حول أهداف اللجنة الدستورية، وطبيعة الحل السياسي الأممي، للصراع على سوريا!!
الجزء 3
في ضوء ما تقتضيه مصلحة النضال الديمقراطي الوطني السوري، من المفيد التذكير بحقيقة أن جوهر الصراع السياسي الذي تفجر في سوريا، والمنطقة، في أعقاب حراك الربيع الإقليمي/السوري، في مطلع 2011، (وما يزال، وسيبقى، حتى تحقيق أهداف مشروعه التاريخي)، هو بين خندق قوى وأهداف مشروع التغيير الديمقراطي، من جهة، وبين تحالف واسع لقوى الثورة المضادة، حيث تقاطعت مصالح الجميع، بين أهداف مشاريعها الخاصة للسيطرة على المنطقة، ومنع تحقق أهداف المشروع الديمقراطي وقطع مساراته، بجميع الوسائل والأدوات![1] [2].
المؤسف هو فشل القوى والرموز التي ركبت موجات حراك الشعوب، وتبنت أهداف التغيير في إدراك طبيعة تبادل الأدوار، وأهداف المناورات، وأساليب الخداع والكذب، التي استخدمها الجميع مبكراً، وعلى رأسهم أوباما ووزيرة خارجيته المصون، السيدة كلينتون، لتحقيق هدف استراتيجي مشترك، شكل الهدف رقم 1 على قائمة أجندات الولايات المتحدة الأمريكية منذ إسقاط حكومة مصدق الديمقراطية في ايران 1953.
ليس خارج هذا السياق، يمكن فهم أسباب ما اعتقده بعضهم أن إطلاق واشنطن، لمسار أممي لإيجاد حل سياسي، في أعقاب تفشيل روسيا لخطة السلام العربية/التركية في مجلس الأمن، 4/2/2012، شكل ردة فعل، وتعبياًر عن جهود صادقة، عملية، متكاملة، لفرض نجاح أهداف خطة سلام أممية، تقودها واشنطن تحت مظلة الأمم المتحدة!
خلافاً لتلك التوقعات الوردية، تؤكد التطورات التالية لإطلاق مسار جنيف عدم وجود مصلحة للولايات المتحدة أولاً، ولروسيا ثانياً، في مسار حل سياسي واقعي للصراع، يبدأ بوقف شامل لإطلاق النار، ويسير على خارطة طريق انتقال سياسي!
تأكيداً لما وصلت إليه من استنتاج أساسي، حول تقاطع مصالح وسياسات واشنطن مع خصومها في المحور الروسي، في تفشيل خطط السلام، ومساراته، وتوفير أسباب البديل العسكري، بأدواته الطائفية، الميليشياوية، أحاول التركيز على ثلاث محطات أساسية، كان لانحياز واشنطن الحقيقي (لو توفرت المصالح، وتقاطعت السياسات، بالطبع) لجهود الحل السياسي، كلمة الفصل في قطع مسار الخيار العسكري، وتغيير مآلات الصراع:
المحطة الأولى: على الصعيد الداخلي/الوطني
تفشيل مؤتمر اللقاء الوطني التشاوري، الذي انعقد في 10 تموز 2011، الذي كان هدفه المُعلن، كما أكد رئيسه، السيد فاروق الشرع، الإعداد لمؤتمر وطني شامل، يمكن فيه الانتقال بسوريا إلى دولة يحظى فيها جميع المواطنين بالمساواة ويشاركون في صياغة مستقبل بلدهم!.
ورغم اعتراف السيد الشرع، نائب الرئيس، بأن اللقاء التشاوري ينطلق في أجواء من الشك والقلق والريبة، وإن التظاهر غير المرخص ينتج عنه عنف غير مبرر؛
وتأكيد المُفَكر السوري، الراحل، الدكتور الطيب تيزيني، على أن إيقاف إطلاق النار على المحتجين، من مقومات نجاح الحوار الوطني؛ وأنه لن يمثل سوى محاولة من النظام للاستمرار في الهيمنة على السلطة، إذا لم يترافق بوقف إطلاق النار.
على الرغم من هذه الأجواء غير المشجعة، فقد بحث اللقاء إمكانية إدخال نظام التعددية الحزبية في سوريا، وتعديل المادة الثامنة من الدستور، وعدم استبعاد وضع دستور جديد للبلاد، إضافة إلى مناقشة مشاريع الأحزاب وقانون الانتخابات وقانون الإعلام. لقد شكل انعقاد المؤتمر فرصة حقيقية، لو صدقت النوايا، وتحققت المصالح، لخروج سوريا عن سكة المسار العسكري/الطائفي، التي أوصلت البلاد إلى حالة التدمير، والاحتلال.[3]
المحطة الثانية: على الصعيد الإقليمي
تجسدت بوضوح في تفشيل خطة السلام العربية 2، التي دفعت بها المجموعة العربية داخل الجامعة بتأييد من تركيا إلى مجلس الأمن. لقد تضمنت الخطة، التي أفشلها فيتو روسي/صيني في شباط 2012؛ (لم يجد في مواجهته سوى موقف أمريكي معارض، منتقد بشدة، وجد فيه ذريعة لتحميل الروس المسؤولية، ويافطة لتغطية حقيقة توافق المصالح في تفشيله!)؛ آليات عملية، وفعالة لفرض وقف إطلاق نار شامل، يستحيل أن يبدأ أي مسار سياسي دون تحقيقه، وخطوات الانتقال السياسي، وطبيعة هيئة الحكم الانتقالية، وما تتضمنه المرحلة الانتقالية من إجراءات وخطوات دستورية.[4]
المحطة الثالثة: على الصعيد الأممي
بعد تفشيل خطة السلام الإقليمية في 4 شباط 2012، استدعت واشنطن الدبلوماسي المخضرم، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، الراحل كوفي أنان، ونسقت جهود تكليفه بإطلاق مسار سلام جديد، بديل، بالتعاون مع روسيا وبعض انظمة المنطقة، مدعية حرصها على إعطاء جهود الحل السياسي فرصة جديدة، قابلة للتحقق، بما تحوز عليه من دعم دولي، إقليمي، وجهد مشترك.
إذا كانت القاعدة الاساسية، والمرجعية القانونية والسياسية، التي يقوم عليها مسار جنيف، في جميع محطاته اللاحقة، هي خطة كوفي أنان، التي صاغ نقاطها الست، كمبعوث مشترك للمجلس والجامعة العربية، فمن الطبيعي أن نجد في صياغتها، وظروف إطلاقها، الدليل القاطع على مسعى أمريكي/روسي لتفشيل محطة أخرى في مسار الحل السياسي، وبما يوفر عملياً ظروف نجاح الخيار العسكري الطائفي الميليشياوي البديل!.
في الحيثيات، تبرز موافقة واشنطن، وحرصها أن تأخذ آليات عمل الخطة الجديدة بعين الاعتبار هواجس موسكو، التي طالما اتهمت واشنطن بسعيها لتغيير سلطة النظام السوري، فكان من منطق العمل المشترك، وفي محاولة لإيجاد مخرج دبلوماسي، يحظى بموافقة الجميع، ويتجنب فيتو روسي، موافقة واشنطن عملياً، (بالطبع ليس خضوعاً، بل لتوافق في الأجندات، مع ادعاء العكس)، على أن تأخذ بنود الخطة بعين الاعتبار مصالح وأولويات السياسات الروسية، التي كانت وما تزال، ترفض حدوث انتقال سياسي، بأي ثمن، فكانت النتيجة التوافق على مفردات وآليات صياغة بنود خطة؛ غير قابلة للحياة؛ تمخض عنها؛ في عموميتها، وقابليتها للتأويل وفقاً لوجهات نظر متناقضة، وافتقادها لآليات التنفيذ؛ خطة سلام غير قابلة للتنفيذ؛ بما يفضح حقيقة الأهداف الروسية/الأمريكية من المسار، وتقاطع مصالح وسياسات الدولتين في إفشاله!
أعتقد أن السياق التاريخي الذي ولدت فيه خطة النقاط الست؛ خاصة على خلفية فشل مجلس الأمن بالموافقة على خطة مشتركة للمجلس والجامعة، تضمنت بند نقل السلطة إلى نائب الرئيس، السيد فاروق الشرع، كأهم خطوة في خارطة طريق انتقال سياسي؛ يدلل على مصلحة، وحرص روسي/أمريكي مشترك على إطلاق لعبة سياسية، تتناقض في الآليات، والنتائج، ليتم بها تعويم القضية الأساسية في أي حل سياسي قابل للحياة؛ قضية فرض شروط وقف إطلاق النار، وانتقال سياسي، لسلطة جديدة، كاملة الصلاحيات!
[1]– صاغ هذه الفكرة بلغة واضحة الأستاذ عطية مسوح، (في ندوة خاصة، بعنون الثقافة اليسارية في المرحلة الراهنة، دمشق 30/10/2021 محدداً طبيعة الصراع الجوهري، وقوى التغيير الديمقراطي، في هذه المرحلة التاريخية، المستمرة طيلة حقبة ما بعد الاستقلال السياسي. في بلادنا، وفي الدول العربية كلها، يمكن تحديد المشكلة الرئيسة التي تتفرع منها المشكلات الأخرى، بأنها غياب أو شبه غياب دولة المؤسسات. وهذا يعني أن المهمة التغييرية الكبرى التي تؤكد يسارية المثقف والمفكر والحزب أو التيار السياسي هي النضال لبناء دولة المؤسسات، الدولة الديمقراطية العلمانية الحديثة.
حول هذه المهمة يمكن أن تلتقي قوى سياسية عديدة وشخصيات فكرية وثقافية فاعلة، وهؤلاء هم يسار المرحلة، سواء أكانوا اشتراكيين أم قوميين أم ليبراليين. وحين نعطي هذه المهمة الصدارة والأوليّة، فلأن أم المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي غياب دولة المؤسسات أو ضعفها.
[2]– إضافة لما أتى في توضيح الأستاذ عطية مسوح، حول طبيعة الصراع، وقوى التغيير الديمقراطي، من المهم، والضروري، تحديد طبيعة العدو، قوى الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي.
ضمن هذا الإطار، أعتقد، يستحق مفهوم حلف الاستبداد، الذي طورتُ أفكاره في دراسات سابقة، كل الاهتمام:
“حلف الاستبداد هو تحالف موضوعي، وسياسي، ضم سلطات أنظمة الاستبداد المحلية والإقليمية، ومشاركة فعالة متعدد الأشكال، السياسية والعسكرية، من قبل مراكز النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالية، الديمقراطية والاستبدادية، على حد سواء، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وروسيا، تقاطعت؛ في مواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية شاملة، جعلت من تحققها إمكانية موضوعية تمردات شعوب المنطقة، خلال ربيع 2011؛ جهود جميع القوى والسلطات والحكومات، حول هدف استراتيجي مشترك، طالما شكل الهم الأساسي على جدول سياسات الولايات المتحدة وروسيا طوال عقود، وشكل الثابت الوحيد في الاستراتيجيات الأمريكية والروسية، رغم شتى أشكال المتحولات، قطع سبل التغيير الديمقراطي لشعوب المنطقة، كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنع إسقاط أركان نظم الاستبداد المحلية والإقليمية، بما يُحافظ على ركائز، وأدوات شباك النهب والسيطرة التشاركية بين سلطات أنظمة حلقات النظام الرأسمالي العالمي،، الطرفية والمركزية، التي نجحت الولايات المتحدة وروسيا في بنائها خلال حقبة الحرب الباردة.
[3]– قد يحتج بعضهم، وهو على حق ظاهرياً، على أن مَن أفشل الحوار وما قد ينتج عنه من سبل لإيجاد حل سياسي، في وقت مبكر، هو سلطة النظام، وهي وحدها تتحمل المسؤولية!
مما لاشك فيه بتحملها المسؤولية الأولى، لكن التوقف هنا، لا يوضح جميع جوانب المشهد السياسي، ويبقي التحليل في مستوى واحد.
رداً على هذا المنطق القاصر، العاجز عن رؤية واقع أن الصراع السياسي لم يكن فقط سوري/سوري، ولم تكن قرارات مآلاته، وما يترتب عليها من نتائج، تقتصر على سلطة النظام، من المفيد التذكير ببعض ما أكد عليه السيد حسن نصر الله في مقابلة خاصة مع غسان بن جدو، حول وجود تنسيق شامل مع قيادة محور المقاومة، في طهران وبيروت ودمشق، حول أفضل السبل والادوات لوقف حراك السوريين، خوفاً من ركوب التظاهرات من قبل أطراف المؤامرة الكونية الساعين لإضعاف محور المقاومة، وقطع حلقته السورية! يبين نهج وضع الحدث السوري في سياقه التاريخي، الإقليمي والإمبريالي، وفي رؤية لطبيعة المصالح التي تربط جميع أطراف قوى حلف الاستبداد، استحالة أن تقوم إيران بدور خاص لمنع حدوث تحول سياسي، دون تقاطع هدفها، وسلطة النظام، من جهة، مع مصالح تحالف واسع، تأتي واشنطن في مقدمته!
[4]– خطة السلام العربية 2: تشكل مشروع حل سياسي سلمي متكامل، يتضمن النقاط التالية:
1- تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال شهرين، تشارك فيها السلطة والمعارضة برئاسة شخصية متفق عليها، تكون مهمتها تطبيق بنود خطة الجامعة العربية والإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية تعددية حرة بموجب قانون ينص على إجراءاتها وبإشراف عربي ودولي.
2- تفويض رئيس الجمهورية نائبه الأول، بصلاحيات كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة الوحدة الوطنية، لتمكينها من أداء واجباتها في المرحلة الانتقالية.
3- إعلان حكومة الوحدة الوطنية حال تشكيلها أن هدفها هو إقامة نظام سياسي ديموقراطي تعددي يتساوى فيه المواطنون بغض النظر عن انتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم ويتم تداول السلطة فيه بشكل سلمي.
4- قيام حكومة الوحدة الوطنية على إعادة الأمن والاستقرار في البلاد وإعادة تنظيم أجهزة الشرطة.
5- إنشاء هيئة مستقلة مفوضة للتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون والبت فيها وإنصاف الضحايا.
6- قيام حكومة الوحدة الوطنية بالإعداد لإجراء انتخابات لجمعية تأسيسية، على أن تكون شفافة ونزيهة برقابة عربية ودولية خلال ثلاثة أشهر من تشكيلها وتتولى هذه الجمعية إعداد مشروع دستور جديد للبلاد يتم إقراره عبر استفتاء شعبي وإعداد قانون انتخابات على أساس هذا الدستور.