fbpx

سوريا تحترق

0 203

يتسأل بعضهم هل الحرائق فقط في سوريا؟

تنشب الحرائق في مختلف مناطق العالم إما مصطنعة بفعل فاعل، أو بفعل الطبيعة وبشكل عارض واستثنائي، لكن حرائق سوريا تختلف، نشبت منذ أكثر من ستين عاماً وما زالت مستمرة فهي عامة وشاملة لم تقتصر على منطقة معينة أو فئة ما بل شملت البشر، والشجر، والحجر.

لم تعد حرائق الطبيعة هي العدو الأكثر ضرراً للإنسان والطبيعة بل حرائق الإنسان للإنسان هي الأكثر عدوانية ووحشية، نعم سوريا تحترق بفعل المجرمين الفاسدين نظام طغى على كل القيم والقوانين، إنه اللهيب السوري الذي نكوى به. بدأ بالاشتعال ليقضي على زهرة الديمقراطية التي باشرت التفتح فحاصرها وخنقها ليمنع نشرها وثباتها وتوالدها وحُرمنا من جني ثمارها.

لم يكن الأمر بهذه السهولة ليقضى على ما بني من سلوك ديمقراطي عاشته سوريا قبل /1958/ بدأ التسلط والسلوك الدكتاتوري بعهد الوحدة، باشرت السلطة الحاكمة آنذاك بالتضييق وكتم الأصوات وحبس الكلمات، لم يسمح لمتنفس برأي خارج رأي السلطة. حرقت كل التحركات الفكرية الناضجة والمنفتحة لا أحزاب ولا مؤسسات وجمعيات خارج دائرة السلطة….. هكذا بدأ الحريق السوري بكم الأفواه والتحكم الكامل بكل مؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والسياسية والثقافية حتى أصبحت مؤسسة الرئاسة هي الدولة والوطن لم يقف الأمر عند هذا الحد بل نزع عنها ستار المؤسسة لتصبح بشخص الرئيس الإله يعبد ويسجد له ما دفع ضعاف النفوس للمراوغة والنفاق للتقرب من الحاكم وعلى هذا المنوال احتل المنافقون والمتسلقون مؤسسات الدولة وأشعلوا نيران الفساد فيها حتى انطفأت جذوة الفكر وأصبح التقليد والتملق والتزلف هو لغة الناجحين في احتلال المناصب وامتلاك الثروات.

هذا الحريق الذي التهم الدستور السوري ليصبح دستور الرئيس والحريق الذي حرق القواعد والأصول القانونية الأساسية لتحل محلها القرارات والبلاغات والمراسيم التي تصدرت أسس العمل في الدولة. طغت الصبغة الفردية على مؤسسات الدولة لتصبح مؤسسات الرئيس ولا تختلف عنها نقابات الرئيس وقضاء الرئيس وعمال الرئيس وأطفال الرئيس ونساء الرئيس كلنا ملك الرئيس، هو السيد على الوطن وأبناء الوطن.

حرقت سوريا الديمقراطية لتحتلها الدكتاتورية. نعم حرقت سوريا بغياب القانون ونشوة الفساد تزهو بنيرانها لتحرق ما تبقى.

لم تكن حرائق الغابات في سوريا لأعوام متتالية صدفة وبريئة عن فعل فاعل.

حرق المواسم وحرمان الشعب من موارده الغذائية، فاحترق القمح السوري ذو المواصفات القياسية العالمية الذي كان يتصدر قائمة الصادرات لسوريا أصبح بفعل الحرائق من قائمة المستوردات لم يقف الأمر على حرق الغذاء، فقلة الموارد تدفع بعض الأفراد للاعتداء على الثروة النباتية والغابات بحرقها والاستفادة من أخشابها بتجارة الحطب بالإضافة للتفحيم كتجارة رابحة، ولم يقتصر الأمر على بعض الجهلة المنتفعين وغالباً الشبيحة وـمراء الحرب لهم اليد الطولى في دعم وحماية المجرمين واستغلال الحاجات لضعاف النفوس ولتمرير الصفقات حتى على حساب أرواح البشر التي لا تعني لهم شيئاً فكيف بالشجر والحجر. 

بالرغم من وجود قواعد قانونية صارمة (قانون الحراج) إلا أن الفساد يحرق كل قانون ويطوي زمانه، ليس بجديد، وليس وليد الحرب بل هي بذرة الفساد زرعتها الدكتاتورية الحاكمة لتحصد ثمارها تمسكاً بالسلطة ولو احترقت البلاد وهذا شعارها (الأسد أو نحرق البلد) نعم حرقوا البلاد وبقي الأسد رغم أنف الشعب يكويه بنيرانه التي التهمت الثورة الشعبية العفوية التي عمت كل البلاد وكل طبقات الشعب وشرائحه، لكن نيران السلطة حرقتها، وأوجدت لها بالمرصاد الثورة المضادة المناهضة لقيم الشعب ومصالحه بالديمقراطية وسيادة القانون.

إنه الجهنم السوري جهنم السلطة والإرهاب المساند والداعم لها وأذرعه الداخلية (الشبيحة وأمراء الحرب) والخارجية (الدول المساندة لأطراف النزاع) كانت بمواجهة الشعب لتقضي وتحرق أنفاسه وحلمه بالحرية والكرامة والديمقراطية.

تستمر الحرائق بالتمدد لتصل لقمة الشعب، وخبزه، لم تكتف بالمواد الأولية لسبل العيش من مواد غذائية وتموينيه ووقود للاستخدام المنزلي ولحركة النقل بفعل البطاقة الذكية الاختراع العجيب الذي مكن شركة تكامل من التحكم بلقمة عيش المواطن وبكل سبل عيشه لتحقق مصادر دخل مساندة للسلطة في سيطرتها عليه وتحكمها بالبلاد بعد أن فقدت مصادر الدعم الخارجي. إنها أدوات عجيبة تمتد لتحرق ما تبقى من سند للعيش. يحترق المواطن ويتألم بما يلحق به من أذى نفسي ومعنوي عدا عن الحاجة المادية والفقر والبؤس والحاجة للعيش الكريم، إنها طوابير الانتظار يحترق بها ويكوى ليحصل على لقمة العيش ليسد بها رمق أسرته وقد دفعت هذه النيران والعذابات لازدياد معدل الجريمة ضد النفس بالانتحار للهروب من المسؤوليات التي فاقت القدرة على تحملها، وضد الغير بالسرقة والخطف والقتل للحصول على المال.

الواقع المتفحم لم يعد صالحاً للعيش البشري، فقدت كل مقومات حياة الإنسان الطبيعية، الحق بالحياة والحق بالسلامة والحق بالحرية وحق العمل وحق الأمان وحق الفكر وحق الرأي كلها حقوق طبيعية يكتسبها الإنسان بمجرد ولادته، وهي من أبسط الحقوق الأساسية التي يتوجب على الدولة حمايتها ورعايتها لكن أين السوري من تلك الحقوق، هي حلم يراوده، حتى الأحلام تحرق في لهيب الجحيم القائم في سوريا. فقد السوري أبسط حقوقه كإنسان.

أوجب القانون الدولي العام، وميثاق الأمم المتحدة المستند على مبادئ حقوق الإنسان مساندة الشعوب المستضعفة والمغلوب على أمرها، فكان من الواجب الأخلاقي والقانوني مساندة الشعب السوري في إطفاء حرائقه والتحرر من قيود تلهبه وتحق حاضره ومستقبله، فالخطر المحدق بسوريا ينذر بتحويل ما تبقى فيها إلى رماد. 

حقوق الشعب السوري بحياة كريمة أصبحت حلماً ومطلباً بالرغم من كونها بديهيات وأساسيات لكل إنسان يعيش في دولة تحترم حقوقه. 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني