاً لأكبر استمتاع له هو استخفاف بعقله وقيمته الإنسانية فلا يعقل أن يكون الهاجس والهدف من الزواج هو الاستمتاع بامرأة وتحقيق الرغبات الجسدية، بالعقل والمنطق نفهم أن الزواج هو تبادل المشاعر الصادقة والاتفاق على تأطيرها بمؤسسة الزواج لتكوين أسرة قادرة على النهوض بواجبها المجتمعي فهي نواة المجتمعات فمتى كانت على أسس صحيحة كانت داعماً ومساعداً لبناء مجتمع سليم متعاف قابل للتطور ومواكبة المجتمعات المتحضرة. لكن للأسف مازلنا بعيدين عن تلك الحضارة بمعاداتنا لقواعد وحقوق الإنسان بالمساواة بين الجنسين وعدم سطوة وسيطرة جنس على آخر وهو ما يتسم به مجتمعنا من ذكورية مفرطة تخطت وشذت عن المبادئ والقيم التي يدعي بها هذا المجتمع الذكوري الذي أفرد في قوانينه أحقية الرجل بالجمع بأكثر من زوجة، لا أدري كيف تناهى الى عقله وتفكيره خلال سنوات طوال سبقته فيها مجتمعات عديدة مسلمة أيضا بتحريم تعدد الزوجات مثل القانون التونسي والقانون التركي، أليست تلك المجتمعات بمسلمة وتؤمن بالقرآن كتاباً مقدساً لها؟ لقد تخطت حواجز اللامعقول من اعتبار المرأة أداة ووعاء استمتاع للرجل واعتبرتها بنفس مرتبة الرجل، إنسانة لها نفس الحقوق والواجبات انطلاقاً من مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة واحتراماً لإنسانيتهما.

إن استباحة تعدد الزوجات في القانون هو تغطية قانونية للزنى فإن سمي زواجاً كما سميت أنواع كثيرة قبل الإسلام (بالزواج) لا يعنى هو كذلك بل هو انتقاص من إنسانية الرجل والمرأة معاً فلا يعقل أن يكون هناك عدل لا بالمشاعر ولا بالمعاملة، لذا استبعاد تعدد الزوجات يعتبر مؤشراً حضارياً للمجتمع والتذرع بمسوغات لا أساس لها من الصحة كـ ارتفاع أعداد النساء على أعداد الرجال نتيجة الحروب ولضمان العفة! 

عن أية عفة يتحدثون؟ فهل عقد الزواج المبطن بعلاقات مصالح وكذب وخداع ينطوي على العفة، لقد بين الله اعتباره النية هي الأساس في الحساب، لنفترض أن علاقة حب صادقة بين رجل وامرأة حدثت في مكان وزمان لا يستطيعون فيه تدوينها بكتاب أو بشهود فهل تعتبر غير شرعية؟ طبعاً لا، الكتاب والشهود بقصد العلانية ولا يحللان النوايا الخبيثة بل إن تبادل الايجاب والقبول برضى وصدق هو الأساس الشرعي للزواج والباقي من التفاصيل لتثبيته وعلنيته. والحجج الواهية تتلاشى بوجود المواطنة والعدالة والمساواة فيكون بالاستطاعة تكوين أسرة وضمان حياة كريمة للمواطنين تحترم فيها حقوق الانسان فلا خوف من مستقبل مجهول يدفع بعضهم لسلوك الطرق الاحتيالية والالتفاف على القصد الشرعي.

البناء السليم يحتاج لأسس وقواعد سليمة، وبناء تلك القواعد في المجتمعات مهمة الطبقة المثقفة، ومنظمات المجتمع المدني في حمل مجتمعاتها على التغير وتطوير القواعد القانونية التي تنسجم مع القيم الأخلاقية من المساواة والعدالة بين الجنسين واحترام مبادئ حقوق الإنسان وحرية التفكير والتعبير.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني