دور القانون في ترسيخ الطائفية
وجدت القوانين لتنظيم العلاقات بين البشر ولتكون عامل أمان وحماية لاستقرار حياة الناس وحفظ كرامتهم، وهي الضامن لتنمية المجتمعات وتطورها، فينظر لمجتمع ما من خلال قوانينه.
والاختلاف كبير بين منبت ومصدر القوانين، وهذا بعينه يضفي عليها صفاته وأهدافها فما يستند على مصادر دينية يختلف كثيراً عن تلك التي تستمد نصوصها من النظريات الحديثة حول حقوق الإنسان.
يشكل القانون العمود الفقري في شبكة العلاقات المجتمعية والاقتصادية والسياسية والدينية فهو يطبعها بطابعه وهذا ما يدعو المجتمعات المتحضرة لتطويره وتحديثه باستمرار ليوافق مصالحها.
كيف للقانون أن يكون عامل تطور أو العكس عامل هدم؟
تتمتع النصوص القانونية بالقوة الفاعلة والضاغطة على بنية العلاقات بالمجتمع فإما تولد المواطنة أو تبث التفرقة، وترسخها، بوجود القوانين والنصوص التميزية بين أفراد المجتمع تخلق الانشقاقات والتعصب والكراهية.
يتضمن القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية السوريان قواعد فاصلة بين أفراد المجتمع لجهة الدين حيث نجد قانون المواريث في فصل موانع الإرث (لا إرث مع اختلاف الدين) هذا حاجز بين المواطنين يحد من اختلاطهم وتزاوجهم بسبب الحرمان من الإرث كم من علاقة حب قضي عليها وأصبحت عبرة للآخرين بسبب تلك القوانين حيث يعتبر الزواج من أكبر العوامل المساعدة في إنهاء الشقاق والتشرذم بالعودة للتاريخ نجد دولاً توحدت بفعل علاقة زواج فساد السلام في ربوعها وبنت إمبراطوريات.
نصوص أخرى تمنع الزواج بين الأديان وحتى بين الطوائف (زواج المسلمة بغير المسلم باطل) في حين تسمح بزواج المسلم بغير مسلمة. هذه النظرة الفوقية لفئة من المجتمع على بقية الفئات كم تحمل من موانع التلاحم والتعاضد والعدالة والمساواة بين المواطنين وتنتفي المواطنة مع هكذا قوانين، وهذا مبدأ الدول المستبدة للسيطرة على شعوبها (فرق تسد) ليس من مصلحتها سن قوانين تساوي بين أفراد المجتمع وتحقق العدالة والحرية فلا مكانة لها في ظل العدالة لذلك تعمل على مصالحها الخاصة ضاربة عرض الحائط بمصالح شعوبها.
الدور الخطير والهام التي تلعبه تلك القوانين التمييزية في بناء المجتمعات، يفضي إلى تقوقع هذه المجتمعات عن الخارج، والأخطر بين أفرادها أنفسهم، فتنغلق كل جماعة على أساس طائفي أو عشائري فهو العامل الجامع بينها وهو المحرك لمشاعرها، فطغيانه أفقدها جزء كبير من إنسانيتها وتدني قيمتها بين شعوب الأرض وغالباً يودي بها إلى التحارب والاقتتال لتخسر كينونتها الجغرافية بانقساماتها على أسس طائفية وتخسر ثروتها بسيطرة المفسدين على مقدراتها فمع تلك القوانين الانقسامية لا سيادة لقانون، لسطوة المحسوبيات على أسس طائفية أو غيرها لصالح الأنظمة الفاسدة التي تتبنى هكذا قوانين معيبة بحق شعوبها أن تشرع في دساتيرها (اشتراط أن يكون رئيس الدولة مسلم) ما يعني أن المسلمين فئة أولى تفرض أحكامها على بقية أفراد الشعب من غير المسلمين الذين يعتبرون مواطنون درجة ثانية. استناداً لهكذا دستور يفرط بحقوق المواطنين ويخلق الفرقة بينهم، وما جاء فيه أن يكون التشريع والفقه الإسلامي من المصادر الهامة للتشريع. لماذا الإسلامي وليس دين آخر مسيحي يهودي درزي؟؟؟
ليس المطلوب استبدال أحكام دين أو طائفة معينة بأحكام دين آخر، أو طائفة أخرى، بل استبعاد كل ما يخص الأديان وما من شأنه أن يكون تمييزياً وعامل فرقة من القانون والدستور. ولا يمكن أن يحصل ذلك إلا بفصل الدين عن الدولة فلا يعقل أن تتبنى الدولة ديناً معيناً.
مقومات الدول الحديثة هي التي تساوي بين مواطنيها وتستبعد كل ما من شأنه أن يكون عامل فرقة وتباعد وتناحر، فتحقيق المواطنة وسيادة القانون هما الأساس في بناء مجتمع صلب معافى من أشكال التشرذم والقسمة، تحكمه دولة المؤسسات والقانون لتعلو قيمة الإنسان بذاته مجرداً من حوامل موروثة تثقل كاهله وتقيده وتبعده عن أخيه الإنسان.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”