رسالة إلى أهالي قطاع غزّة
غزة هي جزء من محور المقاومة الذي كان قاسم سليماني يعمل على إعداده من أجل تحرير القدس، لذلك ظهرت في ذكرى اغتياله صور عملاقة على لوحات إعلانية في غزة؟؟ تماماً كما يحدث في بغداد وصنعاء، أو الضاحية الجنوبية من بيروت، لقد كان التحرير مسألة وقت، ولكن أمريكا فعلتها وقتلت سليماني.
بوضوح، أجزم أن مستويات الوعي في مخيم اليرموك هي أكثر من مثيلاتها في “غزّة ” وسوف يُغضبُ هذا الكلام زملائي الإعلاميين في غزة الذين عملت وإياهم لسنوات طويلة، لكنه الواقع، والسبب بسيط جداً، وهو أن مخيم اليرموك لم يكن يسكن فيه أي من القيادات الفلسطينية، لذلك لم يتلوث مخيم اليرموك بانحدار المستوى الثقافي لـ “طبقة السياسيين” الفلسطينيين، الذين أجزم، أن آخر كتاب قرؤوه قد يرجع إلى سنوات القرن الماضي، حينما لم يكن الهاتف الجوال موجوداً.
المسألة الثانية هي، إن الوعي الحزبي والوعي المعرفي شيئان لا يلتقيان، لأن من يضع أمام عناصره (صندوق الكتب الحزبية) فسوف يكون لديه كائنات سياسية وثقافية بعضهم يعملون طبالين، وبعضهم يعملون متحدثين إعلاميين، وبعضهم الآخر سوف يكونون أكاديميين، وسوف يحصلون على المراتب العليا في البيئة التي يسيطرون عليها، لكنهم رغم كل ثقافتهم فهم عملياً (تحت مستوى الوعي) لأن الوعي هو أن تدرك الشيء في أوانه ووقته، وعندما تدركه متأخراً، ولا تجد أمامك سوى كلمات مفادها أنك ضحية مؤامرة كونية، فهذا اعتراف غير عادل. فالوعي أيها السادة، ليس وعي السمكة التي تظن أن الكون كله تحت سطح البحر، وكذلك الأمر في غزة، فعندما نوهم قطاعاً واسعاً من الشعب أن غزة هي مركز الكون كله، وأنها قادرة على تغيير قواعد اللعبة السياسية في كامل المنطقة، فنحن عندئذ نصنع شعباً يفكر بعقل السمكة، وفي أفضل الأحوال نبني كتلة حزبية تلتف حولنا على شاكلة تنشئة العصابات التي تعيش في عزلة في الجبال أو في الظل.
(تحت مستوى الوعي) هو أن تعمل على تحويل الكائنات البشرية في غزة إلى حقل للتجارب، فتارة تخرج علينا سيارات تحمل مكبرات صوت، تقوم بإيقاظ الناس فجراً من أجل ذهابهم للمساجد لأداء صلاة الفجر جماعة، وذلك لأن غزة تعمل على إعداد جيش قاسم سليماني – عفواً – أقصد جيش صلاح الدين كما أُعلن في حينه، وبما أن قاسم سليماني كان مشغولاً في تحرير حلب، فقد ظهرت بالأفق فكرة “مسيرات العودة” في عملية تكرار لما حدث في الجولان على يد مخابرات الأسد عام 2011 مع فوارق بالنتائج، ففي غزة كنا أمام عشرات آلاف الإصابات بين متوسطة ومعقدة، ومئات الضحايا، بينهم مئات الأطفال، ثم نكتشف بعد برهة من الزمن أن هذه الخطوة فشلت، فالجرحى يتكدسون أمام المستشفيات بلا علاج، وهو ما يعيد مقارنة الفارق بين مخيم اليرموك وبين غزة، ففي مخيم اليرموك عندما رجعوا من الجولان أحرقوا مقرات القيادة العامة، وأعلنوا نبذ الفصائل وطردوهم من الجنازات، بينما في غزة، استمر الناس لأعوامٍ طويلة يذهبون للشريط الشائك.
ببساطة، الثقافة الحزبية الضيقة تصنع لديك شعباً طيّعاً مرناً، يمكنك نسج خيوطه كما شئت، ولكن، ماذا أنت صانع لهذه الفئة من الناس سوى توريثهم الجوع والفقر والحصار، وإغلاق كامل الأبواب في وجههم عندما تعلن أن غزة هي بغداد وصنعاء والضاحية الجنوبية.
الإشكالية الأعمق من ذلك هي أكبر من العمق الشعبي العربي، فما حدث لفلسطينيي العراق على يد مليشيا إيران، وما حدث في سوريا للفلسطينيين، جعل غزة قطعة منفصلة عن كامل الجسد الفلسطيني، بما فيه خارطة اللجوء، فأين هو الموقف الذي صدر من غزة تجاه مئات آلاف الضحايا الفلسطينيين في سوريا والعراق، وأين هي القوى الشعبية من ذلك، ولا أريد أن أقول الحزبية أو الفصائل؟
نعم نجحتم في صناعة ثقافة حزبية ضيقة الأفق في غزة، وضاعت الثقافة الوطنية، لهذا السبب كان يشاهد ابن غزة ما كان يحدث في مخيم اليرموك، وكأنه يحدث في كوكب المريخ.
هل عرفتم لماذا غادر سكان مخيم اليرموك سوريا واختاروا رحلة البحث عن الوطن بمنتهى الوعي والإدراك.
السبب هو أن عقولهم لم تتلوث بعقول القادة الفلسطينيين الذين لم يناموا ليلة واحدة في المخيمات قط.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”