fbpx

خذلان الإسرائيليين ترامب، درسٌ للمطبعين

0 764

على الرغم مما قدمه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، للإسرائيليين ولدولة الاحتلال الإسرائيلي من خدماتٍ، لم يقدمها أحدٌ ممن سبقوه في إدارة البيت الأبيض، إلا أن الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة بينت أنه تعرَّض لخذلان المقترعين اليهود الأميركيين ولشماتة الإسرائيليين بخسارته. وتدفع هذه الواقعة للتفكير بمصير العرب الذين طبَّعوا علاقاتهم أخيراً مع الإسرائيليين، والذين أفادت بعض التقارير عن عدم رضى بعض الإسرائيليين واليهود عن التطبيع معهم، بسبب النظرة الدونية التي يرونهم بها. فالعرب بالنسبة لهؤلاء أقل منهم في مجال المعرفة بالديمقراطية وممارستها، إضافة إلى أنهم يعتبرونهم الطرف المستفيد من التطبيع مع كيانهم.

ومن المعروف أنه إضافة إلى تأييده دولة الاحتلال بشكل لافت، كان ترامب قد أحاط نفسه بفريقٍ من أشد المؤيدين لها. حتى أن أحد معلِّقي صحيفة “يسرائيل هيوم” علق، قبل سنتين، على هذا الفريق قائلاً “إنها المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي يحيط فيها رئيس أميركي نفسه بطاقمٍ متعاطفٍ مع إسرائيل إلى الدرجة التي يبديها الطاقم الذي يحيط بترامب”. وهو الفريق المكون من مستشار الرئيس ونائب الرئيس ووزير الخارجية والمبعوث الأميركي للمنطقة ومستشار الأمن القومي وسفير واشنطن في تل أبيب. وظهر تأييده اللافت لها من خلال اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقله سفارة بلاده إليها، واعترافه بضمها الجولان السوري المحتل، وإعلانه صفقة القرن التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية، علاوة على دعمها وإضعاف خصومها، وإجباره من كانوا يصنفون أعداءها من الدول العربية على التطبيع معها.

أما خذلان الإسرائيليين ترامب فأبرزته صحف إسرائيلية كانت قد قالت، عشية الانتخابات، إن ترامب يشعر بخيبة أمل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وذلك لأن الأخير لم يعلن صراحةً عن مرشحه للرئاسة الأميركية، بل فضَّل الابتعاد عن الخوض في هذا الأمر. كما أنه لم يتجاوب مع ترامب الذي سأله مباشرة عن مرشحه المفضل، حين ردَّ بأنه يفضِّل العمل مع أي رئيسٍ يحرص على السلام في المنطقة. وقد أُبلِغَ الطرف الإسرائيلي بخيبة الأمل هذه، ومع ذلك لم يغيِّر نتنياهو موقفه وينحاز لـ ترامب. هذا الخذلان الإسرائيلي ترافق مع إحجام يهود أميركا عن التصويت لـ ترامب؛ إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة أميركية، عشية الانتخابات، أن نسبة 77% من اليهود الأميركيين صوَّتوا للرئيس المنتخب، جو بايدن. وأكدت صحيفة معاريف الإسرائيلية هذا الأمر قائلة إن أكثر من 75% منهم أعطوا أصواتهم لـ بايدن.

أما السبب في ذلك فهو ازدياد اهتمام هؤلاء بأمور تتعلق بطريقة تعامل الرئيس مع مكافحة فيروس كورونا، واهتمامهم بقضايا التغيُّر المناخي والتأمين الصحي وحال الاقتصاد التي تعطيها الأولوية على القضايا التي تتعلق بإسرائيل. وهي حقيقة يبدو أن ترامب لا يسلم بها، حين الكلام عن جالية تفضِّل الاندماج بالمجتمع الأميركي وتبني همومه على إشغال اهتمامها بإسرائيل. إضافة إلى أن اندماجهم هذا جذَّر لدى أبنائها احترام مبادئ الديمقراطية التي تميِّز المجتمع الأميركي، ويرون أن ترامب عمل على تقويضها. أما من ناحية اتفاقات التطبيع التي فرضها ترامب فيرى هؤلاء أنها لا تقدم أي خطوة لإنهاء النزاع، ويرون أن دولة الاحتلال يمكنها عقد اتفاقات مماثلة عند تقديم مبادرة سلام تضع حداً للنزاع فتضمن أمن هذه الدولة واستمرار وجودها.

يدفعنا هذا الأمر في التفكُّر في حقيقة النظرة الإسرائيلية للدول العربية التي تقيم مع الكيان الإسرائيلي علاقات دبلوماسية، أو تلك التي هرعت أخيراً لتطبيع علاقاتها معه، على الرغم من أن شيئاً من موانع التطبيع لم ينتفِ فبقي الإسرائيليون على تعنُّتهم تجاه استمرار حرمانهم الشعب الفلسطيني في تحقيق مصيره في دولة مستقلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وإعادة الأراضي العربية التي يحتلها الكيان إلى أصحابها. وعلى عكس رؤية يهود أمريكا الذين يرون أن التطبيع يجب أن يكون سبيلاً لإنهاء النزاع، رأى نتنياهو أن التطبيع هو اتفاقية “سلام مقابل السلام”، وصرَّح بذلك علناً من أجل أن يبتر قول المطبعين الذين روجوا أنه ثمن لوقف صفقة القرن أو وقف الاستيطان. لذلك لن يكون مفرملاً لمشروعات الإسرائيليين الاستيطانية أو قرارات ضم الأراضي الفلسطينية وتهويدها، أي ليس هنالك أية مكاسب يحققها المطبِّعون ومن خلفهم الفلسطينيين كثمرات لتلك الاتفاقات. 

وإن كان التطبيع يقرِّب الأنظمة العربية من الإدارة الأميركية ويُكسبها رضى هذه الإدارة ويجنبها شرور دولة الاحتلال، فهو سيبعد هذه الأنظمة أكثر فأكثر عن شعوبها ويخلق بينهما فرقةً وفجوةً، تتكلل بتحركاتٍ، ما كان يمكن أن تكون نتيجتها سوى خلع هذه الأنظمة، لو كانت الدول التي تحكمها ديمقراطية ويتاح فيها للشعوب التعبير عن رأيها وتحقيق مصائرها بنفسها. ومع ذلك، وعلى الرغم من القمع الذي تُقاد به هذه الشعوب، ستكبر هذه الفرقة وتزداد تلك الفجوة مع تكرُّس التطبيع أكثر عبر اتفاقات تجارية وغيرها من الاتفاقات المتبادلة، حين ترى تلك الشعوب القتلة الإسرائيليين يتجولون بحرية بينهم. فعلى سبيل المثال، أشار أحد استطلاعات الرأي إلى أن أكثر من 88% من أبناء المغرب يرفضون العلاقات الدبلوماسية مع الإسرائيليين. وليس معلوماً الشكل الذي سيأخذه انعكاس هذا الرفض على الداخل المغربي.

أما من حيث المزايا المنتظرة، فمثال مصر والأردن والكلام الذي ساد الأوساط الحكومية عن الازدهار الذي سينعكس عليهما جراء التطبيع، ذهب كله أدراج الرياح، ولم يُغير من حال الأردن الاقتصادية، ولم يمنع التردي المخيف الذي يعانيه الاقتصاد المصري. كذلك لم يُوفِّر للأردن، على سبيل المثال، الوصاية الفعلية على المقدسات فلم يُمَكِّنه من منع تهويد القدس أو يكسبه القدرة على رفض الاستيطان في الضفة الغربية أو منعه. كما أن إقامة مصر العلاقات مع المحتلين من عشرات السنين، لم يمنع وقوف الإسرائيليين إلى جانب أثيوبيا ودعم موقفها في ملف النزاع حول سد النهضة، على حساب موقف مصر. 

وسيتكرر هذا الأمر مع الدول المطبعة أخيراً، فهي لن تخرج خارج دائرة النظرة الإسرائيلية التي تراها دولاً عدوة، لا أصدقاء أو حلفاء كما يظنون هم. ومن هنا لا يستبعد أن يكون التطبيع فرصة للإسرائيليين لتقويض أنظمة في الخليج، وإضعافها من أجل سرقة البريق الذي يميزها، والجاذبية التي تتمتع بها تجاه رؤوس الأموال التي ترى ضالتها في التوظيف فيها. وإن كانت هذه الأنظمة قد استعانت ببرامج تجسُّس إسرائيلية لتعقب المعارضين وغيرهم ممن ترى أنهم يشكلون خطراً عليها، لا يستبعد أن يصبح المستخدمون موضوعاً لتجسُّس الإسرائيليين عبر هذه البرامج. وبذلك يكونون قد دفعوا ثمن برامج تتجسَّس عليهم وتكشف ضعفهم، في حين أنهم ظنوا أنهم اشتروها لإكساب أنفسهم قوة، قوةٌ سيبقى الإسرائيليون عائقاً أمام إتاحتها لهم.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني