حركة التحرير والبناء.. الأهمية الاستراتيجية وضرورة اللحظة الراهنة
لا يجوز الحديث عن اتحادٍ بين فصائل تنتمي لفيلق عسكري واحد، دون معرفة وبيان المشتركات غير العسكرية بين هذه الفصائل المتحدة، وإن إضاءة هذه المشتركات سيعزّز بالضرورة هذا الاتحاد بما يخدم القضية الوطنية السورية، المرتكزة على الخلاص من استبداد النظام الأسدي، ومن دحر مخططات القوى العابرة للوطنية.
إن تشكيل إطار عمل واحد بين أربعة فصائل عسكرية، تنتمي للفيلق الأول التابع للجيش الوطني إنما هو شكل من أشكال ولادة جيش سوريا الجديد، الذي يمتهن الدفاع عن الوطن والشعب السوري.
ولكن، ما هي مستويات هذا الاتحاد؟ أهي فقط عسكرية تتشكل ضمن البوتقة الأكبر (الجيش الوطني)، أم هي تحضير عملي مبني على رؤية استراتيجية، تقول بضرورة أن يكون للمنطقة الشرقية بمحافظاتها الثلاث (دير الزور الرقة الحسكة) جيشها المحلي من أبنائها، والذي سيكون قادراً على تحريرها من الاحتلالات المختلفة، ودحر بقايا نظام أسد منها.
إن القاسم المشترك بين الفصائل الأربعة المتحدة (أحرار الشرقية، جيش الشرقية، الفرقة العشرون، صقور الشام “قطّاع الشمال) هي أنها تنتمي لجغرافية واحدة هي جغرافية الجزيرة والفرات، وبالتالي فاتحاد هذه الفصائل تحت مسمى “حركة التحرير والبناء” لا يوحي ببعدها العسكري فحسب، بل يتعداه إلى مستوى اجتماعي يتعلّق بعملية بناء ما دمرته حرب الأسد وحلفائه على هذه المنطقة.
إن اندماج الفصائل الأربعة ليس مجرد اندماج شكلي لغايات عسكرية أو غير عسكرية مؤقتة، بل هو أنموذج، يجب أن يُحتذى على مساحة كل الفصائل المنتمية للجيش الوطني، والتي لا تزال موزعة بين شكلانية انتمائها لهذا الجيش وحقيقة بنيتها الفصائلية. فالجيش الوطني الذي تنحلّ فيه الفصائل بصورتها السابقة، وتكوين بنية عسكرية محترفة، سيكون جيشاً احترافياً لا علاقة له بالعمل السياسي، إنما علاقته تنحصر بمهامه الدفاعية عن البلاد.
وكي تصبح عملية اندماج الفصائل الأربعة واقع حال حيوي وفعّال، ينبغي وضع جدول زمني لتوحيد هذه الفصائل على المستويات الفرعية والرئيسية، مثل أن يتمّ توحيد مكاتب الإعلام واشتقاق سياسة إعلامية ذات أبعاد استراتيجية تخدم هذا الاندماج وتساعد في وعي الخطوة وأهميتها لدى الحاضنة الشعبية.
كذلك يمكن توحيد المكاتب الأخرى وفق خطة وتشاور ودراسات، لا أن تتمّ بصورة ارتجالية أو شكلية لا تخدم الاندماج، وهذا يعني وضع الأذرع الأمنية للفصائل الأربعة في بوتقة نشاط مركزي واحد، يتصدى لاختراقات القوى المعادية، ويعمل على ضبط تطبيق الأنظمة والقوانين الفاعلة في نطاق نفوذ هذه الفصائل، وضمن انتمائها للجيش الوطني ومؤسساته المختلفة.
أما توحيد الفصائل عسكرياً بصورة نهائية سيرتبط بدرجة ما بانحلال كل الفصائل العسكرية وإعادة انتاج بنية الجيش الوطني باعتبارها بنية عسكرية تراتبية لا تخضع للفصائلية بقدر خضوعها لتكوينها العسكري الجديد.
إن اندماج الفصائل الأربعة ضمن إطار حركة التحرير والبناء، يوحي أن هذه الفصائل هي نواة جيش المنطقة الشرقية، الذي سيوكل إليه تحرير هذه المنطقة من قوى الميليشيات الأجنبية والانفصالية، وسيلعب هذا الاندماج بشقه “البناء” دوراً هاماً في حرث الأرضية الاجتماعية، لتشكيل منظمات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، وقواعد العمل الإعلامي الحر والمستقل، بما يخدم وحدة سوريا وانتقالها السياسي القادم في المرحلة التالية.
إن الفصائل الأربعة المتحدة لديها رؤية استراتيجية حيال ضبط الأمن والحماية في منطقة نفوذها، هذه الرؤية، تجد قاعها العميق من خلال وجود الفصائل الأربعة بهيكلية الجيش الوطني وأنظمته الشاملة، هذه الرؤية، تتعمق أكثر فأكثر، بتوحيد المهام العسكرية، وغير العسكرية، من خلال الحكومة المؤقتة، وهذا يعني التحضير لمرحلة ما بعد الاستبداد.
إن انتفاء الفصائلية بصورتها السابقة يعني ببساطة الاقتراب من مفهوم العمل الوطني الشامل، هذا العمل سيردم بلا شكٍ أي سلبيات لحقت بهذه الفصائل في مراحل سابقة نتيجة ضغوط أمنية وعسكرية كانت تواجهها، إضافة لغياب أطر تنظيم المجتمع عبر قوانين فاعلة تحرسها قوى القضاء والأمن العام.
لهذا وكي تصبح حركة التحرير والبناء أنموذجاً فاعلاً بالنسبة لبقية الفصائل العسكرية، ينبغي وضع خطط عمل ملموسة وممكنة على صعد الخدمات المختلفة، هذه الخطوات لا ينبغي ارتجالها أو التماهي فيها مع رغبات لا يخدم تنفيذها الواقع الموجود عيانياً.
من هذه الخطط ،إجراء ندوات شعبية ونخبوية للتعريف بمفهوم التحرير والبناء، كي لا يبقى هذه المسمى مشوش المعنى، وتفعيل المكتب الإعلامي الموحّد بصورة مهنية احترافية تستطيع تنفيذ مهام الإعلام بصوره المختلفة من حشد الرأي العام للحاضنة الشعبية، إلى صياغة خطاب توحيدي للسوريين يدحض إعلام الأسد المبني على الأكاذيب وتزوير الحقائق وتشويه واقع الحال
كذلك ينبغي وضع خطط تبادل ثقة بين قيادات الحركة والجيش الوطني والحاضنة الشعبية عبر اهتمام هذه القيادات بمتابعة الشؤون الحياتية والأمنية لها، وهذا يتطلب تقديم خدمات ملموسة وممكنة للحاضنة الشعبية”
بقي أن نقول، أن حركة التحرير والبناء مدعوة لتعميق اندماج فصائلها، لتشكيل إطار عسكري واجتماعي فاعل وجديد، يتصدى لمتطلبات المرحلة القادمة في سوريا، المتحررة من نظام الاستبداد والقهر والقتل والاحتلالات الأجنبية، ففي هذا الاندماج قوتها وقدرتها على تغيير الواقع لصالح الثورة السورية العظيمة.
[…] ب أسامة آغي […]