زواج القاصرات السوريات في تركيا من الناحية القانونية
يعيش في تركيا عدد كبير من اللاجئين السوريين، تجاوز عددهم ثلاثة ملايين ونصف المليون، يشكّل أكثر من نصفهم، النساء والأطفال، حملوا معهم نماذج حياتهم المختلفة أساساً بين حياة الريف السوري بعاداته ومفاهيمه وبناه الاجتماعية، وبين سكان المدن الذين هربوا من براميل وقصف ومجازر النظام، ودرجة تطور حياتهم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
هذه الاختلافات الاجتماعية ذات جذور قبلية وعشائرية في جزء منها، إضافة إلى عامل الفقر والعوز بسبب اللجوء هرباً من الموت، وهم في غالبيتهم كانوا يعيشون من تعب يومهم، لذلك وجدوا أنفسهم أسرى لعلاقات عمل مختلفة وأجور منخفضة، ما شكّل أعباء مادية ونفسية كبيرة على العائلات التي تعيش في مستوى الحد الأدنى، وهذا كان سبباً في انتشار ظاهرة اجتماعية خطيرة هي زواج القاصرات.
القاصر وفق التعريف المعتمد في الأمم المتحدة، هو كل شخص، لم يبلغ سن الثامنة عشرة، ففي هذا الزواج انتهاك صريح لحقوق النسان (الأطفال)، حيث لا يكون الفرد في هذه المرحلة قد اكتمل نضجه العقلي والجسدي والنفسي، وبالتالي فهو يجد نفسه في موقع لا يستطيع تدبير حالة ما ينتج من هذا الزواج غير الصحيح من نتائج نفسية وثقافية واجتماعية.
هذه الظاهرة تنتشر في أرياف سوريا، وفي العائلات الفقيرة، إذ تعتبر الزواج المبكر تخفيضاً من نفقات عيشها. وهذا ما دفع المشرعين قبل الأحداث في سوريا إلى منع مثل هذا الزواج إلا بشروط يصعب على كثيرين تحقيقها، وعلى الرغم من انحسار هذه الظاهره قليلاً في السنوات الأخيره قبل الثورة، عادت بقوه الى الظهور من جديد في أماكن النزوح في الداخل السوري، وفي بلدان اللجوء المجاورة لسوريا ومن ضمنها تركيا
هذا اللجوء والنزوح أحدث لدى اللاجئين والنازحين صدمات ثقافيه واجتماعية، ولكن أعنفها كانت القانونية، خصوصاً بما يتعلق بزواج القاصرات، حيث اكتشف اللاجئون السوريون أن الزواج المبكر يعد جريمة يعاقب عليها القانون التركي، ويعده من جرائم الاستغلال الجنسي، وعلى الرغم من ذلك لم تتوقف، واستمرت خارج الإطار القانوني، ماترك آثاراً سلبيه على البناء النفسي والعقلي للقاصرات بصورة مباشره، تتمثل في حرمانهن من حقوقهن القانونية، وفي مقدمتها حق التعليم والإشباع النفسي لمرحلة الطفولة والفتوة حرماناً كاملاً، وفقدهن شرعية تسجيل الزواج في المحاكم التركية، إضافة إلى صعوبه تثبيت الزواج في المحاكم السورية.
لقد عرّفت وثيقة حقوق الطفل الصادرة عن منظمة اليونيسيف القاصر، بأنه شخص لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، أما التعريف القانوني للقاصر، هو شخص دون سن معينة، وعادة مايكون سن الرشد، وهو السن الذي يرتبط بالأهلية، وتحدّد الأهلية قانونياً بأنها السن التي إذا بلغها الإنسان استطاع تحمل مسؤولية نفسه أمام القانون، بغير الرجوع الى ذويه، وتتاح له حقوق مثل الزواج والانتخاب والإنجاب.
وحُدّد سن الرشد في أغلب دول العالم بـ 18 عاماً، وكل من هو تحت هذا السن هو قاصر.
وعرفت وثيقة حقوق الطفل الصادرة عن اليونسيف الزواج المبكر، بأنه الزواج في سن أقل من 18 عاماً، ومن وجهه نظر القانون التركي، لا يُعدّ زواجاً، ويصنف على أنه جريمة اعتداء جنسي على قاصر.
وأنه ولابد من ذكر، أنه لا توجد إحصاءات رسميه دقيقة عن حجم ظاهرة زواج القاصرات السوريات في تركيا، في حين تقدر الأمم المتحدة أن 26% من الفتيات السوريات يتزوجن تحت سن 18 في تركيا، إلا أن هذه الإحصاءات عامة ومتغيرة، لأن الزواج يحدث خارج المنظومة القانونية، ولا يمكن تقديم معلومات دقيقه عن هذه الظاهرة.
ولعل أحد الأسباب التي فاقمت تلك المشكلة هو الخلاف بين توجهات المجتمعين اللاجئ والمضيف الدينية، حيث توجد شرائح كبيرة ومختلفة طغى عليها الطابع المحافظ، وتعيش في بلد ضمن ضوابط دينية يحميها القانون في مواجهة دوله ذات نظام علماني، ينظم فيها العلاقات الاجتماعية والقانونية، وقانون مدني لا يعتمد على الأحكام الشرعية كما هو الحال في سوريا.
وعلى الرغم من تعديل المادة 16 من قانون الأحوال الشخصيه السوري برفع سن الزواج من 17 إلى 18 عاماً إلا أنه لم يحسم الجدل، وبقي الباب مفتوحاً لاستمرار زواج القاصرات، خصوصاً بوجود الماده 18 من قانون الأحوال الشخصية السوري، التي تنصّ على أنه “في حال ادعى المراهق البلوغ بعد إتمامه الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إتمامها الثالثة عشرة وطلبا الزواج بإذن من القاضي، يحق لهما ذلك، إذا تبيّن للقاضي صدق دعواهما، وتحمّل جسديهما أعباء ونتائج الزواج والإنجاب.
واستناداً إلى هذه المادة، لا يوجد أي عائق قانوني يقف أمام الزواج المبكر في سوريا، ما عرّض اللاجئين في تركيا لمشكلات قانونية، لم تكن في الحسبان، في حين، أن القانون التركي يجرّم زواج القاصرات
وبالتالي فإن تقنين ظاهرة زواج القاصرات ليست عملية سهلة وآنية.
ولكن هناك خطوات من الممكن، أن تساعد في السيطرة على اتساع الظاهرة، وتقلّل من الآثار القانونية المترتبة على استمرار حالات الزواج خارج القانون، وتساعد في حماية القاصرات، وهي تكثيف دور المجتمع المدني السوري ومنظماته المنتشره في تركيا، بالتوعية حول خطر انتشار ظاهرة زواج القاصرات، وما يترتب عليه من آثار اجتماعية واقتصادية على الأهل والقاصر معاً.
هناك ضرورة للتعاون بين منظمات المجتمع المدني السورية والتركية للقيام بحملات توعية ومبادرات أهلية واسعة النطاق في أماكن تجمّع اللاجئين السوريين، لتعريفهم بالقانون التركي، وخصوصاّ بما يتعلق بزواج القاصرات، وأسباب تجريمه، والعواقب القانونية التي تنتج من استمراره.
مشكورة استاذ على هذا الشرح الوافي.
إن الاختلاف بين القانون الأحوال الشخصية السوري وبين قانون الأسرة التركي يجعل من زواج القاصر في تركيا جريمة يعاقب عليها القانون
إضافة إلى أن الأضرار الناتجة عن زواج القاصر باتت واضخة على صعيد الصحة النفسية والجسدية إضافة إلى مخاطر الاضطرار إلى الطلاق
والحل يستوجب حملات توعية قانونية ومناصرة وإن تغيير ثقافة شعب يحتاج إلى الكثير من الوقت والنضال
المقال طرح قضية هامة يستحق التقدير