fbpx

حق العودة

0 367

هو بالطبع مصطلح فلسطيني بامتياز، وهر يرتبط بنضال المجتمع الفلسطيني الذي يحمل مفاتيح بيته في جيبه ويرحل به من بلد إلى بلد وهو يتمسك بحق العودة.

ولكن هذا اللوغو الفلسطيني أصبح الآن شأناً عربياً أكثر إلحاحاً، يرفعه اليمني والعراقي والليبي والسوري والسوداني ويخلق ما لا تعلمون.

والسوري أيضاً بات أكثرهم حديثاً عن حق العودة، حيث بات يمارس رقصة القهر إياها ومعه مفاتيح بيته وأوراق الطابو وتوقيع المختار وقرارات مجلس الأمن، ووعود الجامعة العربية بعودة اللاجئين وحل المأساة السورية.

ولم أكن أتوقع أن أتحدث يوماً عن حق السوري في العودة، حيث باتت أمنية ملايين اللاجئين في الشتات السوري الرهيب، وبات الحديث عن الوطن المفقود أشد الأحاديث إيلاماً وقهراً.

واللاجؤون السوريون… ما أقساها على فمي وعلى قلمي، فهي حديث جد غريب عن السوري المزهر بتاريخه وأرضه، فسوريا في التاريخ حاضنة ضامنة وليست طادرة طافشة، وفي تاريخ الحروب كانت الشام ملاذاً وحصناً لكل معذبي الحروب ومنهكي الصراعات، فقد استقبلت دمشق موجات كبيرة من المقادسة والمغاربة والجزائريين والعراقيين والمصريين، وفي دمشق حي كبير على جبين قاسيون اسمه حي المهاجرين فيه حارات للشركس وأخرى للأرمن وثالثة للبخاريين والأوزبك وأخرى للأتراك والبوشناق والأرناؤوط والأباظة، ويمكنك أن تجد نسيجاً من كل أمة وقعت عليها النكبات، حيث كان الحائر في بلاد الله يحمل عصاه على عاتقه، ويقول أولها شام وآخرها شام، والشام فسطاط الناس يوم الملحمة الكبرى في أرض يقال لها دمشق في غوطتها.. هي خير بلاد الله أمناً وأكثرها سمناً وعسلاً.

والقهر في حق العودة السوري أشد من القهر في حق العودة الفلسطيني، حيث يواجه الفلسطيني محتلاً من جنس آخر، جاءت به مليارات الصهيونية العالمية ليستوطن بدل أصحاب الأرض ويخلف فيها أولاداً وأحفاداً، ويعلن نفسه عدواً غريباً يفرض صراعه معك على قاعدة صراع الوجود لا صراع الحدود، بحيث تكون الصيغة أنا أو أنت، حيث لا مكان يجمع المحتل والمحتل، ولا لقاء إلا بالبندقية والحنجر، فيما يبدو حق العودة السوري أكثر قهراً وأشد غموضاً، فالمحتل هنا ليس أجنبياً وافداً باطشاً بل هو ابن الأرض وابن البلد ولكنه يغلق منافذ البلد على من يشاء بما يشاء، ثم يقرر أن البلد يحتاج إلى وعي منسجم، وهذا الانسجام ينطلق من قاعدة لويس الرابع عشر أنا الوطن والوطن أنا!! والانسجام يجب أن يكون فينا معاً ولا يمكن للوطنية أن تتجاوز هذا السقف المشؤوم.

نعم نقوم اليوم بتأسيس جمعيات حق العودة على النسق الفلسطيني المستمر منذ سبعين عاماً، ونستخدم المفاتيح ذاتها والطابو الأخضر وتوقيع المختار وقرارات مجلس الأمن.

العودة التي ننشدها تشبه العودة الفلسطينية في قهرها وآلامها أوجاعها وشرادها وأحزانها، ولكنها تختلف في نقاط جوهرية:

  • العودة هنا ليست قائمة على مبدأ أنا أو أنت!! بل هي قائمة على منطق أنا وأنت، فنحن شركاء في هذا الوطن المنكوب.
  • العودة التي ننشدها هي إرادة بناء وأمل، وليست دعوة انتقام وتصفيات حساب، وإنهاء مرحلة الحرب والدخول في مرحلة السلام.
  • العودة هنا ليست محكمة عدالة، تحدد الغالب والمغلوب والمنتصر والمهزوم، فالجميع خاسر ولا رابح في هذه الحرب الأليمة.
  • العودة هنا ليست عقد مساواة بين الضحية والجلاد، فلنعترف أنناً جميعاً ضحايا وجميعنا جلادون، لقد كانت عشر سنوات من الأخطاء والخطايا.. لا يمكن أن نعبرها إلى على مراكب الغفران.
  • العودة لبناء هذا الوطن المنكوب تبدأ من لحظة الغفران وليس من لحظة الانتقام، وتتواصل من لحظة الحقيقة والاعتراف وليس من لحظة التنمر والاصطفاف.

هذا المقال دعوة لإطلاق مبادرات العودة، فالسوري هو أولى الناس بوجع بلاده، ولن يعود الاسستثمار الهارب إلى سوريا، من شركات وهيئات ومبادرات حتى يجد السوري الهارب في بلاده ملجأ ومآباً.

المبادرات تتوالى ومن حق كل أحد وواجبه أن يتقدم بحلول ممكنة، فهذا الوطن المعذب لم يعد يحتمل مزيداً من التجارب والمراهنات، فالإنسان الذي دفع أقسى الأثمان في ظروف الحرب الأليمة، وعانى من الموت والقصف والقهر والعذاب، وذرع الأرض برحلاته الخائبة في جهات الدنيا الأربع ينتظر اليوم ساعة الحقيقة بعد أن تعلم أقسى دروس الدهر وأشدها مرارة وقهراً.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني