fbpx

خطاب الكراهية سِمة لا تتجزأ

0 211

بعيداً عن خِطاب الترويج أو الذّم، وهما من أنواع الخطاب السياسي المستخدم في المنافسة بين أفراد أو تيارات سياسة، يأتي خطاب الكراهية ذو مصدر مختلف تماماً، فهو لا يندرج تحت أي نوع من أنواع التنافس السياسي المشروع بل يدخل في خانة العنصرية والتحريض على المُختلف والهدف منه يتراوح بين أقصى التطرف وهو انهاء وجود الآخر الذي يتم توجيه خطاب الكراهية ضده الى هدف أقل تطرفاً وهو انتهاك حقوق الآخر المُختلف وانتقاص هذه الحقوق التي يمنحها أي مسار سليم يرتكز على المساواة الإنسانية.

يعتمد هذا الخطاب على قناعة مُترسخة لمن يصدر عنه بأنه أفضل من الآخرين، هذه القناعة تنبع من عدة عوامل من أهمها، على سبيل المثال لا الحصر:

– عوامل ترتبط بالدين والمعتقد، حيث يعتبر الفرد الحامل لمثل هذا الخطاب أن انتماؤه المذهبي يمنحه أفضلية محددة يستند بها على هالة قدسية يحيط بها نفسه وأقرانه ليمنحهم هذه الأفضلية على المُنتمين لأديان ومعتقدات أخرى أو على غير المتدينين.

– عوامل ترتبط بالقومية يستند بها الفرد على أن انتماؤه القومي يمنحه أفضلية محددة وفق مرتكزات تاريخية غالباً، سواء كانت صحيحة أو مُلفقة، يمنح بها القومية التي ينتمي لها أفضلية على القوميات الأخرى وذلك يتعلق أيضاً بالعامل العرقي البيولوجي الوارد في البند التالي.

– عوامل ترتبط بالعرق، والذي يعتمد على وجود اختلافات بيولوجية مورفولوجية بين المجموعات البشرية أي بالانتماء لأعراق مختلفة ذات صفات مختلفة ترتبط بالشكل والبنية الخارجية فقط، ويعتمد الفرد الذي يوجه خطاب الكراهية من هذا المنطلق بكون العرق الذي ينتمي له يمتلك صفات مورفولوجية ذات افضلية من وجهة نظره. يندرج تحت هذا البند أيضاً عوامل ترتبط بالانتماء العائلي أو الانتماء لسلالة محددة يعتقد حاملها أنها تمتلك صفات ذات أفضلية على الآخرين بحكم اندراجها بالسلطة في مرحلة معينة أو بحكم إنجازات مادية او معنوية لبعض من أفرادها.

– عوامل اجتماعية، ترتبط بمنظور طبقي يندرج ضمنه عدة عوامل منها المادية التي تعتمد على التمييز بين الأغنياء والفقراء وفق خطاب كراهية متبادل، عوامل مناطقية تعتمد على التمييز بين أبناء المناطق المختلفة أو بين أبناء المدن والريف أو الجبل والسهل أو الصحراء والساحل..الخ وتعتمد خطاب كراهية متبادل.

– عوامل سلوكية ترتبط بالعادات والتقاليد وطرق الأكل والشرب والملبس والتي ترتبط بدورها بالعوامل الاجتماعية والثقافة الدينية السابقة الذكر حيث يعتقد حامل هذا الخطاب أن ما يُمارسه ويعيشه من سلوكيات لها أفضلية على نماذج اُخرى من الثقافة والعادات والتقاليد.

– عوامل جندرية، يرتبط بمنظور العداء للنوع الجندي المختلف واعتباره بدرجة أدنى وتوجيه خطاب الكراهية بناء على هذا المفهوم وانتقاص حقوق المُختلف بالنوع الجندري او حتى طرح مفاهيم أكثر تطرفاً بناء على هذا الاختلاف.

– عوامل أيديولوجية متطرفة، حيث يعتبر الفرد الحامل لمثل هذا الخطاب على أسس أيديولوجية أن امنه وازدهاره يرتبط فقط بتحقيق النموذج الأيديولوجي الذي يقدمه ويتيح لنفسه بذلك توظيف التحريض والكراهية على أي نموذج مختلف بهدف انهاؤه والقضاء عليه او تهميشه.

هذه العوامل لا يمكن تجزئتها، أي على سبيل المثال حامل خطاب الكراهية من منطلق قومي هو بالضرورة حامل لخطاب الكراهية تجاه ما يخالف مذهبه الديني أو طائفته أو نوعه الجندري وان لم يكن خطاباً معلناً ضد جميع الفئات لكنه يظهر بالسلوكيات الضمنية دوماً ويظهر بخطاب التحريض والكراهية العلني حين وجود تفاضلية مع المُختلف عنه تحت أي بند كان. لا يمكن تجزئة مسببات خطاب الكراهية، أي أن دافع العنصرية اما أن يتواجد أو يغيب لكن يمكننا التمييز بين درجات من تملّك هذا المرض المجتمعي المناقض للوعي الإنساني للفرد او للمجموعة. كما يجدر التنويه أن السلوكيات التي تعبّر عن خطاب الكراهية من اقصاء وزرع الفتنة وتحريض الافراد على بعضهم البعض بدءاً من أحد العوامل السابقة لا تقل سوءاً حتى وان لم تترافق بخطاب معلن بل بازدواجية بين الخطاب الفعل.

هذه العوامل لا تؤدي جميعها الى العبور من الفكر الكاره للآخر الى الفعل الذي يترجمه، بغض النظر عن درجة خطورته، بدءاً من الاقصاء والتحريض وصولاً الى العنف او الابادة وقد يكون أكثرها خطورة هي العوامل المرتبطة بمرجعيات دينية أو أيديولوجية بحكم أنها قد تشكل دافعاً حقيقياً لإنهاء حياة الآخر المُختلف.

أما محاربة هذا الخطاب، على مختلف مرتكزاته فيتطلب أسس صلبة تقوم على عوامل كثيرة تطبق باستمرار ودون انقطاع ومنها:

– بناء الوعي المبكر، الذي يجب ايراده بالمناهج الدراسية لإنشاء أجيال سليمة فكرياً

– الحفاظ على التنوع بأطر تواجد مشترك وفق أسس قوانين صلبة ناظمة للحياة لضمان عدم انحراف المجتمع نحو الانغلاق والتشدد.

– تحقيق المساواة والعدالة وتفادي وقوع الظلم على أي شريحة من شرائح المجتمع.

– تحييد العنصريين وحاملي فكر ومنهج الكراهية والابادة عن مواقع السلطة والتأثير.

– مُحاربة الجهل والتجهيل المتعمد، فالعلم والموضوعية يحصّن الافراد من الانجراف السهل في أي توجه متطرف

– التمسك بصلابة بالقانون وبتطبيقه وبالتوعية بأهميته وبحيادية الإطار العام للحياة المشتركة بين المجموعات

ختاماً يجدر الإشارة الى أن مسؤولية التصدي لخطاب ولسلوكيات الكراهية هي مسؤولية تضاهي درء الجريمة المُسبق وهو واجب كل من عقل وكل من يعمل على نهوض الإنسانية من جهة وبلاده ومجتمعه من جهة ثانية.

مساهمة د.سميرة مبيض  في مبادرة “معاً في مواجهة خطاب الكراهية”, التي أطلقها اللقاء الوطني الديمقراطي وتمّ نشرها في صحيفة نينار برس بالاتفاق مع د.سميرة مبيض.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني