fbpx

سيَّان تقسيم أم مناطق نفوذ

0 1٬096

ابتلي الشعب السوري بمعارضة هي وجه آخر للنظام، فإذا كان النظام وأعوانه قد رفعوا شعار “الأسد أو نحرق البلد” ونفذوا ذلك ضد سورية وشعبها بالتوحش كله، فلم يتركوا وسيلة قتل أو تدمير إلا مارسوها إضافة إلى السجون والمعتقلات وفوق ذلك كله استعانتهم بإيران أولاً ثم بروسيا الدولة العاتية وريثة الاستبداد القيصري الإقطاعي الذي لم تغير الشيوعية بنسختها الستالينية منه شيئاً إذ أكدته بأسلوب آخر.. وقد ورثه بوتين “قيصر” روسيا الجديد الذي فعل بسورية ما لم يفعله هولاكو أو جينكيز خان.. أقول إذا كان النظام وأعوانه قاموا بذلك فإن المعارضة لم تكن بأفضل، مع كل أسف، وهي التي أوكل لها الشعب السوري، صاحب أعظم معجزة، قيادته (سوف يسجلها التاريخ صفحاتٍ ناصعةً إذ هبَّ ضد أعتى نظام استبدادي في تاريخ سورية المعاصر) فلم تكن على قدر المسؤولية التاريخية لتستثمر ذلك الزخم الثوري الذي دوت صرخته في المدن السورية مؤيدة من ملايين السوريين الذين هتفوا للحرية، وسط أعراس حقيقية تجلت خلالها الأشعار والأهازيج ما منحها روحاً إضافية وبعداً وطنياً وإنسانياً وكيف وهو الذاهب بسورية نحو الحرية والديمقراطية والدولة المدنية المحمية بدستور عصري وقوانين تؤكد المواطنة الحقيقية التي تتوافق مع إعلان حقوق الإنسان.. لكن قيادة المعارضة انشغلت مع أطرافها ولواحقها بما أغدق عليها من أموال لم تكن، عمرها، لتحلم بها فغاب عن ذهنها وذاكرتها هدفها الرئيس وهو إسقاط النظام الذي كان يفترض أن يكون هدفاً وحيداً واعتقدت أن نصرها تحقق.. فأخذت تبحث في المحاصصة، وتقاسم الكعكة السورية قومياً أو دينياً أو مناطقياً.. وما همها كذلك تفويض شأن البلاد لهذه الدولة أو تلك، ما دام الهدف الرئيس قد افتقد فالغلبة ستكون للأقوى عدة وعدداً وهكذا كان، وهذا ما أشار إليه رياض الترك (المعارض المزمن) الذي لا يستطيع أحد أن يزايد عليه، ففي مقابلة له على قناة الـ “Arabic BBC” قبل عدَّة أيام، طلبت منه المذيعة الشهيرة جيزيل خوري أن يحدثها: “أين أخطأت المعارضة وحزب الشعب؟” خلال مسيرة الثورة السورية، فقال بلغة دبلوماسية: “الآن بعد تسع سنوات أستطيع أن أضع ملاحظة على جماعة الإخوان المسلمين هي: أنهم لم يلتزموا تماماً بتوجهات الثورة الديمقراطية الشعبية بمقدار ما كانوا يميلون أن يرجحوا كفة توجههم الإسلامي، أي إن تفاؤلنا أو حرصنا على دور للإخوان المسلمين لم يتحقق، وإنهم لم ينخرطوا كقوة إلى جانب فصائل الثورة السبعة، بل كقوة تحركها قوى خارجية.” وجواباً على سؤال ثان حول خطأ الإسلاميين الآخر.. أشار إلى نقطتين، الأولى: “اللجوء إلى العنف والثانية تسليط الضوء على جماعتهم”
من هنا يمكن الحديث لا عن أخطاء المعارضة التي وقعت في مسار التطلع نحو هدفها النبيل وهو الوصول إلى دولة مدنية ديمقراطية، تجتث جذور الاستبداد، وتفسح في المجال لتداول السلطة، وتعمل على تنمية مجتمعها وترتقي به.. بل عن أعمال تقطع أي أمل في عودة الشعب السوري إلى وحدته في إطار نظام لا مركزي يقوم على المواطنة الفعلية التي لا تميز تحت سقفها بين مواطن وآخر، والحديث لا يتناول كثرة التنظيمات فحسب، فهي كثيرة ومشروعة مهما كانت خلفياتها في المرحلة الحالية لكن بعض التنظيمات تلفت الانتباه إذ تجرّأت على اختيار شكلٍ للنظام القادم يمكن أن يمهد لتقسيم سورية إلى مناطق أو فيدراليات وقد أطلق ذلك التنظيم على نفسه اسم: “الهيئة العامة لسورية الاتحاية” هكذا وبكل وضوح، وكأن سورية مقسمة من قبل وهذه المنظمة معنية بتوحيدها.. أو كأن جوهر الصراع في سورية قائم بين مناطق وقوميات وأديان وطوائف لا بين شعب واحد موحد كـ: (الشعار الذي رفعه الثوار) وحكومة مستبدة جلبت الويلات له وعليه، وجعلت الدولة والبلاد كلها في مهب رياح مسمومة تتقاذفها الجهات الأربع..!
قد لا يلفت الانتباه هذا التنظيم مع كثرة التجمعات السورية في المغتربات لكنه يدعو إلى التفكير فيه حين يقرأ المتابع تقريراً صحفياً نقلته قناة “R.T.Arabic” الروسية عن صحيفة روسية أيضاً هي: “نيزافيسيمايا غازيتا” التي نشرته في 23 آذار/مارس الماضي تحت عنوان عريض:
“اتفاق على تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ.. ولا خيار أمام دمشق سوى القبول”
وقد جاء فيه: “على الرغم من المواجهات العسكرية في منطقة إدلب لخفض التصعيد، حافظت موسكو وأنقرة على علاقة صحية”. وأشار المقال إلى أنَّ المحادثة الهاتفية بين فلاديمير بوتين وبشار الأسد التي جرت مؤخراً لم تشهد الاتهامات المألوفة ضد أنقرة (التي تسيطر قواتها بشكل غير قانوني على المناطق الشمالية من البلاد)، ولا الانتقادات التقليدية الشديدة (لواشنطن على احتلالها شرقي الفرات وسرقة النفط وغيره من الثروات وهكذا).
وتستنتج الصحيفة أنه “على خلفية ما يحدث، يمكن الحديث عن توصل الأطراف إلى اتفاق على تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، ولا خيار أمام دمشق سوى قبول الواقع”. ويعيد التقرير إلى الأذهان تصريحاً قديماً لبوتين جاء في سياق حديثه عن مناطق خفض التصعيد في حزيران من العام 2017 إذ قال “نقيم الآن مناطق خفض التصعيد، وثمة تخوف محدد من احتمال تحول تلك المناطق إلى نماذج لتقسيم البلاد في المستقبل”. وهذا بالذات ما لفت إليه نتنياهو في لقاء له مع بوتين عام 2015 إذ أشار إلى أن “دولاً من التي تحيط بإسرائيل ستمحى وأخرى سوف تتفتت”. وهذا كله لاشك في مصلحة إسرائيل.. ومن هذه الزاوية يمكن القول: إذا كان بوتين الذي دمر سورية وشعبها يتخوف من تحوُّل مناطق خفض التصعيد إلى أنموذج للتقسيم فكيف يأتي من أهل سورية وممن يزعمون أنهم يحملون قضيتها ليطرحوا شكلاً تقسيمياً يمهد لإدخال سورية في إطار مشروع كبير يعيد ترتيب منطقة الشرق الأوسط.. ربما يقول بعضهم إنه مجرد رأي توافق عليه بعض السوريين ممن يشغلهم مستقبل سورية، أو إن هذا الفعل نابع من حرص على وحدة سورية أو أي كلام تبريري آخر لا يثبت أمام حقائق الوقائع، ويسقط بالبداهة حين يكون الكلام عن وطن وبحجم وطن..!
وأعتقد أنّ سورية يكفيها ما بها من دكاكين سياسية أو تجمعات مدنية مرتهنة فما يهم سورية وينقذها اليوم، وخصوصاً أنها وصلت إلى ما أشرت إليه، هو وجود كتلة متراصة تتحدث أمام العالم بلغة واحدة تعكس حقيقة الثورة وشعاراتها الأولى وجوهرها إسقاط دولة الاستبداد المستمرة منذ نحو ستين عاماً، والعمل على بناء دولة حديثة تمكّن الشعب السوري من القدرة على استثمار خيرات بلاده وتنميتها بما يخدم الارتقاء بحياة الدولة والمجتمع ولا تفسح في المجال لهذه الدولة الصغيرة نسبياً لأن تتفتت قد يكون الاقتراح صعباً، ولكن هل من سبيل آخر..؟!

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني