fbpx

زواج القاصرات السوريات في زمن الحرب

0 1٬812

الحديث عن زواج الفتاة القاصر حديث يتصل ببنية المجتمع السوري، الذي لاتزال تحكمه علاقات ذات طابع زراعي عشائري، وتحديداً خارج مدنه الكبرى. لهذا من الضرورة تسليط الضوء على هذه الظاهرة السلبية المضرّة بالفتاة القاصر أولاً، وبالبناء الاجتماعي السوري، باعتبار أن الزوجة القاصر ستكون أمّاً لأطفال الفارق بين عمرها وأعمارهم أقل من عقدين من السنين، إضافة إلى قلة خبراتها بشؤون تربية الطفل وتعليمه في زمن يطغى العلم فيه على كل شؤون الحياة.

فمن هي القاصر بالمعنيين القانوني الدولي والمحلي، ومن هي القاصر بالمعنى التشريعي الاسلامي؟

محددات تسمية القاصر

تعرّف القاصر وفق لائحة القوانين الدولية، بأنها الفتاة التي لم تبلغ سن الثامنة عشر من عمرها، أي ما يُطلق عليه تسمية سن الرشد، أما في القانون السوري فهو أيضاً يحدّد عمر القاصر بثمانية عشر عاماً، رغم أن قوانين الأحوال الشخصية السورية، تسمح بالزواج ضمن شروط حدّدها المشرع السوري بعمر أقل من سن الرشد (18) عاماً.

أما القاصر في الشرع الإسلامي فهي من لم تصل بعد إلى سن البلوغ. أي أن القاصر تجهل بنيتها الجسدية والبيولوجية، فكيف يمكنها التعامل مع طبيعة جسدٍ غير مؤهل لوظائف الولادة وغيرها.

أما زواج القاصر، فهو الزواج الذي يتم تسجيله في المحاكم أو خارجها، باعتبار أنه اقترانٌ رسميٌ أو غير رسمي، قبل سن الثامنة عشر، لذلك وحسب القانون الدولي لا يحق تزويجها قبل تلك السن المحددة بـ 18 عاماً.

وبالرغم من وجود هذا القانون الدولي الذي يحدد عمر القاصر، فإن القانون السوري لا يزال يسمح بزواج غير كفء بالنسبة للفتاة، التي ستصبح زوجة.

إن الحدّ من هذه الوقائع المخالفة لطبيعة تكوين الإنسان، وتكوين معارفه يتطلب من المشرع إعادة النظر بمواد القانون التي تجيز وتسهّل عقد زواج القاصر. مثل هذه الإجراءات، أي منع الزواج قبل سن الثامنة عشرة، لا بدّ أنه يساهم في تقليص هذه الظاهرة المعيقة لتطور البنى الاجتماعية.

ووفقاً لتقارير منظمات حقوقية، فإن فتاة واحدة من أصل كل سبع فتيات في المناطق العربية، يتمّ تزويجها قبل سن 18، لذلك لا يمكن القضاء على هذه الظاهرة نهائياً، دون أن تأخذ السلطات دورها لمحاربة هذه الظاهرة التي تدمر المجتمعات، ويمكن توصيفها بأنها جريمة مشرّعة بحق فتاة لا تملك رأيها وقرارها ولا حتى حياتها.

زواج القاصرات ليس حدثاً مستهجناً اجتماعياً في بعض مناطق من سورية، فالعادات والتقاليد السائدة في تلك المناطق ذات الطابع العشائري والعلاقات الزراعية المتخلفة، تدعم فكرة زواج القاصرات إلى حد ما، وكذلك يلعب سوء الأوضاع المعيشية “الفقر” دوراً، يساهم في تزويج القاصرات.

ولكن تدهور الوضع الأمني والاقتصادي في فترة الحرب في سورية، وزيادة نسبة البطالة، وسوء المعيشة، والنزوح، واللجوء، وخوف بعض الأسر من تعرّض بناتهنّ للخطف والاغتصاب، كان له نتائج سلبية على الفتيات القاصرات، فأصبحن ضحية ظروف الحرب وقسوة المجتمع.

انتشرت هذه الظاهرة خلال فترة الحرب السورية في المناطق المحررة، وفي مخيمات النزوح، بسبب المرجعية الذهنية الإسلامية للفصائل المسيطرة في تلك المناطق. وكان التبرير أن الشريعة الإسلامية، تسمح بإجراء معاملات الزواج، والتي لاتزال تجد لها متسعاً مرجعياً في قانون الأحوال الشخصية السوري، المستند إلى الشريعة الإسلامية، على الرغم من نص المادة 16 القائل: إن أهلية الزواج تكتمل لدى الفتى حين يبلغ من العمر تمام الثامنة عشرة، وأن تكون الفتاة بتمام السابعة عشرة.

إلا أن المادة 18 من القانون السالف الذكر، نصّت على: إذا ادعى الفتى البلوغ بعد سن الـ 15 والفتاة سن الـ 13 وبلغت، فطلبا الزواج، يأذن القاضي بالزواج. إذا تبيّن صدق دعواهما، وبالتالي الأمر يرجع للأهل، والقاضي دون مراعاة وضع الفتاة القاصر، وما قد تتعرض له من ضرر، يُلحق بها مخاطر صحية، وجسدية، ونفسية.

صحياً: قد يؤدي إلى الإجهاض، أو الولادات المبكرة، ويسبب لها مرض هشاشة بالعظام، ونقصاً بالكلس، لعدم نضوحها بيولوجياً.

نفسياً: يؤدي زواج الفتاة القاصر إلى الحرمان العاطفي لحنان الوالدين، وفقدان أجمل مرحلة، هي مرحلة الطفولة مما يؤدي إلى تعرضها إلى ضغوط، تسبّب أمراضاً نفسيةً، كالقلق، والاكتئاب، والانفصام والاضطرابات الشخصية.

كذلك يلعب زواج القاصر دوراً نفسياً مؤثراً على أطفالها، الذين هم ثمرة هذا الزواج غير المكتمل بشروطه الإنسانية، فيشعر الأطفال بالحرمان، نتيجة عدم تأدية الأم القاصر دورها بشكل صحيح، والذي لا يشبه دور الأم الناضجة، هذا عدا عن حدوث حالات الطلاق والانفصال بشكل كبير.

في حالات الزواج المبكر، فهو ينتهك العديد من الحقوق الفردية الخاصة كالحق في التعليم، والحق في حرية المشاركة بالحياة الثقافية، وفقدان التمتع بالراحة والاطمئنان.

فإذا نظرنا بشكل صحيح إلى القانون السوري المتعلق بقانون الأحوال الشخصية، لوجدناه يحتاج لإعادة نظر بما يتناسب مع المواثيق الدولية، وحقوق الإنسان، واتفاقية التمييز ضد النساء /سيداو/، واتفاقية حقوق الطفل.

إن مساهمةً جادة من قبل منظمات المجتمع المدني، من خلال التوعية والتبصير للأهل والفتيات بمخاطر الزواج المبكر، تعتبر حلقة من حلقات مواجهة هذه الظاهرة المسيئة للفتاة القاصر.

وإن النضال ضد هذه الظاهرة سيستمر، ولايزال الطريق طويلاً، على أمل أن نصل إلى مرحلة، تشعر الفتاة فيها بأمانها وقيمتها الإنسانية في عائلتها والمجتمع.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني