fbpx

خيري شلبي روائي مصري كتب عن البسطاء

0 188

خيري شلبي نجم من نجوم الأدب العربى فى مجال الروايه والشعر والنقد الأدبى من مواليد 31/1/1938 بدلتا مصر (قلين – كفر الشيخ) رئيس تحرير مجلة الشعر (وزارة الثقافه) رئيس تحرير سلسلة مكتبة الدراسات الشعبيه (وزارة الإعلام) أستاذ بمعهد الفنون المسرحيه (تاريخ مسرحي)

الجنسية: مصري

تاريخ الميلاد: 31 يناير 1938

تاريخ الوفاة: 9 سبتمبر 2011

سئل الأديب نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل ذات مرة، لماذا تكتب دائماً عن الحارة ولا تعبر بكتاباتك عن القرية، فكان جوابه كيف أكتب عن القرية ولدينا خيري شلبي؟!

ولد “شلبي” 31 يناير من عام 1938م، بقرية شباس عمير بمركز قلين بمحافظة كفر الشيخ، وبدأ حكايته مع الكتابة منذ وقت مبكر، حين كان فى السادسة من عمره محاولاً كتابة قصة حياة أبيه، الذى كان يمثل له المارد الذي سيطر على جميع اهتماماته، وكان مفتوناً بقوته وقدرته على الاحتمال وصبره في مواجهة الأزمات.

“بوتد وفرعين من الصبار والشطار والسنيورة والأوباش، ومن خلال موال البيات وبغلة العرش، ومنامات وعم أحمد السماك، بطن البقرة، صهاريج اللؤلؤ، صاحب السعادة اللص، المنحنى الخطر، سارق الفرح، الدساس، استطاع الكاتب والروائي خيري شلبي، أن يبدأ عهداً جديداً للأدب المصري، وتربع موقعاً متميزاً على خريطة الرواية العربية، وانفرد بتقديم قاع القرية المصرية التي نشأ فيها وكان جزءاً منها.

“حياتنا كلها فنادق رخيصة وحقائب سفر وغرف مبقعة الفرش بعرق الآخرين وبقاياهم” كانت إحدى أشهر الاقتباسات من كتبه، وتحديدا من كتاب “موال البيات والنوم”، ذلك الروائي البارع والفلاح وعامل الترحيلة والبائع السرّيح والحرفي الذى تمرس بالشغل اليدوي، وأحيا فن السيرة الشعبي بشكل حداثي مستفيداً من منجزات فن الرواية في العالم, وقدم إسهاماً عن القرية المصرية.

انضم خيري شلبي في صباه لعمال التراحيل، فكان النفر الوحيد الذي يوجد في زوادته كتب وأقلام وكراريس، ولما عاش بينهم تأثر بهم وسيطرت عليه شخصياتهم.

وفى تلك الفترة تشرب الفولكلور المصري عبر الأغاني والمواويل والحكايات والأمثال والألعاب التي تشبه المسرح، وكذلك الصبر والحكمة واللغة الحقيقية المعبرة عن القاع الاجتماعي، وتعلم حسبما قال بنفسه ما لم يتعلمه من بطون الكتب والمراجع.

“طالما أن جميع القائمين على الشغل في بلادنا يمدون الأيدى حتى وإن لم يخرجوها من جيوبهم فإن ما تسمونه القانون والضمير والعدل مجرد كلام في كلام يا بوي”، بهذا الجملة الشهيرة في كتاب “أولنا ولد” لخص “شلبي” مشاعره التي تفيض بالاهتمام بالبسطاء والمحتاجين، وهي مشاعر تراكمت لديه بعد أن عمل بالخياطة والنجارة وسمكرة بوابير الجاز، وبائعاً سرّيحاً وفى بيع الأمشاط والفلايات وعلب الكبريت وإبر الخياطة في الترامات.

قدم شلبي نحو 70 كتاباً ضمت روايات ومسرحيات ومجموعات قصصية ودراسات نقدية، فكان بمثابة الكاتب المتكامل، وترجمت معظم رواياته إلى الروسية والصينية والإنجليزية والفرنسية والأوردية والإيطالية، وقُدمت عنه عدة رسائل للماجستير والدكتوراه في جامعات القاهرة وطنطا والرياض وأكسفورد وإحدى الجامعات الألمانية.

“صياد اللولي” حينما سئل عن سر نجاحاته قال إنها قوة إرادة، والوقت طويل جداً ولكننا نتفنن في إهداره، أما مقولة ضيق الوقت فهي محض ادعاء، وقد انتبهت إلى هذا جيداً، منذ وقت مبكر، فلم تمر دقيقة واحدة إلا قضيتها في الكتابة أو القراءة.

ابن المدينة حويط وممسك، يخشى دائماً من الإفضاء، هكذا يرى “ملك الحكايين” الذي أرجع سبب تميزه في أسلوب الحكي والسرد إلى طبيعته التي ترتبط بالفلاح الذي يتميز بصفة البوح، وهو ما يميزه عن كاتب المدينة.

حصل “شلبي” على العديد من الجوائز منها، جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 1980، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى فى نفس العام، وكذلك جائزة أفضل رواية عربية عن رواية “وكالة عطية” 1993، بالإضافة إلى الجائزة الأولى لاتحاد الكتاب للتفوق عام 2002، جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عن رواية وكالة عطية 2003.

وحصل أيضاً على جائزة أفضل كتاب عربى من معرض القاهرة للكتاب عن رواية صهاريج اللؤلؤ 2002، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب ‏2005‏، كما رشحته مؤسسة “إمباسادورز” الكندية للحصول على جائزة نوبل للآداب.

رحل شلبي في يوم 9 سبتمبر من عام 2011م عن عمر يناهز 73عاماً، تاركاً كتاباته تتحدث عنه، وعن أدبه ورواياته التي ضرب الجميع بها الأمثلة في الواقعية السحرية، حيث امتزاج الواقع بالأسطورة.

يعد خيري شلبي من كبار الكتاب المصريين التقدميين، ومن أعمدة القص والسرد الروائي والنقد الإذاعي. ويعتبره النقاد في مصر والوطن العربي رائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية الحديثة المعاصرة، وعميد دوحة الرواية المصرية، وحكواتي الهوامش المنسية العارف بأسرار المدينة، ورسام الملامح والوجوه الذي مزج بين التراث والأسطورة وأحلام الفقراء والمسحوقين والمهمشين. وهو ينتمي إلى جيل الستينيات ويقترن اسمه مع جيله ومعاصريه من الكتاب والمبدعين والمثقفين المصريين: جمال الغيطاني وصنع الله ابراهيم وبهاء طاهر وإبراهيم أصلان وسواهم .

عانى خيري شلبي الكتابة وكابدها، وابتدع في الصحافة المصرية شكلاً ولوناً جديدين من الكتابة الأدبية الصحفية هو فن “البورتريه” الذي يرسم ملامح شخصيات معروفة بأسلوب أدبي ساخر شفاف. وعرف ببساطته وتواضعه، وبدا دائماً ودوداً وبشوشاً، محباً للحياة، ضاحكاً ومبتسماً لها.

عاش بين الناس، وعايش واقعهم، وصور آلامهم وآمالهم وأحلامهم والتصق بهمومهم وقضاياهم، وخاض المعارك ضد القهر والفقر والاستبداد والانسحاق، وقارع المتأسلمين السياسيين والسلفيين الأصوليين حتى اللحظة الأخيرة من حياته، وترك أثراً كبيراً في الحياة الأدبية والثقافية والمجتمع المصري بكتاباته وأعماله الروائية الإبداعية.

أبقى خيري شلبي وراءه أكثر من سبعين عملاً ومؤلفاً في القصة والرواية والدراسة الأدبية، وتعتبر روايته “وكالة عطيه” أهم أعماله الأدبية، ونال عليها جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية بالقاهرة. ومن أشهر رواياته ودراساته: محاكمة طه حسين، تحقيق في قرار النيابة في كتاب “الشعر الجاهلي”، لطائف اللطائف، صهاريج اللولؤ، الأوباش، الشطار، زهرة الخشخاش، الوتد، بغلة العرش، نعناع الجناين، أحمد السماك، وغيرها الكثير.

تمتاز كتابات خيري شلبي بواقعيتها، والتصاقها بالهم العام والشأن المصري، وتتصف بأسلوبها السردي المشوق والسهل الممتنع، ولغتها السلسة العذبة، لغة الشوارع والهوامش والأرصفة. وتنتمي رواياته إلى الأدب الإيديلي الرعوي، أدب الأرصفة والشوارع والريف والأحياء الشعبية والأزقة، وتنبعث منها رائحة الأرض والتراب وعرق الفلاح، ونعيش من خلالها أجواء الاحياء الشعبية، ونتحسس واقع وحال الفقراء والمهمشين والغلابا والمسحوقين. وهي تعبق بالروح الشعبية المصرية وتفوح بنكهتها الخاصة المميزة.

وخيري شلبي هو من أصدق وأعظم من تجلوّا وكتبوا عن القرية المصرية وعبروا عن واقعها وأفراحها وأشجانها وهمومها وأحزانها، وغاصوا في أعماقها وقاعها ودروبها، وصوروا أجواءها تصويراً رائعاً بديعاً. فقد تفاعل مع المكان والواقع المعيش الراهن، ولامس نبض الشارع، واستلهم عالم القرية، وبيئة المهمشين، وتقمص مصر بكاملها، ورسم العادات والتقاليد السائدة في الريف المصري والأحياء الشعبية الفقيرة، وأجاد في التوصيف وتوظيف الفولكلور الشعبي التراثي والسير الشعبية .

وصفوة القول، خيري شلبي هو أحد أوتاد خيمة الرواية المصرية، والكتابة القصصية الغامرة الفياضة، التي تسيل عذوبة وطلاوة، وتتدفق من خلال سرده كالينبوع الصافي. إنه باختصار حكاء مصر الفصيح، الذي تميز بلغته الجميلة البليغة وكنزه التراثي التاريخي، وانحيازه إلى صفوف المسحوقين وجموع المهمشين والقطاعات الشعبية. وتشكل وفاته خسارة عظيمة وجسيمة للحركة الروائية والقصصية المصرية والعربية.

خيري شلبي الذي يخشاه أنصاف الموهوبين فتعمدوا إبعاده فكانت أكبر خدمة قدموها له.

خيري شلبي ذلك الطفل الذى تربى فى كنف أب مثقف متعلم يكتب الشعر ويمارس السياسة، يهتم لكرامة الإنسان، تمرد على خريطة حياته المرسومة من قبل أبيه وقرر أن يرسم خريطته بيديه الصغيرتين، فكان عليه أن يدفع ثمن تمرده بالكد والكفاح والعمل ليل نهار.

بعد أن شق طريقه وسط مثقفى الأسكندرية هاجر للقاهرة وهو يحمل لقب “الكاتب السكندري” خيري عكاشة، ليغير اسمه لخيرى شلبي هرباً من أية محاولة ربط بينه وبين وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة.

كان شعلة من الكفاح والنشاط والعمل الجاد، ما بين الكتابة والقراءة، ما بين المسرح والإذاعة ثم التليفزيون.

لم يكن لخيري شلبي الوقت الزائد ليهدره فى النشاط السياسي سواء بالانضمام للأحزاب أو التيارات المختلفة، ما جعلهم يبعدوه عن عالمهم ويتعمدون تهميشه، كان يرى أن الكاتب هو حزب فى حد ذاته.

مارس حبه للوطن من خلال كتابته وأعماله الفنية المختلفة، حرص على إبراز مواطن الجمال فى النفس البشرية للمواطن المصري سواء أكان عاملاً أم فلاحاً أم موظفاً بسيطاً… الخ، كان يجد نفسه وسط هؤلاء البسطاء والمهمشين، وبالكاد يزور من آن إلى آخر مجتمع المثقفين، الذين تعالوا عليه للغته البسيطة التي تصل كل فئات المجتمع، ربما لم يتقربوا منه إلا بعد أن بدأ فى كتابة المقال النقدى والبورتريه، كان بعضهم يظن أنه يكتب عن المقربين، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أنه يكتب عن الموهوبين أياً كان مجال موهبتهم وأياً كان مكانهم.

كثيراً ما كتب عن شخصيات لم يقابلها من قبل، وكثيراً طرق باب بيتنا أناس أتوا فقط لشكره وإبداء تعجبهم من ذلك الرجل الذي يكتب عنهم دون محاولة للتملق أو استغلال قلمه.

خيري شلبي لم يستغل قلمه في يوم من الأيام ولم يسع لجائزة فى يوم من الأيام ولم ينتظر أكثر مما كتبه الله له.

هنيئاً له وهنيئاً لنا بك وبتاريخك وذكراك العطرة.

خيري شلبي، “لسان المهمشين” وأمير الحكائين.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني