fbpx

حركة التحرير والبناء.. النأي عن الاقتتال الفصائلي رؤية استراتيجية

0 222

تطورات ما حدث في مدينة الباب، حين قامت قوات الفيلق الثالث بالسيطرة على مقرات فرقة الحمزات، انعكس اجتياحاً عسكرياً نفّذته هيئة تحرير الشام في مناطق غصن الزيتون، التي تتواجد فيها فصائل تنتمي للجيش الوطني السوري التابع لوزارة دفاع الحكومة المؤقتة، ومنها حركة التحرير والبناء.

اجتياح قوات الهيئة لمناطق تابعة لعفرين ظاهرها مساندة لفرقة الحمزات، ولكن جوهرها يكمن في رغبة الجولاني بتوسيع رقعة المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها في محافظة إدلب، وهذا يتناقض جوهرياً مع وجود فصائل الثورة في الشمال السوري المحرر، ويهدّد استقرار حاضنتها الشعبية.

فعلياً، المستهدف الرئيس هي قوات الفيلق الثالث، ولهذا اكتشفت قيادة حركة التحرير والبناء طبيعة الاجتياح وأهدافه ومعوقاته، ووقفت ضده وقاتلت لمنعه، ولكن ضغوطاً تركيّةً على الحركة جعلها تتوقف عن قتال هيئة تحرير الشام، حيث تبيّن أن الانخراط في قتال هيئة تحرير الشام وحلفائها، لا يخدم الأهداف التي تضعها نصب عينيها كحركة عسكرية ذات رؤية سياسية، وهذا ما جعلها تنأى عن اقتتال داخلي، لا يخدم فعلياً قوى الثورة التي وضعت نصب عينيها أهدافاً هي في مواجهة الاستبداد ومواجهة محاولات ميليشيات عابرة للوطنية باقتطاع جزء من سوريا شرقي الفرات.

على الصعيد العسكري، حركة التحرير والبناء لم تدخل في استنزاف قواتها وجهدها العسكري في معركة جانبية لا تخدم رؤيتها الثورية، وهي تعلم أن تركيا لن تسمح بخرق اتفاقات أستانا بينها وبين الروس.

وعلى الصعيد السياسي تُدرك حركة التحرير والبناء أن مناطق غصن الزيتون ممنوعة على هيئة تحرير الشام وفق اتفاقات أستانا بين تركيا وروسيا، وهذا توّضح من خلال الغارات الروسية على أطراف جنديرس، حيث شكّلت هذه الغارات رسالة واضحة للضامن التركي بعدم قبول توسع تنظيم هيئة تحرير الشام المصنّفة بأنها تنظيم إرهابي لدى الروس ولدى التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

إن امتناع قيادة حركة التحرير والبناء عن الانخراط بهذه المعارك جاء على أرضية الضغوط التركية بمنع القتال، وهذا توضّح حين دخلت القوات التركية إلى منطقة كفر جنّة لمنع أي توسع في القتال تقوم به هيئة تحرير الشام، كما توضح بطلب تركيا من هيئة ثائرون بالتدخل لصالح انسحاب قوات هيئة تحرير الشام إلى مواقعها في إدلب، وهذا خدم فعلياً وحدة الفصائل العسكرية المنتمية لوزارة دفاع الحكومة المؤقتة، ما جعل رئيس هذه الحكومة السيد عبد الرحمن مصطفى يقول بما معناه إن إدارة هذه المناطق في قاطع غصن الزيتون تعود إلى حكومته ذاتها، وليس إلى أي طرف آخر.

تصريحات عبد الرحمن مصطفى لم تأت من بنات أفكاره، بل أتت من فهمه لطبيعة هذه المنطقة وتبعيتها الإدارية والعسكرية، ومعرفته بأن الحكومة التركية لن تسمح بخرق اتفاقات أستانا، لأنها ستشكل خطراً على السكان المقيمين فيها، وخطراً على أمنها القومي.

قبول حركة التحرير والبناء بالتهدئة، عزّز الرؤية بضرورة قيام وزارة الدفاع بالعمل الجاد على دمج قوات كل الفصائل فيها في تنظيم عسكري واحد يخضع لقيادة أركان واحدة، وهذا يتيح للحركة إمكانية زيادة تفرغها لتطوير قدراتها عبر خطط الوزارة لملء أي فراغ عسكري قد يحدث قريباً نتيجة لتغيرات ربما تطرأ في مناطقها الأساسية (المحافظات الثلاث دير الزور والرقة والحسكة).

صار بإمكاننا القول إن حركة التحرير والبناء بدت متراصة البنيان عسكرياً وسياسياً وثورياً، ما أبعدها بكل وعي عن الانخراط في معارك جانبية لا تخدم القضية الوطنية الهادفة إلى تحرير سوريا من الاستبداد السياسي ومن الاحتلالات الأجنبية لبلادها، وهذا سيساعد لاحقاً الجيش الوطني السوري في فرض معادلاته على الميليشيات العابرة للوطنية، أو ميليشيات مؤيدة للنظام الاستبدادي وحلفائه من ميلشيات قادمة من خارج حدود البلاد.

إن وزارة دفاع الحكومة المؤقتة معنية بإيجاد صيغة توحيد كل الفصائل المنتمية إليها، بعيداً عن الفصائلية ورؤاها التي صارت غير صالحة في ظل التطورات المستجدة على الصراع السوري نتيجة الصراع بين روسيا والغرب في أوكرانيا.

إن وزارة الدفاع معنية بتشكيل هيئة أركان عسكرية من قيادات الفيالق والفرق المنتمية إليها، وبهذا تتجاوز حدود الفصائلية وتبني جيشاً مهنيّاً مهمته الدفاع عن المناطق المحررة، وأن يكون لهذه الوزارة جهاز شرطة عسكرية واحد مركزي الإدارة وتوجيه سياسي واحد يشتق رؤاه من قيم الثورة السورية وأهدافها العظيمة، التي بذل السوريون في سبيلها مئات آلاف الشهداء من الثوار ومن المدنيين الأبرياء.

إن امتناع حركة التحرير والبناء عن الانخراط بمعارك جانبية أكسبها احترام السوريين وثقتهم بقيادتها، وهذا ينسحب على القوى العسكرية التي رفضت الاقتتال الداخلي وعملت على وقفه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني