زواج نساء من مقاتلين أجانب في إدلب.. مصائر مجهولة وأطفال بلا حقوق
تنتشر في الشمال السوري ظاهرة زواج النساء من مقاتلين أجانب، وتكمن مخاطر هذا الزواج بكثرة حالات الطلاق أو اختفاء الزوج نتيجة انتقاله إلى بلد آخر للقتال، أو عودته إلى بلاده، لتكون الزوجة الخاسر الأكبر مع أولادها الذين يجدون أنفسهم فجأة بلا نسب أو حقوق.
أسباب كثيرة تدفع النساء في إدلب للزواج من المقاتلين الغرباء منها الجهل والفقر وتوقف معظم الفتيات عن التعليم، فضلاً عن الخوف من العنوسة والطمع المادي.
روان الخديجة (33 عاماً) من مدينة إدلب، تزوجت من رجل أوزبكي بموجب عقد زواج نظمه أحد الشيوخ في المدينة خارج إطار المحكمة الشرعية، ولكنها ما لبثت أن عادت إلى أهلها بعد فترة وجيزة وعن ذلك تتحدث لنينار برس: “الفتاة التي تبلغ سن الثلاثين دون أن تتزوّج تُعدّ عانساً وتصبح فرصها في الزواج شبه مستحيلة، الأمر الذي دفعني للموافقة على الزواج، ولاسيما أن الخاطب يمتلك المال، ويستطيع أن يخلصني من حياة الفقر التي أعيشها.”
تتابع الخديجة: “بعد ستة أشهر من زواجنا اختفى زوجي فجأة، ولم أستطع السؤال عنه لأنني لا أعرف اسمه الصريح، فقد كان يلقب نفسه بـ “أبو حذيفة”، دون أن يخبرني أي معلومات أخرى عن حياته.
كذلك النزوح، وسكن عدد كبير من الأشخاص في خيمة واحدة يدفع الكثير من الآباء لتزويج بناتهم من مقاتلين أجانب بهدف التخلص من مصروفهن، والستر عليهن في ظل حالة الفوضى والفلتان الأمني التي تسيطر على المنطقة.
رغد العبد الله “اسم مستعار” (25 عاماً) من مدينة سراقب، تزوجت من رجل مصري، يقاتل في صفوف أحد الفصائل، وعن معاناتها تتحدث لنينار برس: “كنت في العشرين من عمري حين أجبرني والدي على الزواج من مقاتل، باعتباره صاحب خلق ودين، وزميل لوالدي في الفصيل ذاته.”.
تتابع العبد الله: “بعد مضي ثلاث سنوات على زواجنا رزقنا خلالها بطفلين، قرر زوجي الذهاب للقتال في العراق، وانقطعت أخباره بعد ذلك، وانتشر خبر شبه مؤكد عن وفاته في تلك المعارك.
تبين “العبد الله” أن هذا الزواج دمر حياتها، حيث لم يكتب له الاستمرار، وأكثر ما يؤلمها ويشكل الهاجس الأكبر في حياتها هو طفليها اللذين رزقت بهما، فهما الضحية الأكبر لزواجها، وسيعيشان حياتهما دون نسب أو هوية وعن ذلك تقول: “كيف سيحصل ولدي على حقهما بالتعليم والتملك والرعاية الطبية دون نسب أو أوراق ثبوتية.”
المرشدة الاجتماعية بسمة البكري (44 عاماً) من مدينة سرمدا، تتحدث عن مخاطر زواج القاصرات بقولها: “توافد مع بداية الحرب السورية المقاتلين الأجانب بأعداد كبيرة إلى سوريا للمشاركة في القتال، وعند شعورهم أن بقاءهم في سوريا سيمتد لسنوات طويلة بدؤوا بالسعي وراء الحياة الاجتماعية والبحث عن الزواج، الأمر الذي أدى لانتشار ظاهرة زواج المقاتلين الأجانب من الفتيات السوريات.”
وتؤكد البكري أن زواج السوريات من مقاتلين أجانب يؤدي إلى مشاكل عديدة تنعكس على الزوجة والطفل والمجتمع، نتيجة صعوبة التحقق من هوية المقاتل، على اعتبار أنه لا يفصح عن اسمه الحقيقي غالباً لأسباب أمنية، إلى جانب صعوبة تأقلم النساء مع أزواجهن الغرباء، فأغلب هؤلاء المقاتلين لا يتحدثون العربية، ما يجعل التواصل بين الزوجين شبه معدوم.
وتضيف البكري: “الخطر الأكبر من هذا الزواج يكون على الأطفال بسبب ضياع نسبهم، وعدم القدرة على معرفة هوية الأب الحقيقية، وهو ما يجردهم حكماً وقانوناً من حقوقهم كالتعليم والحماية والرعاية الصحية والهوية.”.
للتوعية من هذا الزواج انطلقت في بداية عام 2018، في الشمال السوري حملة بعنوان “مين زوجك”، من خلال فرق عمل موزّعة على القرى والبلدات، وقد رصدت عدد السوريات المتزوجات من مقاتلين أجانب في محافظة إدلب، فسجّلت 1735 زيجة منذ عام 2013، منهنّ 1124 امرأة أنجبت أطفالاً، وصل عددهم 1826.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”