حرية الرأي بين الحق والالتزام
يتميز الإنسان عن الكائنات الأخرى بالعقل فهو محور الوجود الإنساني، وظيفة العقل التفكير أو ما يسمى إشغال العقل، بدونه لا نختلف عن بقية الكائنات الأخرى لذلك قيل (أنا أفكر، أنا موجود) فالفكر يحدد الحيز والمكانة للفرد في المجتمع الإنساني، يعبر عن وجوده ومضمونه بالرأي والتعبير عنه.
الفكر الإنساني هو المنتج للحضارات والمعمر للكرة الأرضية، بفضله ننعم بظل تلك الحضارة.
يحتاج العقل مساحة من الحرية ليعمل كما يجب بالشكل الذي تكون عليه، إذ لا يمكن أن يعمل العقل ويفكر في ظل قيود تحد من قدراته أو تشله عن العمل لذلك اعتبرت حرية التفكير والتعبير عن الرأي من المبادئ الأساسية لحقوق الانسان حيث ضمنت المواثيق الدولية والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية هذا الحق. نصت المادة /19/ منه (لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة لكل إنسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حقه في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها).
حرية الرأي والتعبير
هو حق ملازم للشخصية الإنسانية يكتسبها بمجرد كونه إنسان تلازمه مدى الحياة من الولادة حتى الوفاة، ولا تسقط بمرور الزمن ولا يسري عليها التقادم القانوني.
تخص معظم قوانين ودساتير الدول بقواعد قانونية تشرع حق المواطن بالحرية ومنها حرية الرأي والتعبير ويختلف بعضها عن بعض بمدى التزامها باحترام هذا الحق، يكمن ذلك بحرية الإعلام والصحافة بكل أشكالها المكتوبة والمسموعة والمرئية ووسائل التواصل الاجتماعي، لذا نلمس ممارسة حق التعبير عن الرأي بالحرية الممنوحة لدى الإعلام في الدول الديمقراطية التي تحمي وتصون حرية التعبير بينما نجد دولاً أخرى رغم أن تشريعاتها تنص على احترام وتقديس حرية الرأي والتعبير، إلا أن الواقع مغاير لتلك التشريعات بل على العكس تماماً، تناهض وتحارب هذا الحق تحت مسميات عديدة، كما صدر حديثاً في سوريا قانون الجرائم الالكترونية، وقانون الإرهاب، بالإضافة إلى تضمن مواد قانونية بقانون العقوبات العام لتكييف الاتهام وفق مصالحها (وهن عزيمة الأمة) (النيل من هيبة الدولة) تلك التهمة الجاهزة لقمع أي فكر أو رأي مغاير لرأي السلطة رغم أن الدستور يؤكد على احترام حرية الرأي والتعبير مادة /42/ فقرة /2/ (لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية وبالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافةً.). إذاً، إختلاف كبير بين الواقع القائم وبين النصوص القانونية والدستورية المدونة كحبر على ورق لم يبصر النور، كيف لا والمعتقلات تعج بأصحاب الرأي الحر ما أدى لإفراغ الشارع والساحات من ثقافة وفكر ناضج يخدم المجتمع وينمي قدراته ويطوره، فهذا يتعارض مع مصالح أصحاب القرار.
حرية الرأي والتعبير تتضمن الالتزام
كيف نرى ذلك من وجه نظر قانونية: يحترم القانون حرية الرأي ويثمنها ويميز بينها وبين التعدي على حقوق الآخرين عند ممارسة هذه الحرية، فلكل فرد الحرية الكاملة في التفكير والتعبير عن فكره بشتى الوسائل، فله الانتقاد والتحليل والشرح لموضوع ما، دون أن يتضمن ذلك التجريح والإساءة والتنمر والقدح والذم لأي كان، فليس من المنطقي أن أشتم الآخرين وأوجه لهم السباب والشتائم تحت عنوان حرية الرأي، حتى لو كان الآخرون من مرتكبي الجرائم فالقانون صان الكرامة الإنسانية وقدسها وحرم الإساءة لها ومن حيثيات ذلك عدم توجيه أي لفظ أو فعل لمتهم أثناء محاكمته وخلال مدة تنفيذ عقوبته تلك مبادئ وشرائع إنسانية توجب احترام الكينونة الإنسانية، مهما اعتلاها من شوائب وموبقات، لأن الحكم بالعقوبة هي الجزاء للأفعال الإجرامي والإساءة باللفظ والفعل يعتبر من أعمال العنف البعيدة عن الصفة الإنسانية التي يوجب القانون الحفاظ عليها ورعايتها وحمايتها.
نعيش الألم والمرارة تحت وقع حبس الأنفاس وكبتها وقيدها في ظل نظام يلغي الآخر ويقصيه حتى أصبحت ثقافة عامة هي بالأساس متأصلة بعادات وتقاليد وموروث ديني يحد من الفكر والرأي الآخر بإضفاء القداسة على النصوص والأفراد إنه نظام بطريركي ديماغوجي يخنق الفكر ويجمده ليحافظ على مكاسبه.
حاجز الاستبداد السياسي والديني عائق بوجه أي تطور وتقدم إنساني ينبغي إزالتهما ومناهضتهما، بنشر ودعم كل فكر ورأي يخدم البشرية، والانفتاح على الاخر وتقبله كما هو.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”