fbpx

سوريا… عصر الجوع

0 123

لم تعد هناك كلمة ألطف أشد تعبيراً عن واقعنا المؤلم من كلمة عصر الجوع، فالجوع بات أدق الأوصاف على ما يواجهه السوريون في هذه الأيام الرديئة، وهناك دراسات مؤكدة تشير أن 30% من السوريين ليسوا متأكدين من وجبة الطعام التالية فبيوت مونتهم خاوية.

وفي بيان لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، الشهر الماضي، إن 70% من السوريين ربما لا يتمكنون في المدى المنظور من توفير الطعام لعائلاتهم.

وأضاف البيان “بعد 12 عاماً من الصراع، والاقتصاد العاجز نتيجة للتضخم الجامح، والانهيار القياسي للعملة المحلية والارتفاع غير المسبوق لأسعار المواد الغذائية، هناك 12 مليون سوري لا يعرفون من أين ستأتيهم الوجبة التالية من الغذاء، و2.9 مليون آخرين معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع”.

وقال المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي ديفيد بيزلي، الذي وصل إلى سوريا مؤخراً، إذا لم يتم التعامل مع هذه الأزمة الإنسانية في سوريا “فستزداد الأمور سوءا إلى حد لا يمكننا تخيله”.

لا يوجد أدنى مبالغة في أن راتب السوري المخضرم في وظائف الدولة لا يكفي لطعام ثلاثة أيام، وهذا أمر يعرفه الجميع، وحتى أجهزة الدولة العميقة فإنها تستمع إلى هذه الشكاوى الغاضبة ولا تقدم إزاءها إلا الحسبلة والحوقلة والترجيع!.

فهل بات قدر السوريين الجوع بالفعل؟

في زيارتي الأخيرة لألمانيا كان صديقي الديراني يشكو لي من قوانين الهجرة فقد انتهى عقد بيته وراح يبحث عن بيت، ولكن المشكلة أن أسرته تتألف من سبعة أفراد وقانون الهجرة الألماني لا يسمح لهذه الأسرة باستئجار بيت أقل من ستة غرف، غرفة للزوجين ولكل ولد غرفة!، وعليك أن تبحث عن هذا وتسدد الدولة الإيجار، ولكن الدولة لا تقبل تسديد الإيجار إذا كان البيت أصغر من هذا؟!.

ظننته يمزح ولكنه أكد لي أنه بالفعل أنه في عناء كبير ولم يجد بيتاً كهذا إلا في الأرياف فبرلين لا تتوفر فيها أصلاً بيوت كهذا للإيجار، ولا يمكن أن توافق الدولة على سكن للأطفال لا يتوفر فيه غرفة خاصة لكل طفل!.

ما الذي يجعل شعوباً تعيش على نفس الكوكب وتتنفس الهواء نفسه وتمشي على قدمين مثلنا تلتزم بتوفير هذه المطالب الحياتية ليس لمواطنيها، ولا لموظفيها، بل للاجئين الذين داسوا حصيرها وباتوا في جيرتها وحمايتها ورعايتها في حين أننا نفشل حتى في تقديم الماء والطعام للشعب السوري الرهيب الذي يغني منذ عقود أنا سوري أه يا نيالي!.

إننا مختلفون حتى العظم مع هذا النظام في مواقفه السياسية، ولكنني لا أشارك القول بأنه يقصد تجويع الناس، ولا يمكن تصور كوادر الدولة السورية محض وحوش ضارية، بل هم سوريون يحاولون فعل شيء، ولكنهم محكومون بنظام مخابراتي قام باستعداء العالم، وقطع عن شعبه مداخل الاستثمار ونوافذ العون، وبات يرى العالم كله مؤامرة كونية على صموده، وبات يرى في كل سوري يفكر في عون الناس أجيراً لجهة استعمارية إمبريالية، وهي أوهام وظنون ظالمة كلفت البلد سنين الحرب والضياع التي نعانيها.

الدولة مطالبة أن تفتح الباب للخير القادم من خارج سوريا فالناس في عافية في الخارج ويستطيعون أن يقدموا الخير ولا يمنعهم من ذلك قانون قيصر ولا قانون كسرى فقوانين الحصار كلها لا تشمل الغذاء ولا الدواء، وإنما يمنعهم من ذلك قبضة المخابرات وحواجز التعفيش والتخوين والفروع الأمنية الساهرة.

لقد نجحت الدول المتقدمة في دعم الخير الاجتماعي عبر توفير كل ما يريده المتبرع، وأهم ما وفرته هو حق إدارته الحرة للمشروع الخيري والوقفي وكف يد الدولة عن التدخل في قرارات الإحسان وحق المتبرع أن يمنحها له ولولده من بعده هي في دائرة الوقف المشروع ومن خلال ذلك سمعنا بالتبرعات المليارية التي قدمها الأثرياء، وقد ازدادوا ثراء ولم تنقص ثرواتهم حيث بقي المال المرصود للخير في إدارتهم وتصرفهم وتصرف أبنائهم، واقتصر دور الدولة على المال الخيري ورصد عوائده في طريقها إلى الفقراء ومنع عودتها إلى جيوب الأغنياء.

التعاون مع الإحسان واستقبال الخير الوافد لم يعد ممكناً في شرط النظام التقليدي من تقديم الطلب الشروط والدراسة الأمنية وراي شعبة الحزب، ولا بتطبيق البطاقة الذكية المربوطة بالمخابرات وأجهزة الأمن والتي تمارس بيروقراطية قميئة برداء من ديجتال ولا تمنح أي طمأنينة أو ثقة للمغترب الراغب في دعم الخير في وطنه.

هل سيصدق هذا النظام أن السوريين شعب واحد، وأن حرص أغنيائهم على فقرائهم ليس مؤامرة يجب أن تطاردها المخابرات وتتهم المحسنين فيها بالأجندات والارتهانات، بل هو عمل وطني وخيري حقيقي يجب أن تبادر الدولة إلى خدمته وتسهيل دربه، ومنح المساهمين فيه الأوسمة والتكريم ولو كانوا من أشد أعداء هذا النظام ومن خصومه السياسيين.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني