تأتي انتفاضة السويداء ضد نظام الاستبداد الأسدي وضد فساده، كتعبير عن رفض السوريين للحال البائسة التي يرزح تحتها الشعب السوري، ولعلنا لا نبالغ إن قلنا إن هذه الانتفاضة ستكون شرارة الانتفاضة السورية الشاملة والنهائية للخلاص، فالسوريون توحدوا اليوم على قاعدة الخلاص من الاستبداد والفساد في البلاد.
نينار برس التقت بالأستاذ سليمان الكفيري وطرحت عليه الأسئلة التالية:
س1- الوضع في محافظة السويداء غير الأوضاع في محافظات أخرى، بسبب أن السويداء اختارت موقفاً بعيداً عن الاستقطاب بين النظام وقوى الثورة. هل يمكنكم تسليط الضوء على هذا الوضع من حيث: ماهية القوى المسلحة الموجودة على الأرض في المحافظة؟ حجم وفعالية قوى النظام وممارساتها؟
السويداء سلكت طريقاً وطنياً
يقول الأستاذ سليمان الكفيري وهو رئيس الجبهة الوطنية الديمقراطية “جود”: إن الوضع في السويداء يشابه أوضاع المحافظات الأخرى من حيث البؤس وتغييب الحريات وفقدان المواد الأساسية وسيطرة القبضة الأمنية، لذلك أعتقد أن الأوضاع في السويداء ليست مختلفة عن الأوضاع في المحافظات الأخرى، وإن كانت المحافظة بعيدة عن الاستقطاب والأدلجة السياسية”.
ويضيف الكفيري: إن موقف السويداء من أسلمة الثورة وتسليحها شيء، وموقفها من الثورة أو من الإسلام شيء مختلف، ومن الطبيعي ان تلجأ إلى سلوك طريق وطني ونضالي خاص بها، للخلاص من الفساد والاستبداد، هذا لا يعني أنها نأت بنفسها عن الثورة، بل دعمت وشاركت وشجّعت وقاومت، وقد دفعت ثمن مواقفها تلك الكثير، فشهدت مدنها وقراها مظاهرات سلمية ووقفات احتجاج وتنديد ووقفات داعمة للحراك الثوري في المحافظات الأخرى”.
ويوضح الكفيري: “كما تعرض الحراك في السويداء لموجهات عنيفة تُذكَر ولا تُنسَى، تعرّض لها الناشطون من قوى الأمن وشبيحة النظام وأدوات السلطة، فقد تعرّض أبناء المحافظة لكثير من الضغوط وبمختلف الأشكال، بما فيها الاعتقالات والملاحقات الأمنية وعدد الذين ماتوا تحت التعذيب ليس بقليل، والجميع يذكر بأنه إضافة للحراك في جبل العرب ومدنه كالسويداء وصلخد وشهبا، شارك عدد من أبناء السويداء بالمظاهرات، وشاركوا بانتفاضات شعبنا في المحافظات الأخرى، في حلب وحمص وحتى ريف دمشق ودرعا”.
ويتابع الكفيري حديثه فيقول: “وتوجد أيضاً معارضات مسلحة، شاركت في حماية المتظاهرين في درعا، ككتيبة الشهيد خلدون زين الدين، وتنتشر على ساحة المحافظة تجمعات ومكونات اجتماعية وسياسية وشخصيات اعتبارية ترفع صوتها عالياً ضد الفساد والاستبداد، ومع ذلك لا أنكر إطلاقاً أن للمحافظة خصوصيةً، شأنها شأن كل المحافظات الأخرى، فخصوصية المحافظة، تجعلها في مقدمة الجماهير المطالبة بحرياتها وكرامتها، والعمل من أجل محاربة الفساد والاستبداد، بعيداً عن كل أنواع التعصب، بما فيها التعصب الديني، وإن كان من خصوصية المحافظة بأن 90% من سكانها تقريباً من الإسلام الموحدين (الدروز) ، فتاريخها الوطني، وقيمها الأخلاقية، وعاداتها وتقاليدها العربية الأصيلة، كل ذلك كان له أثرٌ في موقف أهالي جبل العرب من الحراك الثوري، وشكّل التعبير عنه ومواكبته.
س2- لم تنخرط محافظة السويداء في فعاليات الثورة السورية. هل سبب ذلك عوامل تخصّ حسابات المكوّن المذهبي الدرزي حيال طبيعة الصراع؟
السويداء ابتعدت عن التسليح
يرفض الأستاذ سليمان الكفيري القول بأن السويداء لم تنخرط بالثورة، ولهذا يقول: ” أعتقد بأن هذا القول يحتاج من صاحبه المراجعة والتدقيق، نعم انخرطت المحافظة بحراك الثورة، لكن حسب ظروفها، فابتعدت عن التسليح (تسليح الثورة)، وابتعدت عن أن تكون داعمة أو محسوبة على داعش، أو على جبهة النصرة، أو غيرها من التنظيمات الدينية الضيقة، أو الفئوية المحدودة، أو القومية ذات الطابع الانفصالي”.
ويبيّن الكفيري: “فلا نستطيع أن ننسى مظاهرات أبناء الجبل، واحتجاجاتهم، وشعاراتهم، ودعمهم للحراك الثوري على الأرض السورية، وبأشكال متعددة، بدءاً من احتضان السويداء للأسر السورية الهاربة من الحرب، وتقاسمها الحياة بكرامة وعزة، وقد استضافت المحافظة ما يوازي عدد سكانها، معتبرة أن هذا هو واجبها تجاه الأهل السورين أينما كانوا، وقاومت، وتصدّت لكل محاولات الفتنة”.
ويؤكد الكفيري على أن السويداء “تغلّبت على القوى الشريرة، بما في ذلك القوى الراغبة بإثارة النزاع والحرب مع الجيران، وأكدّت أن جبل العرب هو بالأساس هضبة حوران جبلاً وسهلاً، ومكونٌ مشترك تربطهم عادات وتقاليد اجتماعية ووطنية واحدة ، كما تصدّت وأفشلت كل محاولات الفتنة بين سكان الجبل الواحد، وخصوصاً بين الموحدين الدروز وأبناء العشائر، كما قاومت وتصدّت وانتصرت على داعش وتصدّت للهجوم على القريا، ولم ترسل أبنائها للخدمة العسكرية، لأنها تؤمن بأن دم السوري على السوري حرام.
س3- تجري عمليات خطف وسرقات في السويداء، وهناك احتقان فيها. ما أسباب الاحتقان الملموسة؟ من يقف خلف هذه العمليات يرعاها؟ هل هناك انقسام بين المنتمين للمذهب الدرزي حيال النظام؟ من يغذّي عملية الصراع الداخلي في محافظتكم؟
العصابات وراء الاحتقان الشعبي
يعترف سليمان الكفيري بوجود عصابات مسلحة في السويداء ويقول حول ذلك: “نعم توجد في السويداء عصابات مسلحة مدعومة من جهات متعددة ومعروفة، سواء كانت هذه الجهات داخلية أو خارجية، ولكن هدفها ابتزاز المواطنين وإثارة الشغب، والثراء عن طريقة تجارة الممنوعات، كتجارة المحروقات والسلاح والمخدرات وغيرها، وقد يكون وجود هذه العصابات وسلوكها من أبرز أسباب الاحتقان الشعبي، وقد تفاعل ذلك مع غياب المواد الأساسية للحياة، وصعوبة الحصول عليها، والضائقة الاقتصادية والمعاشية، وشعور الناس بهدر كرامتها وحريتها”.
ويضيف الكفيري: “وهناك غير ذاك من عوامل كثيرة كانت دافعة لهذا الحراك، وأعتقد أنه لا يوجد سبب واحد كافٍ لحراك عام كما هو موجود الآن ،إنما هذا الحراك، وهذه الأصوات الشجاعة، وهذا الزحف العفوي للناس، هو نتيجة لوعيها ورغبتها بالخلاص من أوضاعها المتردية والتخلص من الفساد والاستبداد.
ويتابع الكفيري كلامه فيقول: “لا أعتقد أنه يوجد انقسام طائفي او مذهبي في السويداء، لكن توجد اختلافات في الرأي وهذا أمر تقتضيه الحياة، أما الجهات التي تغذّي الحالة المزرية في السويداء، فهي ذاتها الجهات التي تدعم الفصائل المسلحة، والتي أساءت كثيراً لعادات وتقاليد المحافظة، بممارسة الخطف والسرقة والخطف المضاد، والتجارة بقوت الناس، والتعرض لكراماتهم وحرياتهم.
س4- حاول النظام الإيقاع بين أهالي السويداء وأهالي درعا. أي القضايا التي يحاول النظام التسلل منها بين هاتين المحافظتين؟ أليس هناك تواصل بين المحافظتين لحل الإشكالات إن وجدت؟ وهل تمّ تجاوز الخلاف مع البدو؟
وعي الشعب أفشل المخططات
يرى الكفيري أن “تلك المحاولات جميعها باءت بالفشل، ولم تحقّق أهدافها، وذلك بسبب وعي الناس، ودور العقلاء والأحرار الوطنيين من كل الأطراف، سواء كان من الموحدين الدروز، أو من أبنائنا أبناء العشائر الأكارم، أو من أهلنا أهل الوفاء في الجوار، سهل حوران أخوتنا وعزوتنا في درعا، والعلاقة بين هذه المكونات ما زالت علاقة تفاهم وحوار وتعايش مشترك ومسؤولية اجتماعية أخلاقية وطنية عالية.
احيي الاستاذ سليمان الكفيري المناضل من الداخل وحديثه العقلاني الواقعي محل تقدير واعجاب