fbpx

سوريون في تركيا يبيعون ممتلكاتهم ويستعدون للمغادرة

0 96

تراجع الوضع الاقتصادي في تركيا وحملات ترحيل المخالفين وتنامي حالات العداء بعد أحداث قيصري دفع الكثيرين للتفكير في مغادرة تركيا إلى مكان آخر، كل حسب استطاعته وإمكانياته.

وباتت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي تعج بإعلانات للسوريين عن بيع أثاث منازلهم وسياراتهم وورشاتهم وعدد صناعية مختلفة من خياطة وغيرها.. كل ذلك بهدف تصفية أمورهم والاستعداد لمغادرة تركيا..

نينار برس التقت سوريين يهمون بالمغادرة لتطلع منهم على الأسباب التي دفعتهم لاتخاذ هذا القرار..

أحمد رستم، 50 عاماً، يقيم في غازي عينتاب منذ 11 عاماً يقول:

“أعمل في مجال تصنيع متممات الألبسة والأحذية (إكسسوار – طباعة – وتطريز)، ولدي مشغل في منطقة الصناعة في غازي عنتاب وأعمل بهذا المجال منذ 7 سنوات.

لم أقم بالترخيص القانوني، لدعم استقرار مشروعي، وبسبب التكاليف الباهظة للترخيص وتبعاته قياساً بالأرباح والدخل عموماً”.

ويتابع: “في السنوات الثلاث الأخيرة وبعد جائحة كورونا التي تسببت لنا بخسائر كبيرة، بدأت حركة العمل في انخفاض كبير قياساً بالأعوام ما قبل كورونا.

وما زاد الطين كارثة زلزال فبراير المدمر، فقد انتقل أغلب العمال للعمل في قطاع الإنشاءات بسبب الطلب الكبير على العمالة فيه بعد هذه الكارثة.

كما أن مؤشر السوق التجاري الذي أنتمي له مهنياً بدأ بالتراجع لعدة أسباب أذكر منها: التراجع الكبير في الصادرات التركية بسبب عزوف الكثير من الزبائن الخارجين عن استيراد البضائع منها، كنا سابقاً نرى التجار من جنسيات عربية وأجنبية (عراقيين، جزائريين، خليجيين، أذريين، أوربيين) وغيرهم يشترون البضائع من أسواق الجملة ويزورون المعامل والورشات، أما الآن فقد قل عددهم كثيراً، ومنع السفر الذي حد من تطور نشاط المشاريع في غازي عنتاب تحديداً ومنع المنتجين من الوصول للأسواق الأخرى لتسويق منتجاتهم”..

ويضيف: “ما أدى أيضاً إلى تراجع الصناعات بشكل عام، سحب بعض التجار الأتراك السيولة المالية من السوق وإيداعها في البنوك التركية بعد رفع قيمة الفائدة.

أحد زبائني أخبرني حرفياً بأن الأرباح التي سيحصل عليها من البنك أكبر من التي سيحصل عليها لو اشترى بضائعاً من بهدف المتاجرة بها.

كما أن أحداث قيصري أثرت بشكل كبير على العمل وأدت إلى الإغلاق الكثير من الفعاليات الصناعية والتجارية خوفاً من أعمال عنف قد التي قد تطول المحال التجارية والصناعية.

وعمليات ترحيل السوريين المخالفين زادت من قلق الناس، والكثير من العمال تركوا العمل بشكل مفاجئ، ما أدى إلى شلل في حركة الإنتاج..

يسعى الكثيرون وأنا منهم لإيجاد بيئة آمنة لأعمالهم، والخيارات محدودة، بعضهم يفكر بالانتقال إلى الشمال السوري، وبعضهم إلى دول أخرى مثل مصر وبعضهم يسعى للذهاب إلى أوربة بطرق مختلفة”.

“حسين الأحمد”، 42 عاماً يقيم في غازي عينتاب منذ 12 عاماً، أب لثلاثة أطفال حدثنا عن نيته المغادرة إلى الشمال السوري يقول:

“كنت عاملاً في أحد معامل الأحذية في المدينة الصناعية (أونالدي) في غازي عينتاب، وكان الأجر معقولاً يمكنني من دفع إيجار منزلي وتأمين مستلزمات عائلتي إلى حد ما.

لا أملك إذناً للعمل مثل غالبية العمال السوريين”.

ويضيف: “المشكلة أن عنوان سكني غير مثبت في السجل المدني ولم أستطع تقديم عقد مصدّق لدى الكاتب بالعدل (النوتر) لامتناع صاحب البيت عن مرافقتي بحجة أن تصديق العقد سيكلفه ضرائب إضافية”.

كنت أفكر سابقاً بمغادرة غازي عينتاب إلى الشمال السوري حيث كنت أقيم في ريف مدينة اعزاز، لدي بيت هناك وسأعمل وأتابع حياتي هناك كما يفعل المقيمون هناك، لكن الآن قررت العودة بشكل جدّي”.

ويضيف: “عدم تثبيت العنوان أجبرني على عدم الذهاب للعمل لفترة طويلة، ما أدى إلى انقطاع أجري من المعمل، ومثلي الكثيرين من العمال السوريين، خصوصاً بعد انتشار سيارات الهجرة التي يقوم عناصرها بالتفتيش على المخالفين وترحيلهم، أفضل العودة بشكل طوعي، وأعتقد أن أسباب استمرار حياتي وحياة عائلتي في غازي عينتاب انتهت”.

الأكاديمي والباحث الاقتصادي “عبد الرحمن أنيس” يقدّر قيمة الاستثمارات السورية في تركيا بـ خمسين مليار دولار منذ بداية اللجوء حتى اليوم تتجاوز، هذا في القطاعات الاستثمارية عدا عن الأموال الوافدة والخارجة للمنظمات وغيرها والتي كان لحركتها فوائد كبيرة رست في الاقتصاد التركي، ولا يمكن لأحد أن ينكر أن وجود السوريين في تركيا ترك أثراً إيجابياً كبيراً على الاقتصاد المحلي التركي”.

ويتابع “أنيس”: الاستثمار بحاجة لمناخ داعم وبيئة مناسبة وفقدان هذين العنصرين في تركيا أدى إلى هجرة رؤوس أموال كبيرة وضخمة إلى بعض البلدان ذات المناخ الاستثماري الأفضل، وكما جاءت الأسواق الاستهلاكية مع قدوم السوريين ومشاريعهم فقد غادرت الآن مع مغادرة الأموال السورية التي ربما ترى في مصر أو غيرها من الدول بيئة خصبة ومناسبة للاستثمار والعيش خاصة أن الشعب المصري يرحب بوجود السوريين، بل هو داعم لهذا الوجود ومعه السياسات الحكومية التي تشجع قدوم السوريين إلى السوق المصرية.

ويضيف “أنيس”: للأسف الأرقام الصادرة سابقاً لم تكن تعبر عن حقيقة أثر الوجود السوري الحقيقي في تركيا لكن يمكن إعادة حساب الأموال بشكل تراكمي منذ بداية الوجود السوري في تركيا عدا الانفاق الاستهلاكي الضخم الذي أنفقه السوريين على الإيجارات والفواتير والمشتريات والمطاعم والتنقل والضرائب والعمولات المختلفة وغيرها من الأموال التي بقيت لصالح الاقتصاد المحلي في تركيا، ومع الأسف لا يوجد أبحاث حقيقية حتى الآن توضح بدقة حجم تلك الأموال بين الأموال الاستهلاكية والأموال الاستثمارية ذات العائد الربحي.

وعن مهارة اليد العاملة السورية يقول الباحث الاقتصادي “أنيس”:  ولابد أيضاً من الحديث عن اليد العاملة السورية الماهرة وأثرها في الاقتصاد فبعد النمو التصاعدي الكبير في القطاع الإنتاجي جاءت هجرة الأيادي العاملة السورية وبتنا نسمع مناشدات أصحاب المعامل والمنشآت الإنتاجية بحاجتها لليد العاملة الماهرة القادرة على القيام بأصعب الأعمال وبشكل يجعل البضائع التركية منافسة في الأسواق العالمية والأوربية وهذا سيظهر قريباً في صعوبة منافسة تلك البضائع في الأسواق العالمية، خصوصاً إذا هذه الخبرات والمهارات إلى اقتصادات دول أخرى التي ستعزز حصص تلك الدول في الإنتاج والتصدير والمنافسة لبضائعها في الأسواق الدولية”.

كثير من السوريين قرروا مغادرة تركيا إلى مصائر مجهولة قد لا تكون أكثر أمناً مما هم فيه الآن، لكنهم أجبروا على ذلك لكل الأسباب التي تم ذكرها.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني