fbpx

خطاب الكراهية ام خطاب السياسة؟

0 336

خطاب الكراهية هو تعبير شفوي، أو مكتوب، ينطوي على رأي سلبي حيال فئة ما، وقد يكون موجّهاً ضدّ فرد، على محمل تمثيله لجماعة ما، ويستهدف خطاب الكراهية عِرقاً بعينه، أو جنساً، أو ميولاً جنسية، أو جنسيّات، أو مجموعات عرقية أو دينية، وبالمجمل؛ يمكن أن تكون أيّة فئة عُرضة لخطاب الكراهية، ولخطاب الكراهية سمات رئيسة بوسع المتلقي معرفته من خلالها، من بينها: الوصم، والتنميط، والتحريض، والتجييش، والقدح، والذم.**

السياسة بوصفها منتج لخطاب الكراهية. غياب العدالة والحريات والمحاسبة.

لسنا بوارد العودة للتاريخ في منطقة مشحونة بتاريخ لم تعهده المناطق الاخرى. منها نشأت الاديان، ومنها تشكلت امبراطوريات عبر التاريخ، وايضا احتلتها امبراطوريات من خارجها. لاتزال حتى اللحظة محتلة. وان اختلف شكل الاحتلال ووسائله. لهذا من الواضح في هذا الزمن الاحتلالي المعاصر، ان السياسة هي التي تتحكم بخطاب الكراهية. السياسة المبنية على مصالح طبقية دولية واقليمية ومحلية، مصالح احتلالية ونفوذ.

تنميط الكردي على انه انفصالي او تنميط العربي على انه داعشي. مثال يمكننا النظر اليه وفقا للتجاذبات السياسية، والتي انتجتها قوى احتلالية. بدون ان نفهم اللوحة السياسية هذه لا يمكننا الحديث عن خطاب كراهية بوصفه موضوع مجرد. او عند بعضنا كأنه مكرس جينيا في انسان هذه المنطقة. هذه مغالطة يرفضها العلم وترفضها المعرفة الموضوعية لتاريخ الانسان عامة.

السؤال هل تتحمل جهة سياسية محددة كل هذا الكم من خطاب الكراهية؟

السياسة بوصفها احيانا منتج كراهية. النظام الاسدي الاحتلالي مثالا. كل الانظمة الديكتاتورية هي منتج كراهية. تعيش على العداء لشعبها.

لو عدنا بالتاريخ الى ما قبل الثورة السورية أي قبل عقد او عقدين من الزمن، ازعم ان 70% من الشعب السوري لا يعرف ان هنالك قضية كردية في سورية. رغم انه يعرف ان هنالك كرد في سورية. ويتشارك معهم وفقا للمعطى التاريخي: نظام بعثي اسدي حاقد. كانت من اولوياته ترسيخ الكراهية لأسباب نعرفها جميعا وهي مصلحة الديكتاتور.

هنالك تراتبية احتلالية مخيفة واجهتها سورية بعد الثورة. خمس دول او أكثر كبرى وصغرى. روسيا امريكا إيران تركيا واحتلال الاسد، وتدخلات دول اخرى بكل الوسائل المتاحة لها في البلد. وكل من هذه الاحتلالات والتدخلات استطاع خرق البنية المجتمعية السورية، ووجد حامل مجتمعي له. ليس مهما الآن التطرق لأسباب هذه الظاهرة. هذه البنية المجتمعية انتجها نظام الاسد. خمسة عقود من الاحتلال الاسدي، حاولت خلالها صياغة هذه البنية المجتمعية على مقاسها. كما يفعل أي ديكتاتور. الخرق بدأ لهذه البنية منذ اللحظة الاولى للاسدية. قبلها مرت سنوات قليلة كان البعث منتج معايير الحكم على وطنية الفرد من عدمها. وفعلها الاسد بطريقة مركبة: طائفية على قومجية شوفينية وقمعا معمما لكل من يخالف.

اللاشرعية واللامشروعية تولد ثنائيات لفظية الغاية منها اضفاء هذه الشرعية والمشروعية على تواجده اللاشرعي هذا، انا أو انت، نحن الحق وانت الباطل، انت ارهابي وانا مكافح للارهاب. انت تركي وانت اسدي. ثنائيات سياسية تحاول ان تؤسس لقطائع كراهية بين السوريين.

انتهاء خطاب الكراهية لا يمكن ان يتم الا بانتهاء السياسة الحاملة له. وليس بانتهاء البشر المقتنعين به لاسباب عديدة.

من يراقب بحيادية نسبية، لغة المستوى السياسي والثقافي السوري، يجد لغة تخوينية صارمة. لا فسحة فيها للمختلف. هذا مفهوم في حالتنا ومفسر لكنه غير مبرر. العقدة تكمن في نظام الاسد. وبقية الاحتلالات هي تشعبات هذه العقدة. نظام الاسد بحكم تكوينه منذ خمسين عاما، هو مشروع حرب اهلية دائم. لانه كما هو متعارف عليه اية مصادرة للسياسة هو أساس للعداء. يتحول المجتمع الى طرفين الاول مع السلطة عدو ما تبقى مهما كانت الاسباب. قمع فساد قتل تمييز على الهوية. كلها تنتجها بؤر مصادرة السياسة. الجولاني يصادر السياسة في ادلب والادارة الذاتية تصادر السياسة في مناطق تواجدها. الاساس هو في مصادرة السياسة على مستوى سورية لعقود طويلة من قبل النظام الاسدي. الناظم للعلاقة هو التبعية المطلقة للسلاح للقوة المجردة في غياب القانون. غياب المحاسبة. غياب المعيار السياسي في الحكم. بل تأكيد المعيار الشخصي والهوياتي، في الحكم على البشر. على هذا الاساس توصلت البشرية عبر تجربتها التاريخية الى ما يعرف باسم دولة القانون والحريات والنظام الديمقراطي. بدون هذا الاساس الموضوعي ستبقى السياسة مصادرة لسلاح قوى الاحتلال وعلى راسها الاحتلال الاسدي. لهذا كانت الثورات في العالم الشرق اوسطي. لأنه عالم لايزال يعيش في عصر الديكتاتوريات المحمولة على قوى خارجية. الديمقراطية بوصفها بنية تسامحية بالمعنى النسبي للعبارة، ومحمية بدولة القانون. هي التي تحول خطاب الكراهية هذا الى خطاب بين متنافسين في انتخابات.

بدون الديمقراطية ودولة القانون والحريات سنبقى ندور في نفس الحلقة المفرغة من الصرامة التخوينية لان سببها السياسي لايزال قائما هو نظام الاسد والاحتلالات التي تحميه. حيث كل طرف يرى في الطرف الآخر مجرم عام. او خائن عام او ارهابي عام او انفصالي عام. لا تحديد للمسؤول المباشر عن كل ما يجري من جريمة.

مساهمة الأستاذ غسان المفلح  في مبادرة “معاً في مواجهة خطاب الكراهية”, التي أطلقها اللقاء الوطني الديمقراطي وتمّ نشرها في صحيفة نينار برس بالاتفاق مع  الأستاذ  غسان المفلح.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني