دراسة في حيثيات وأهداف مؤتمر بروكسل لتأسيس “المسار الديمقراطي السوري”!
الجزء الأول
عُقد يومي 25 و26 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، في مدينة بروكسل، مؤتمر لـ “قوى ديمقراطية سورية معارضة” بحضور “ممثلي دول” فاعلة في المشهد السوري.
من حيث المُعلن، يلتئم المؤتمر تحت عنوان “المسار الديمقراطي السوري” ومحاولة “تعزيز دور الديمقراطيين في المسار السياسي الأممي”، وفقاً لما ذكره الأستاذ “موفق نيربية”، رئيس اللجنة التحضيرية في حديث مع “العربي الجديد”، موضحاً أن الدعوة إلى المؤتمر جاءت من قبل” لجنة الإعداد والمتابعة “لعقد مؤتمر لقوى وشخصيات ديمقراطية”،و “هي مجموعة تعمل منذ ثلاث سنوات على التحضير لهذا المؤتمر وتؤسس لإنجاحه”.
يؤكد السيد نيربية أن “قوى سياسية ومدنية عديدة، وحوالي خمسين منظمة، إضافة إلى حوالي مائة شخصية مستقلة تشارك في هذا المؤتمر”، مشيراً إلى أن فكرة المؤتمر “انطلقت من حقيقة ضعف تمثيل الديمقراطيين في الساحة السورية، وتغييبهم من قبل القوى الإسلاموية والميليشياوية، ودول تدعم هذا الاتجاه”…. “وهو ما ساعد على ضعف حركة التغيير والثورة، وتحقيق نجاحات للثورة المضادة”، ومؤكداً أن “مجلس سوريا الديمقراطية مساهم مهم في هذا المسار وهي حقيقة فعلية”، مضيفاً: “نحتاج إلى طرف موجود على الأرض حتى يكون ارتباطنا بالداخل السوري وعلى الأرض ممكناً، ووقع اختيارنا على (مسد) للبدء بهذا التوجه”. واستدرك بالقول: “ولكنه في الوقت نفسه لا يختزل هذا المسار ولا المؤتمر، بل إن مسودات ومشاريع الأوراق والوثائق قد أُعدت بشكل توافقي يأخذ بالاعتبار المصلحة السورية الوطنية، ويهدف إلى الدفع نحو سورية موحدة وحرة ومستقلة”. وأكد: “لسنا بديلاً للائتلاف ولا لغيره، ولا نريد أن ينهار أي جسم للمعارضة السورية”.
كما أوضح أن المشاركين في المؤتمر يريدون “سد الثغرة الأساسية في تركيبة هذه المعارضة، وهي غياب الوجود الديمقراطي والوطني عن الساحة، أو على الاقل ضعف تمثيله بشكل كبير ومؤذٍ“، وأشار إلى أنه من أهداف المؤتمر “بلورة تمثيل مثل هذه الشرائح، بتنظيم الديمقراطيين وتوحيد قواهم، وتعزيز دورهم في المسار والعملية السياسيين، كما والدفع إلى تطبيق القرار 2254 الذي اتخذه مجلس الأمن منذ أواخر 2015. ويري نيربية أنه “لم تعد بنى المعارضة الرسمية قادرة على تطبيق ما تريده القرارات الدولية من أن تكون العملية السياسية بقيادة سورية”، و”نجد في الجانب الديمقراطي السوري حلقة غائبة، سوف يسهم مؤتمرنا في توفيرها”.
أولاً: تساؤلات حوارية مع الصديقين العزيزين موفق نيربية رئيس اللجنة التحضيرية،( والعضو البارز، الأستاذ عصام دمشقي)
نحن لا نشكك بحسن النوايا ونبل المقاصد، لكننا لا نستطيع تجاهل حيثيات وسياقات مؤتمر بروكسل، 25 تشرين الأول الجاري وهوية الطرف الرئيسي المستفيد منها!.
تقولون أن الهدف النهائي للنشاط هو تجميع قوى ديمقراطية سورية من أجل وضع أسس مسار ديمقراطي يشكل الحلقة الديمقراطية المفقودة للدفع بمسار الحل السياسي الأممي، وبغض النظر عن موضوعة المقدمة والاستنتاج، فإن التساؤلات التي ينبغي طرحها من قبل جميع الديمقراطيين السوريين:
لماذا تحاولون التستر على طبيعة علاقة نشاطكم المتكاملة مع جهود مسد التي تعمل على تحقيق نفس الهدف – بناء جسم ديمقراطي سوري- طيلة سنوات، وباتت أيضا تُعلن دعمها لجهود تنفيذ القرار 2254؟
هل يمكن لكم ولـ (مسد) أن تغيبوا حقيقة أن أهداف ومسارات بناء مسار ديمقراطي سوري تتناقض مع أهداف مسد لبناء “جسم ديمقراطي”، بما يوجب على القوى الديمقراطية السورية فصل المسارين وليس العكس؟
هل تعتقدون (ومسد) أن تجاهلكم لمسار التسوية السياسية الأمريكية الجزئية الذي أطلقت واشنطن صيرورته قبل نهاية 2019، (وتعمل خطواته على تأهيل قسد، وتكشف طبيعة دور قسد ووظيفة مسد)، والتركيز الإعلامي على بناء “مسار – جسم” ديمقراطي بغاية توفير شروط تنفيذ القرار 2254، يستطيع أن يُغيب طبيعة العلاقة، ويضلل الرأي العام الديمقراطي والوطني السوري؟
إذا كنا لا نعرف حجم وفاعلية القوى والشخصيات الديمقراطية المشاركة أو التي اعتذرت لأسبابها الخاصة، فهل نستطيع أن نتجاهل طبيعة وجود وأهداف قيادة مسد، الأكثر تنظيما وفاعلية وقدرة على تجيير أنشطة ومخرجات مؤتمر بروكسل لصالح مشروعها؟.
إذا كنا، كديمقراطيين سوريين، نتفق معكم في تأييد حقوق الكرد القومية المشروعة، على غرار جميع السوريين، في إطار دولة ديمقراطية سورية موحَدة، يبقى للسوريين في سياقات بناء المشروع الديمقراطي الوطني أن يحددوا درجة مركزية إدارة الحكم، بما يتوافق مع مصالح جميع السوريين المشتركة، فهل تعتقدون أن مسد تمثل مصالح الكرد السوريين وتعمل على توفير شروط تحقيقها في إطار بناء مؤسسات دولة وطنية ديمقراطية موحدة؟.[1]
هل تعتقدون أن “مسد” قوة ديمقراطية، لكي يتم دعوتها لمؤتمر قوى ديمقراطية؟.
هل تجهلون طبيعة الخطوات السابقة التي بذلتها قيادة مسد في إطار جهود مستمرة لتشكيل “جسم ديمقراطي سوري” تريده غطاء وطنياً لمشروعها السياسي الخاص، وأداة لترويج أفكارها، وإقناع السوريين بديموقراطيتها وسوريتها، وبالتالي أنها الأقدر على دفع جهود هذا المؤتمر في نفس السياق؟ أليس هذا مضمون كلام الأستاذ رياض درار عندما أوضح أن “المؤتمر تتويج لعمل طويل عبر مؤتمرات في الداخل السوري وورشات في الخارج وعدة لقاءات في استوكهولم”…؟[2].
ألم تكن تلك الجهود التي يعتبر الأستاذ رياض درار أن هذا المؤتمر تتويجا لها، بقيادة مسد، وفي إطار تحقيق هدفها الخاص؟
كيف نثق نحن الديمقراطيون في الداخل السوري، الذي نتطلع إلى جهدكم الديمقراطي بكثير من الأمل، بجدوى هذا الجهد، وأنتم تعولون على دور فاعل رئيسي “ميداني” لمسد، وتتجاهلون طبيعة الوظيفة والدور، وتبررون تلك العلاقة بالحاجة “إلى طرف موجود على الأرض حتى يكون ارتباطنا بالداخل السوري وعلى الأرض ممكناً“؟
إذا كنتم تتطلعون للقيام بدور سياسي وطني ديمقراطي سوري، فهل يمكن لكم ذلك عبر تجاهل وتغييب أخطر حقائق الصراع على سوريا التي باتت تتجسد في وقائع السيطرة الجيوعسكرية القائمة منذ مطلع 2020، (تقاسم أمريكي إيران لما يقارب من 90% من الجغرافيا السورية) وعوامل سياقاتها في مصالح وسياسات الولايات المتحدة والنظام الإيراني المشتركة التي كان لها الدور الحاسم في دفع حراك السوريين السلمي على مسارات الخَيار العسكري الميليشياوي – صاحبتا أكبر مشروع سيطرة إقليمية وسورية – وتركزون عوضاً عن ذلك على ثقافة سياسية باتت خارج السياق، تحمل بقايا “النظام” كامل المسؤولية لما باتت عليه سوريا من تقاسم للحصص ومناطق النفوذ؟.
كيف نفسر تعويلكم على مسار سياسي بات بحكم الميت – فقد كل الشروط الموضوعية والذاتية اللازمة لتنفيذه – وتصرون على نكران وقائع وتجاهل إجراءات التسوية السياسية الأمريكية الجزئية الجارية، ونتائجها الواقعية التي حولت كانتون قسد إلى “إقليم شمال وشرق سوريا الديمقراطي”، وطبيعة وظيفة مسد ودور قسد في تحقيق أهداف وخطوات تلك الصيرورة التي تتناقض في أهدافها ومآلاتها مع ما تدعون العمل على تحقيقه من خلال المسار الديمقراطي؟
على ماذا يدلل تعويلكم على مسار جنيف، وإمكانية تنفيذ القرار 2254، وقد تجاوزته مصالح وسياسات الولايات المتحدة التي دبجت بنوده وحشدت الموافقة عليه، ورمته للتعفن في خزائن الأمم المتحدة منذ ذلك الحين، وسلكت طريقا آخر، تعرفون قاعدته النظرية المتناقضة مع مسار جنيف، وما نتج عنه على صعيد تأهيل سلطة قسد الميليشياوية؟ ألا تساهمون في تغييبكم وتجاهلكم لوقائع السيطرة وحقائق التسوية السياسية الأمريكية الجارية منذ 2020 في تضليل الرأي العام السوري والتغطية على حقيقة مشروع مسد/قسد تحت يافطات الديمقراطية ومساراتها المُدَمَرة وفقاً لموجبات آلية السيطرة الإقليمية الأمريكية، سوريا وعلى الصعيد الإقليمي العام؟
لمصلحة مَن تأتي رؤيتكم المنفصلة، وتلك القراءات السياسية الغير موضوعية، بغض النظر عن إدراككم أو عدمه؟ لمصلحة جهود بناء مسار سياسي ديمقراطي سوري؟.
[1]– في لقاء خاص على تلفزيون عفرين1 مع السيدة إلهام احمد، الرئيس التنفيذي السابق لمجلس سوريا الديمقراطية، تتحدث عن وجود فعلي لثلاث سلطات أمر واقع، متباينة سياسياً وثقافياً وعسكرياً، وضرورة أن يأخذ اي مسار سياسي هذه الحقائق بعين الاعتبار، لكنها تنكر معرفتها بطبيعة “الحل”!
في إجابتها على سؤال:
لماذا باتت الانظار تتوجه الى مناطقكم حين الحديث عن حل سياسي قادم في سوريا؟، قالت السيدة إلهام:
“التقييم الشامل للمشهد السياسي السوري يُظهر “ثلاث مناطق نفوذ، موجودة في الجغرافيا السورية، وبما يجعلها مقسمة سياسياً وعسكرياً وثقافياً. في ظل هذا الوضع، بالتأكيد، البحث عن حل سياسي، يفتح المجال للحديث عن سوريا جديدة، تكون ضمن إطار نظام لامركزي. وهذا يحتاج الى تفاهمات، وحوارات مطولة.. وبات يدرك الجميع ضرورة أن يأتي الحل السياسي على يد جميع السوريين، دون إقصاء أي طرف من مكوناته الثقافية. لذلك الحديث عن اشراك الإدارة لابد منه”.
[2]– قال الشيخ رياض درار، الرئيس السابق لـ “مسد”، في حديث آخر مع “العربي الجديد” إن “المؤتمر تتويج لعمل طويل عبر مؤتمرات في الداخل السوري وورشات في الخارج وعدة لقاءات في استوكهولم”، مضيفاً: “اللجنة التحضيرية أعدت أوراقا تشمل كل هواجس السوريين، وتضع برامج عملية لخطة طريق يمكن أن تكون مفتاحا لبعض الحلول”. وأشار درار إلى أن “هذا المؤتمر تجمع للديمقراطيين وسيشكل منصة خاصة للقوى الديمقراطية، باسم: المسار الديمقراطي السوري، لتكون جزءاً من آليات العمل والحوار والسعي للحل السياسي لاحقاً”، مضيفاً: لا يريد هذا التجمع أن يكون بديلا لأحد، وسينفتح على الجميع. وبين أن أوراق المؤتمر “تتحدث عن الهوية السورية واللامركزية وشكل الدولة وعلاقتها بالدين، والأقليات القومية”، مضيفا: “هناك أيضا قراءة لمسار الثورة السورية وما آلت إليه. وأوضح أن المؤتمر سيتمخض عن أمانة عامة وهيئة تنفيذية لاستمرار الشكل السياسي والمتابعة لاحقا، مضيفا: “تشارك بالمؤتمر قوى سياسية أغلبها تشكل بعد الثورة السورية في عام 2011، وشخصيات مستقلة تعمل في الشأن العام”.