دعوة للحياة في ظل الموت
لا تموت الرغبة بالحياة لدى الإنسان، مهما كانت الظروف التي يمر بها مؤلمة ويسعى على الدوام للحفاظ على حياته، وبث الأمل في ليله الطويل.
ومن أجل خلق معنى آخر للواقع اليومي في مدينة (إعزاز)، تمت مبادرة جديدة ومميزة بإقامة معرض للرسم، في صالة وحدة المجالس المحلية بإعزاز يومي التاسع والعاشر من كانون الأول.
يقول السيد عبد الله: ممثلاً عن وحدة المجالس المحلية وهي الجهة الراعية للمعرض، إن عملهم تنظيم المعرض، وتأمين الأدوات اللازمة للفتيات المشاركات من ألوان مستلزمات الرسم كافة.
ويتابع الأستاذ عبد الله حديثه: الهدف من هذا المعرض تقديم مساحة آمنة للفتيات من أجل التعبير عن أفكارهن، وإيصال أصواتهن.
أما الهدف الثاني، كانت رغبة وحدة المجالس المحلية في توجيه رسالة للعالم مفادها “يوجد ألوان أخرى في سوريا لا يراها أحد لدينا الفن والرسم وفتيات مبدعات وحياة جميلة نحلم بها بعيداً عن الدم والدمار والحرب”
ولدى سؤال الأستاذ عبد الله عن الأفكار المستقبلية الفنية والثقافية التي تأمل وحدة المجالس تنفيذها.
أجاب: لدينا أفكار متنوعة لها علاقة في إحياء التراث السوري، سواء كان موسيقياً أو معرفياً للمناطق المحررة وللمهجرين.
ورداً على سؤاله حول ردة فعل الشارع تجاه المعرض قال: في البداية كان هنالك قلق من ردة فعل الناس، وأن تكون نظرتهم سلبية للأمر بسبب الموروث الثقافي لهم، ولكن ما لمسناه إقبال مميز وقبول للتجربة الجديدة.
ويتابع الأستاذ عبد الله حديثه: كان هنالك قلق لدى الفتيات من مواجهة الجمهور لأنها تجربتهن الأولى في المشاركة، ولكن بعد رؤية ردة فعل الناس، تشجعن في الحديث عن أعمالهن ومشاركتهن.
وبالنسبة للمعوقات كانت نظرية في أذهاننا، عبارة عن الخوف والقلق من ردة الفعل للشارع، ولكن لله الحمد لم يحدث أي رد فعل سلبي.
ولدى حديثنا مع السيدة عرفة الموسى وهي من المؤسسات للمعرض قالت: فكرة المعرض نشأت بالتزامن مع حملة 16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة، برعاية فريق سوريانا الأمل ووحدة المجالس المحلية، وقد تمت مشاركة الفتيات اليافعات المهجرات، من (ريف إدلب) و(سراقب) و(معرة النعمان) وخلال مدة قصيرة لا تتجاوز خمسة أيام تمكنا من جمع الفتيات في صالة وحدة المجالس المحلية من أجل تنفيذ رسوماتهن، حيث كانت اللوحات تعبر عن العنف ضد المرأة ومناهضة العنف.
وكانت الحملة بعنوان “علّي صوتك” لأن صوت الفتيات هو صوت كل النساء وصوت الثورة.
وقد تنوعت اللوحات حيث عبرت الرسامات عن أنواع العنف كافة، منها العنف اللفظي والعنف الجسدي والاستغلال ومآسي التهجير، ولم تخلو لوحاتهن من العنف ضد المعتقلات، ورسم الحزن الذي تعانيه أمهات المعتقلات.
وتتابع السيدة عرفة حديثها عن الصعوبات قائلة: كانت الفتيات يشعرن بالقلق كونها التجربة الأولى لهن، ولديهن الخشية من أقاويل الناس وردة فعلهم تجاه الفكرة، ولكن كنا ندعمهن ونساندهن من أجل تحقيق حلمهن بالرسم، وإيصال صوتهن.
وتضيف السيدة عرفة: كنت أرى في عيونهن الإصرار رغم قلقهن، وهذا ما يبعث على الأمل.
ووجهت السيدة عرفة رسالتها لكل المهتمين بالرسم والأنشطة المدنية بضرورة تحفيز هؤلاء الفتيات، والاهتمام بمواهبهن، لأنهن صوت المستقبل.
وتحدثت سوار البالغة من العمر ستة عشر عاماً، والمهجرة من مدينة سراقب عن مشاركتها في المعرض قائلة: آلمني جداً تهجيري من مدينتي، وكنت أسأل نفسي هل ستبقى حياتنا تهجير وألم؟
نحن أطفال عشر سنوات من الحرب والتدمير والموت، لم نعش طفولتنا، ولكن عندما بدأت أرسم، انتابني إحساس غريب وجميل بأن الحياة رغم آلامها تستحق أن نحياها بكرامة وسلام.
وتتابع سوار: حلمي أن أكمل دراستي لأكون إعلامية في المستقبل، وسيبقى الرسم يرافقني لأنه نافذتي للعبور للكون.
وعن تجربتها في المعرض قالت: كان دافعي للمشاركة الرغبة في إيصال صوتي للعالم، والتعبير عن كل ما يسبب الألم للنساء، وإنني مع المرأة في أي مكان، وما يؤلمها يؤلمني، وسأدافع عن حقوقها بأبسط الوسائل التي أمتلكها حالياً وهو الرسم.
وتضيف عن صعوباتها التي واجهتها أثناء التحضير للمعرض: بدأت الرسم منذ مدة قصيرة، ورغم حماسي في البداية للمشاركة بالمعرض إلا أنني كنت قلقة لرؤية رسومات الصبايا المشاركات بالمعرض، كنت أخشى ألا تكون لوحاتي جميلة ولكن تشجيع أمي لي، وثقتها بقدرتي على الرسم والتميز دفعاني لأستمر بالرسم وعندما شاهدت لوحاتي بالمعرض كانت سعادتي لا توصف.
وفي ختام حديثها وجهت سوار رسالتها للعالم قائلة: كل الشكر لكم، لأنكم تخليتم عنا ونسيتم أننا بشر، ومن حقنا العيش بسلام.
وكتب المحامي أحمد باكير وهو من زوار المعرض على صفحته في الفيسبوك: لم يتمكن التهجير من لوي الأذرع الجميلة لفتيات (سراقب) و(معرة النعمان)، فأبدعن العديد من اللوحات، كانت أناملكن الأمل بالغد الأجمل، وصوتكن صوت الحق لذلك هو الأبقى، دمتن جمالاً، كل الشكر لمن نظم ولكل من رسمت.
يبقى المعرض خطوة أولى على طريق طويل رغم صعوباته، إلا أنه يستحق السير فيه للوصول إلى حياة أفضل، بأنامل فتيات أردن أن يلون أيامهن السوداء بألوان من الأمل والحلم، القائمون على المعرض يستحقون كل الاحترام على محاولتهم بعث روح جديدة في الواقع السوري.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”