fbpx

حظرٌ يراد به باطل..

0 182

هي الكورونا، الشغل الشاغل، حديث الساعة وكل ساعة، أوقفت عجلة الحياة، وباتت شماعة يعلق عليها كل تراجع سياسي، اقتصادي، اجتماعي في يومنا هذا، وتتخذه الكثير من الأنظمة وسيلة ضبط لتحركات مناوئيها مداً وجزراً بحسب الحاجة، وحين تود التدخل في السوق والتحكم به، ويبدو هذا جلياً شمال شرق سوريا حيث تتولى الإدارة الذاتية إدارة المنطقة وتدير الدفة بحسب سياساتها وحاجاتها ورغباتها. .

فمنذ الإعلان العالمي عن ظهوره الفيروس وانتشاره، توالت الإجراءات وقرارات الحظر والفك، حيث قامت بفرض حظر للتجول عدة مرات كان أولها في 23 آذار، ووضع القادمين إلى المنطقة في الحجر الصحي لمدة أربعة عشر يوماً، وإغلاق المعابر مع العراق وإقليم كردستان العراق، تلاها حظر تام بتاريخ 29 تموز لمدة أسبوعين، ثم حظر آخر من تاريخ 6 آب ولغاية 20 آب الجاري، استثني منه محلات بيع الخضار والأغذية، والعيادات الطبية، والصيدليات، والخروج لا يكون إلا للضرورة القصوى، كما أصدرت قراراً بفرض غرامة مالية تقدر بـ 1000 ليرة سورية على كل من يخرج دون ارتداء الكمامة.

ثم ما لبثت أن أعلنت افتتاح المدارس والأسواق مع ضرورة الالتزام بالإجراءات والتدابير الوقائية، لكن عدم الالتزام من قبل الأهالي، وعدم الجدية في فرض العقوبات من قبل الإدارة، أدى إلى تفشي الوباء، وازدياد عدد الإصابات بشكل هائل، ما دفع الإدارة لإعلان حظر جزئي يشمل الأسواق الكبرى والصالات يستثنى منها المحلات التجارية الغذائية ومحلات بيع الخضار والمشافي والأطباء، وهي الأخرى تغلق بعد الثالثة عصراً بدءاً من يوم الجمعة 30/10/2020 ولمدة عشرة أيام، وكان مؤخراً حظر كلي آخر حيث

أعلنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بموجب قرار حمل الرقم /198/ فرض حظر كلّي لمدة عشرة أيام على مناطق (الحسكة – القامشلي – الطبقة – الرقة) اعتباراً من يوم الخميس 26 تشرين الثاني ولغاية 5 كانون الأول.

وبيّن الرئيس المشترك لهيئة الصحة جوان مصطفى في حديث له أن قرار الحظر يشمل المدن التالية: مدينتي القامشلي والحسكة في إقليم الجزيرة، ومدينتي الطبقة والرقة، وبيّن أن السبب يعود إلى زيادة عدد حالات الإصابة والوفيات بفيروس كورونا في هذه المدن. واستثناء باقي المناطق من الحظر.

وحول أسباب صدور القرار في هذا الوقت بيّن جوان مصطفى: “قمنا بتحديد مهلة زمنية جيدة ليتمكن الأهالي من تأمين احتياجاتهم ومستلزماتهم اليومية”، وللأسف كانت هذه المهلة قاتلة، ومن أكثر الأسباب لانتشار الفيروس المراد الوقاية منه بقرار الحظر، فقد اكتظت الأسواق والمحال وخاصة الغذائية منها بشكل غير طبيعي، مع عدم الالتزام بارتداء الكمامات، ونفاذ الكثير من المواد الغذائية من الأسواق، والغلاء الفاحش، وتضاعف أسعار المواد الغذائية والأدوية وفقدانها، حتى ذهب الكثير من الأهالي لاعتبار فرض هذا الحظر الكلي جاء بالاتفاق مع التجار الذين جاء فرض الحظر فرصة لهم لاحتكار البضائع وإفراغ مستودعاتهم من المواد الغذائية وبيعها للأهالي بأسعار عالية، أما الفقراء وما أكثرهم وخاصة العمال المياومين مع عدم وجود تعويض بديل لهم خلال فترة الحظر أو التخطيط لإدارة أمورهم وتقديم المساعدات لهم قبل التفكير بقرار فرض الحظر ومعاناتهم لا حدود لها.

ونوه مصطفى إلى أن الأفران وجميع الصيدليات والمؤسسات الخدمية بالإضافة إلى الإعلام مستثناة من قرار الحظر الكلي في المدن المذكورة، وقال: “إن المؤسسات الخدمية والأفران ستواصل عملها خلال الساعات المسموحة ضمن الحظر الجزئي، أما بالنسبة للصيدليات فسيكون الحظر جزئيّاً، كما ستنسق هيئة الصحة مع اتحاد الصيدليات لتنظيم جدول مناوبات”، لكن شهدت أيام الحظر كما سائر الأيام فقدان المواد الأساسية، كالماء والخبز والغاز ما دفع الأهالي للتجمع دون وقاية للحصول على ربطة خبز أو أسطوانة غاز منزلي.

كما ناشد الرئيس المشترك لهيئة الصحة لشمال وشرق سوريا جميع الأهالي الالتزام بقرارات الحظر، وقال: “هناك خطر محدق بالمنطقة، ويزداد الوضع تأزماً، نظراً لازدياد عدد الإصابات بفيروس كورونا، نناشد جميع الأهالي التقيد بالتدابير الاحترازية والقرارات الصادرة”.

لكن هذا الالتزام وملاحقة المخالفين لم يطل إلا الفقراء والمعدومين فقد نشر ناشطون فيديو لطفل يبلغ من العمر 14 عاماً يبيع الذرة المسلوقة ليعيل والده المقعد وإخوته الخمسة تعتقله الأسايش بسبب خرق الحظر واحتجازه وترك عربته وغلته في الشارع ليعود بعد الخروج فيجدها مسروقة وكان من الأجدى أن تقوم الإدارة بتعويضه وتأمين دخل لعائلته وهي المتحكمة بثروات المنطقة، وفي المقابل فقد شهد اليوم الأول من الحظر الكلي مسيرات نظمتها منظمات نسائية تابعة أو متناغمة مع سياسية الإدارة الذاتية، للمطالبة بوقف العنف ضد النساء، تلك الجماهير النسائية المحتشدة في أول أيام الحظر حتى دون كمامات لم يتعرض لها أحد لمخالفة قرار الحظر، كما شهدت أحياء الحي الغربي احتفالات ليلية وتجمعات بمناسبة الذكرى السنوية لميلاد حزب العمال الكردستاني من الموالين له دون أن يتعرض لهم أحد.

إجراءات الحظر وفرضه وملاحقة المخالفين مرهونة بما يتوافق مع الإدارة وسياستها ويكون الكيل بعدة مكاييل.

وفي جولة مصورة لإحدى القنوات التابعة للإدارة في شوارع القامشلي لسؤال الناس وأصحاب المحلات المفتوحة عن المنجز العظيم الذي قامت به الإدارة بفرضها الحظر الكلي، كانت إجابات معظمهم تدور حول عدم جدية الإدارة، وأن الازدحام الذي حدث قبل الحظر كفيل بنقل الفيروس لكل الأهالي، مع الإشارة للغلاء الفاحش لأسعار المواد، حظر استفاد منه التجار لا غير، وأردف أحدهم “أنا عامل مياوم ولا تعويض ولا مساعده، فإن لم نمت بالكورونا سنموت جوعاً”، وعن سؤال الجميع عن عدم ارتداء الكمامة أجاب الجميع أنهم لا يملكون ثمنها وهي بحاجة للتغيير كل عدة ساعات.

فعن أي حظر نتحدث وأي وقاية ترتجي في ظل الغلاء والتقصير ونشر المرض قبل البدء بالحظر منه.

 

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني