fbpx

ذئب المنفى وعصافير الثلج

0 351

عن دار Kultur Soncag للنشر والتوزيع في (أنقرة/تركيا)، صدرت حديثاً للشاعر السوري كمال جمال بك مجموعته الشعريّة السابعة “ذئب المنفى وعصافير الثلج”، وجاءت في مئة وصفحتين، متضمّنة خمسين قصيدة، يبدو فيها أثر الكارثة السورية واضحاً على الصعيدين الخاص والعام، لا سيما على من تهجَّروا وتناثروا في المنافي. 

في نسيج المجموعة تحضر البيوت، لا كذكريات مدمَّرة، ولا مجرَّد حنين إلى استعادة دفئها، بل كجزء أساسي فيها، بما تختزنه من أثر الإنسان والكائنات والطبيعة، وما تفيض به على النفس من مشاعر وصور ورؤى. فتحت عنوان “القماط” يختفي بيت جدّ الشاعر لأمّه حيث ولد في مدينة البوكمال عام 1964 وبيت حفيديّ الشاعر حيث ولدا في السُّويد بالتزامن مع صدور مجموعتيه “جسر الضلوع وذئب المنفى”. وبين هذين البيتين تسيل حكاية يرويها الجدُّ عن جدّه في الإهداء: “إلى العصفورين السُّويديَّين السُّورِيَّين حفيديَّ أَمير وليون ثمرة نيكول وأَنور: لمَّا استولَت البلديَّة على أَرض جدّي لأُمّي، لاحقها قانونيّاً، فعرضت علَيه إِعادة أَجزاء منها. غير أَنَّ المُطَوّف عبد الله الخليل – الذي أَهداني قبل ولادتي حزامه الحرِيرِيَّ المخمليَّ ليكون قماطي – قال لهم: “يا كلها يا الذّيب يا كلها”.

شعريّاً تبدأ المجموعة بقصيدة حملت عنوان لعبة الأطفال الشعبية “بيت بيوت” وفيها:

نهرِي حافي القدمينْ

تجرحه أَحجار القَاعِ

بيت السَارق:

فصَلت له روحي/قلبي خفّينْ

كي لا تنمو أَشجار الأَوجاعِ     

ويختتم الشاعر المجموعة بقصيدة “بيتنا” المتفرّدة بدلالتين زمانيَّة ومكانية تشيران إلى دمشق 2010.  وبين “بيتنا” وبين “بيت بيوت” تتصدع أساسات الذات في المنفى، وتتشظَّى جدرانها بفارق إنسانيّ يمايز “بيت الغريب” عن “بيت الحارة”:

“صَبَاحُكِ يَا شَامُ ظِلُّ الشُّمُوْسِ..

وَثَلْجُ الغَرِيْبِ عَلَيْهِ ثِيَابُ!

يُقلّبُهُ الشَّوْكُ فِيْ كُلّ شَوْقٍ

حَنِيْنَ الرّيَاحِ إِلَىْ أَهْلِهَا..

وَالصَّدَىْ فِيْ المَنَافِيْ السَّرَابُ!

عَصَافِيْرُ يَا شَامُ كَانَتْ هُنَالِكَ تَشْدُوْ، فَصَارَ الغُرابُ..

صَدِيْقَ البُيُوتِ.. 

الحَدَائِقِ..

أَهْلِ الكِتَابِ.. 

وَأَعْشَاشُهُ فِيْ النُّفُوْسِ..

لَهُ مُطـْـلـَـقُ الأُفْقِ غــَـابُ!”(10)

يستغرق الشاعر في تفاصيل المنفى بالتَّقاطع مع مرايا المكان السوري، فتبدو ملامح المعاناة مشتركة بين من نجا بجسده من شرّ القتل، وبين من بقي مستهدفاً للقتل، أو في عداد الموتى، أو موجوداً على جداول دائرة النفوس:  

“فِيْ الشَّامِ..

مِثْلُ الشَّامِ..

مِثْلُ الأَهْلِ..

مِثْلُ الشَّجَرِ العُرْيَانِ فِيْ حَدِيْقَةِ السّبْكِيْ

ومِثْلُ أَيْلُوْلَ هُنَاكَ..

مِثْلُهُ الصَّدَى هُنَا يَبْكِيْ

فَكَيْفَ لَا بِمَائِهَا نَخْتَنِقُ؟!”(53)

وضمن تنوّع أساليبه الفنيّة في قصيدة التفعيلة، إلى جانب نصّين في قصيدة النثر، يلتقط الشاعر هذه البطاقة:

“نَغُصُّ بِمَاءِ الحَنِينْ

وَنُخْفِيْ عَنْ الأَهْلِ غَابَةَ أَسْئِلَةٍ مُرْعِبَهْ!

كُلُّ شَيءٍ بِخَيْرٍ، وَأَنْتُمْ؟

كَذَلِكَ نَحْنْ بِخَيْرٍ..

تَمُوْتُ هُنَا الأَجْوِبَهْ

وَالهَوَاتِفُ رَنَّتُهَا الكَاذِبَهْ”(78)

وفي موازاة نزيف قصائد منفيّة لها أنياب الذئب، وعواء الألم، تتدفّق قصائد وجدانية بنبض الحب والحياة، لكأنَّها جاءت بلسماً للجراح، ومنها “اشتقنا للضحكة” و”عطر الكلمات” و”الفرح المنثور” و”حبة جوز” وفيها:  

“تَكْفِيْ الأَشْجَارَ إِذَا عَطِشَتْ كَأْسٌ مِنْ مَاءْ

بِيَدٍ سَمْحَاءْ

تَكْفِيْ المَوْجُوْعَ عَلَىْ جُوْعٍ تُفَّاحَةُ كَرَمٍ رَيَّانَهْ

لَاْ يُبْقِيْ مِنْهَا غَيْرَ العُوْدِ بِصُنْدُوْقِ أَمَانَهْ

تَكْفِيْهِ قِشْرَةُ مَوْزٍ

يَتَزَحْلَقُ فِيْهَا كَالأَطْفَالِ عَلَىْ دَرَجِ التَّبَّانَهْ”(97)

على الغلاف الأخير للمجموعة الذي صمَّمه الشاعر حسن إبراهيم حسن نقرأ من قصيدة “ثياب المنفى”:

“يَا اللهُ

تَعِبْتُ، تَعِبْتُ، تَعِبْتُ

فَأيْنَ المِفْتَاحُ؟

أَشْجَارِيْ غَيْرُ الأَشْجَارِ!

وَطُيُوْرِيْ غَيْرُ الأَطْيَارِ!

يَا اللهُ

أَعِرْنِيْ كَفَناً

يَسْتُرُنِيْ فِيْ وَطَنٍ حُرّ مَا كَانَ لَنَا وَطَناً

ثَوْبُ العُرْيِ هُنَا فِيْ المَنْفَىْ فَضَّاحُ”

صدرت للشاعر خمس مجموعات في دمشق بين عامي 1992 و2000 هي “فصول لأحلام الفرات” “سنابل الرماد” “بعد منصف القلب” “فاتحة التكوين” و”مرثية الفرات العتيق”، فيما صدرت مجموعته السادسة عن دار “العائدون للنشر” في عمّان/الأردن 2020.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني