دمشق: تحت وطأة الموت الصامت
ترف دمشقي، هو الحديث عن فيروس كورونا خصوصاً في الأحياء التي تؤوي أكبر قدر من اللاجئين، والسبب أن كورونا، ذلك الزائر الثقيل هو ضيف مستحدث، جلبه الإيرانيون خلال موجات الحج الأكبر إلى دمشق، عندما كان (الحاج) قاسم سليماني يستعد لتحرير القدس، وهو ما تطلب منه استحضار كل مليشيا قادرة على القتل، وهي التي جلبت معها الموت والموت معاً، وهي لغة صعبة، على من لم يفهم المراس الدمشقي الصعب.
تحت وطأة الموت:
لا جديد في مسألة توصيف مذبحة المدنيين السوريين في المناطق التي ثارت ضد النظام، فهناك كان الموت عبر أشكال العنف، حتى تلك التي لم تستخدمها النازية في الحرب الكونية السابقة، ولا في مسألة توصيف الموت لمن هو قيد الاعتقال، أو ذبح ذويه من خلال سلبهم آخر قطعة نقدية في جيوبهم تحت بند الرشاوى لأجل الإفراج، وصولاً إلى جز الأمل من نفوسهم وبتره، وهي سياسة النظام التي بدأها منذ اخترع سجن المزة القديم، أو تدمر، فالداخل إليهما مفقود فقط، تلك المفردة التي دخلت لغة السوريين ولم تغادرها بعد.
فالذين اجتازوا جدار الهجرة ووطئت أقدامهم خارج الجغرافيا السورية نجوا من القتل، وأصبحوا قارب نجاة لمن خلفهم، من الأطفال الذين كبروا خلال بضع سنوات، وغدوا في دائرة الحلم المفقود، لكن هذا الحلم يتلاشى، فاللاجئ الذي يكدّ في الشتات ليوصل لقمة العيش لأهله، كان نظام الأسد شريكاً له في تلك اللقمة، وكان ينتزع نصف ما يأتي، ثم أكثر من النصف، ثم باتت لعبة الدولار تدار من أقبية النظام حتى استنفذ الناس مدخراتهم وصولاً إلى مقتنياتهم، وبالتالي لم يبق ما يمكن الاستناد عليه، ثم جاءت القوانين خلف القوانين لكي تمنع حتى الأوكسجين من الوصول إلى جيوب الناس، في معادلة غاية في التعقيد، فكيف يريد النظام الاستحواذ على الدولار ثم يحول دون وصول الدولار القادم من أموال اللاجئين إلى ذويهم، وهو ما يمكن تفسيره أن ما يريده النظام في مناطق سيطرته بات أكبر من المال، هو يريد معادلة أخرى.
الجميع ميت سوى الأسد:
هذا النظام الذي يمتلك المليارات في خزائنه الداخلية والخارجية، بات يرى في مكونات الشعب عبئاً ثقيلاً عليه، ما يعني أن مجمل الأطياف السورية، من الذين وقفوا معه، إلى الذين التزموا الصمت ويعيشون تحت سيطرته، هم على المذبح السوري للموت، بغية نقل المجتمع السوري إلى قانون الغاب، حيث يأكل الجسد بعضه رغماً عنه، بغض النظر عن اللون والدين والمذهب، فالجميع سواء سوى الأسد وحاشيته، هم فقط لا يريدون الموت.
الأسد في زاوية من البلاد يعمل على تصفية الخصوم بكل ما أوتي من قوة، ولديه عقيدة واحدة، عقيدة الشك، فهو كأي رجل عصابات سوف يقتل كل من يتوهم فيه منافساً له، فلا شركاء مع زعيم العصابة، مهما بلغ شأنهم، ومهما كانت درجة قرابتهم، ولو كان من أبناء الأخوال، تماماً كما فعلها الأسد الأب مع شقيقه، والسبب واحد أن الملك عقيم، ولا يقبل الشراكة.
الخبز المر:
فرق كبير بين الدول التي يأكلها الفقر نتيجة سوء الإدارة، وبين دمشق، التي تقوم فيها الإدارة باختراع كل مسببات الفقر والعوز، حتى يكون الناس بين خيارين، الموت جوعاً أو أن يبيعوا أجسادهم هنا وهناك، فالموظف السوري لا يحصل على أكثر من ثلاثين دولاراً في الشهر، لا تكفيه وجبة واحدة في اليوم، أضف إلى ذلك أنه لم يعد قادراً على تسلم حوالة مالية من شقيقه في المهجر، ولا يملك سوى خيارات محدودة، ليس الفساد واحداً منها، لأن الفاسدين تقاسموا إدارة مؤسسة الفساد، وبالتالي فالخيار المتاح حتى للموظف، أن يعمل عند الأسد نهاراً، وأن ينضم إلى مليشيا إيرانية أو غيرها آخر النهار، أو التفرغ كلياً في هذه المليشيا، التي لها وظيفة واحدة، وهي أن تأكل الشعب السوري المضطهد، فجبهات الحرب لم تعد نشطة، وبقي النشاط المتاح (الذي يريده نظام الأسد) هو أن يأكل الشعب بعضه لكي يعيش.
كـورونا:
صوت السعال ينبعث من آلاف البيوت الدمشقية، رغم كل محاولات كتمه بالمناشف وغيرها، وقافلة الموت تأخذ معها كل يوم طابوراً جديداً، أغلبهم ممن لا يملكون القدرة على الحصول على وجبة منتظمة، وليس فقط الدواء.
قافلة الموت تأخذ معها حتى أطباء مهرة، لا يستطيعون الحصول على العلاج، لأن العلاج تحكمه مافيا خاصة، كانت سابقاً تعمل في تهريب الدخان وعلب السمنة والأدوات الكهربائية، وباتت اليوم تعمل على زيادة مساحة الموت، وتقليل نسبة الهواء الدمشقي، ليس عن دمشق فحسب، فكل المدن السورية اليوم هي دمشق، من اللاذقية إلى حلب، والسويداء وغيرها.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”