fbpx

خطورة المفاهيم المعيقة لدورها المجتمعي.. المرأة السورية وأهمية رفض العرف والعادة

0 560

الهوية الثقافية لمجتمع ما تتغيّر مع التغيّر في درجة التطور الاجتماعي العام، هذا التطور يرتكز أساساً على درجة التطور السياسي والاقتصادي في أي مجتمع.

وفق هذا التصوّر العلمي، يُعَدُّ التمسك بالعادات والتقاليد من أكثر الظواهر الاجتماعية تأثيراً في المجتمعات المختلفة، بما فيها المجتمع السوري. هذه العادات، رغم أنها تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من الهوية الثقافية، قد تتحول إلى عقبة أمام التقدم الاجتماعي، حينما تصبح جامدة وغير متماشية مع درجة التطور العام الاجتماعي، ومتناقضة مع التغيرات المعرفية والثقافية السريعة.

من القضايا البارزة التي تتطلب إعادة النظر هي مسألة تقييد حرية المرأة، وتكريس وتعزيز الأدوار التقليدية النمطية، الأمر الذي يخلق تعارضاً بين بنية أخلاقية اجتماعية سياسية قائمة وبين بنية متجددة، هذا الأمر يتطلب فهماً عميقاً وآليات فعالة للتغيير والتطوير نحو مجتمع أكثر عدالة ومساواة.

إن استضعاف النساء كظاهرة اجتماعية له جذور عميقة في التاريخ والثقافة العالمية، ويُعَزَّز عبر تصورات مجتمعية محددة. هذا الاستضعاف يتجلى بشكل أكبر في بلدان العالم الثالث، مثل سوريا، حيث يتم وضع النساء في خانة العنصر الأضعف ضمن الحلقة الاجتماعية. تتأثر هذه الظاهرة بعوامل متعددة، منها العادات والتقاليد التي قد تقيّد حرية النساء وتحدد أدوارهن بشكل صارم بناءً على معايير مجتمعية متقلبة ومزاجية.

يُعد مفهوما “الشرف” و”الفضيحة” من أكثر المفاهيم تحكماً بمصير المرأة في المجتمعات التقليدية. لا توجد محددات ثابتة لهذه المفاهيم، ما يجعل تقييماتها ومعاييرها تخضع لأهواء القيم المجتمعية السائدة. هذا التقييم المزاجي يُعقّد حياة النساء، حيث يُفرض عليهن نمطٌ معينٌ من السلوك والانضباط الاجتماعي، الذي قد يكون بعيداً عن المنطق والعدل.

من الأهمية بمكان أن نفرق بين الشعور المبرر بالخوف على المرأة والرغبة في حمايتها، وبين انتقال هذا الشعور إلى مرحلة التحكم المطلق في حياتها. ففي المجتمعات التي تُبنى على أساس المساواة والعدالة، يكون التعاون المتبادل والشعور بالشراكة هما الأساس في العلاقات الأسرية والاجتماعية. إلا أن التحول إلى الوصاية والتحكم المطلق في المرأة يؤدي إلى تعزيز الشعور بالملكية وتقييد حريتها.

العادات والتقاليد هي مجموعة من السلوكيات والمعتقدات التي تناسب أوقاتاً وظروفاً تاريخية معينة. من المهم أن ندرك أن هذه السلوكيات والمعتقدات ليست ثابتة، بل يجب أن تتغير وتتطور مع تقدم المجتمع وتغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. التمسك الأعمى بالعادات القديمة دون مراجعة أو تحديث قد يؤدي إلى تعزيز القيم الرجعية التي تعيق التقدم والتطور، ويمكن أن يسهم في تكريس التخلف بدلاً من دفع المجتمع نحو التحديث والتحسين المستمر.

نهضة البلدان وتطور المجتمعات يتطلب كسر التابوهات المتخلفة التي تتكون في غالبها من موروثات شعبوية خرافية وعنصرية. هذه التابوهات تساهم في تكريس التمييز الاجتماعي والجنسي وتقديس نوع مجتمعي على حساب امتهان نوع آخر. لا يمكن للمجتمعات أن تتقدم دون مواجهة هذه الموروثات وتحطيمها، وهو ما يتطلب شجاعة وجهوداً متواصلة من جميع أفراد المجتمع.

من أجل تحقيق تغيير حقيقي في المجتمع، يجب أن يبدأ الأمر من داخل الأسرة عبر إعادة النظر في أساليب التربية. إذ لابد من الأبوين التخلي عن اسلوب التسلط واعتماد نهج يعزّز قيم المساواة والعدل بين جميع الأبناء بغض النظرعن جنسهم، التربية الأسرية التي تبنى على المساواة والتعاون المتبادل تسهم في تنشئة جيل واع وقادر على مواجهة التحديات والمشاركة بفعالية في تقدم المجتمع.

يقع على عاتق النساء جزء كبير من المسؤولية في تحقيق التغيير الاجتماعي. عليهن أن يرفعن أصواتهن ويطالبن بحقوقهن ويسعين لتحقيق العدالة الاجتماعية. ويمكن للنساء تحقيق ذلك من خلال تعزيز معرفتهن ووعيهن، والعمل على تفكيك المفاهيم البالية التي تُعزز التمييز والظلم، ويأتي ذلك عبر الانخراط في الشأن العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هذا الانخراط لا يمكن أن يكون فاعلاً خارج أطرٍ تنظّمه، كالأحزاب ومنظمات ترعى تمكين المرأة وتطوير قدراتها والدفاع القانوني عن حقوقها.

المجتمعات لا يمكن أن تحقق نهضتها وتطورها إلا من خلال كسر التابوهات المتخلفة وتفكيك المفاهيم الرجعية التي تعيق التقدم. وذلك يتطلب شجاعة ومثابرة من جميع أفراد المجتمع، وخاصة النساء، لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة. المعرفة والوعي هما السبيل الوحيد لتحقيق هذا التغيير المنشود، ومن خلالهما يمكن للمجتمعات أن تبني مستقبلها على أسس عادلة ومنصفة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني