خليفة الأسد وفق تجاذبات المعارضة
رغم ما حملته سنوات الثورة العشر من تغييرات في حياة وتفكير السوريين إلا أنها كانت قاسية جداً. فلم تغن أوربا وقوانينها الإنسانية واستقبالها لمئات الآلاف من المهجرين السوريين عن تفكيرهم في الوطن والعودة له إن أتيح لهم ذلك. وكذلك مخيمات الشقاء المنتشرة في الداخل والخارج والتي يعاني ساكنوها قهراً مضاعفاً نتيجة عيشهم الذي يشبه العيش في العراء.
ولعل عدم الالتفات إلى ما يعانيه أهلنا في الداخل في مختلف المناطق سواء كانت تحت سيطرة النظام أم تحت سيطرة قوى الأمر الواقع، من غلاء وفساد وظلم وقهر واستغلال يندرج كل ذلك في إطار الخلافات بين تشكيلات المعارضة من أحزاب ومنظمات مدنية ومنصات سياسية ومبادرات مختلفة. وأيضاً ولاءاتها لدول إقليمية أو دولية.
فلا يخفى على أحد سلسلة الخسائر المتوالية التي مُنيت بها المعارضة وفصائلها المسلحة على الأرض منذ التدخل الروسي وإسناده للنظام بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. فلم تترك روسيا سلاحاً إلا وجربته على مدنيي سورية وهي تدعو المعارضة وفصائلها إلى مؤتمرات أستانة وسوتشي الموبوءة. التي أدت إلى تسليم المناطق للنظام وفق اتفاقات مهينة بحق الشعب الذي هُجر من أرضه أو من بقي بدون أية حماية وكان لقمة سائغة للنظام المتوحش الذي بادر بتصفية الكثيرين ومازال. وفي الطرف الآخر كان استقبال الجولاني (أحد أقطاب الثورة المضادة) للمهجرين بنفس الأسلوب فبادر لاعتقال الكثيرين منهم بغض النظر عن توجهه.
ومازالت هذه الخلافات تزيد الشقاق بين صفوف المعارضين وفي الضفة الأخرى نجد النظام يستمر بجبروته مستغلاً عدة عوامل منها هذه الشقاقات والخلافات.
فإذا نظرنا إلى جميع المعارضين وتشكيلاتهم المختلفة لا نجد هذا العمل الجاد المشترك أو الفردي لإسقاط النظام مع وجود بعض الاستثناءات التي لا تشكل حتى الآن قوة كافية لذلك. ورغم توجه القانونيين لرفع دعاوى تلاحق مجرمي الحرب وأزلام النظام المتخفين تحت اسم المهجرين. إلا أن هذا الطريق طويل ويحتاج الكثير من الأدلة والشهود والوقائع. وهنا أيضاً وللأسف تبرز خلافات المعارضين.
وإذا أعدنا شريط الثورة منذ 2011 إلى يومنا هذا ونحن نقف على أعتاب السنة الحادية عشر نجد العديد من المطالبات بإيجاد أو الاتفاق على قائد للثورة أو تحت أي تسمية كانت. وهذه المطالب كانت شعبية أكثر منها نخبوية. ولكن لم يكن هناك من يصغي، لأنه وكما ذكرت سابقاً فإن الابتعاد عن الشعب وهمومه كان لدى أكثر التشكيلات في المعارضة وأكبرها تأثيراً في واقع أحداث الثورة.
اليوم وبعد تصدر المشهد السياسي أو بروز لعدة شخصيات مؤهلة لقيادة المرحلة القادمة، نجد خلافات بين المعارضين على هذه الشخصيات. مع العلم أن المعارضة بكل أطيافها طوال السنوات العشر الماضية وبعد تشكيل الائتلاف أو المنصات المختلفة في موسكو أو القاهرة وغيرها لم تقدم شخصية متوافقاً عليها من قبلها أو من قبل المجتمع الدولي.
والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لا نتفق على أن هذا الشخص يجب أن يكون متمرساً في عوالم السياسة والإدارة والعلاقات ومتوافق من المجتمع الدولي عليه. وبالتالي يضمن للسوريين العيش في وطنهم، وعودة آمنة لللاجئين والإفراج عن المعتقلين جميعاً. وفي الوقت ذاته يتوقف إطلاق النار نهائياً. وتبدأ مرحلة إعادة الإعمار وحالة استقرار اقتصادي. والأهم إعادة توحيد الأرض والشعب. وإنهاء حالة قوى الأمر الواقع بالتزامن مع زوال نظام الأسد. ومن ثم تبدأ الحياة السياسية الديمقراطية المرجوة، وبناء دولة الحرية والكرامة والمواطنة.
وعليه فإذا كنا مؤمنين بثورتنا وهدفنا إسقاط النظام وسلامة ووحدة شعبنا وأرضنا فعلينا أن نوقف تلك الخلافات فإن أول المستفيدين منها نظام الحكم في دمشق وسلطات الأمر الواقع التي تمثل الوجه الآخر له.