حرب تقتل الطفولة
حرب لعشر سنوات، بحور من دماء، ركام في كل اتجاه هدم لكل جسور الحياة فكيف تكون حال الحياة الإنسانية وأين أطفالنا، مستقبل البلاد من ذلك؟
عاش الأطفال في مستنقعات العنف وسط برك الدماء. العنف المدوي الذي لم يسبق له مثيل أحاط حياتهم بشتى أشكاله وأنواعه، فالدمار المادي للمسكن والمدرسة والمشفى وفقدان الأسرة نتيجة الحرب وبالتالي فقدان المعيل.
أطفالنا ضحايا القتل والتعذيب والخطف والاغتصاب والتهجير والتشرد واللجوء والتجنيد في القتال والصراع كل ذلك كان له آثار خطيرة على نفسية الأطفال وسلوكهم. الضحايا الأكثر تضرراً، فلا حاضر يعيشونه ولا مستقبل ينتظرهم.
أطفالنا يتحاجون الحماية
أطفال في الشوارع يتسولون تتقاذفهم أخطار دهس واستغلال مجرمين سقطت عنه ملامحهم الإنسانية واستغلوا حاجتهم ليعتدوا عليهم ويمارسون وحشيتهم وقذارتهم على أجسادهم الغضة الهشة. أي عنف وهمجية يعيشها أطفالنا، بؤس وفاقة تجعلهم ضحايا العنف الأسري والمجتمعي.
أطفال ولدوا في الحرب يعيشون ويلاتها وقذاراتها كحلقة أضعف وأكثر تضررا،ً جعلتهم يعانون من الضغط النفسي والعصبي وحالات التبول اللاإرادي والانزواء والخوف والغضب وحتى إيذاء النفس ومحاولات الانتحار، خسروا مقاعدهم الدراسية، فأي مستقبل ينتظرهم.. هذه الأوضاع تدفع بهم إلى التشتت والضياع ودخول مسرح الجريمة من مصراعيه.
الفقر والبؤس وفقدان المعيل دفعت بالأطفال إلى سوق العمل وبغياب الضوابط – بالرغم من وجود بعض النصوص القانونية التي تحمي الطفولة – (مادة /487/، إهمال واجبات الأسرة والمادة، /488/ تتحدث عن إشراك الأطفال بالأعمال القتالية حيث تصل العقوبة الى الأشغال الشاقة المؤبدة إذا أدى الفعل الى عاهة دائمة بالطفل أو إلى اعتداء جنسي عليه وإعطائه مواد مخدرة وقد تصل العقوبة للإعدام إذا نجم عن الفعل وفاة الطفل) هذه الصيغ القانونية تظل قاصرة وغير فاعلة في الحروب وفي معظم الحالات يفلت المجرم من العقاب نتيجة الفساد أو جهل الأسرة والقاصر بالقانون أو عدم المطالبة بسبب الفقر وعدم إمكانية تحمل نفقات المقاضاة أو خوفاً من الجاني.
فالاستغلال يترصد بهم وتنحني أجسادهم أمام وحش الجوع والحاجة فبعضهم أغرته سطوة السلاح والقتال للحصول على المقابل المادي وبعضهم الآخر اقتادته طرق الدعارة والسرقة والمخدرات وتجارة البشر وتم استغلاله في عصابات سخرته لتلك الجرائم مقابل المأوى ولقمة العيش.
الفقر والتشرد والجهل دفع بعض الأسر إلى زج أطفالهم في سوق العمل، لذلك كان معدل التسرب من المداس كبيراً جداً.
الجهل والتخلف والفقر والعادات والتقاليد العفنة تدفع بعض الأهالي إلى منع الإناث من الذهاب إلى المدارس ويفضلون إبقائهن في المنزل للقيام بالأعمال المنزلية أو الأعمال الزراعية وفي معظم الحالات يتم تزويجهن (زواج القاصرات)
حجم الدمار الذي لحق بالمنازل والمدارس والمستشفيات والمرافق العامة، واستمرار القتال وضياع الوثائق القانونية نتيجة التهجير، كذلك ضعف الثقافة القانونية المجتمعية وغياب تفعيل القانون. تلك العوائق تضعف وتحول دون إمكانية حماية الأطفال، ناهيك عن ضعف المجتمع المدني وضيق المجال القانوني والمادي أمامه، فليس لديه سوى هامش بسيط للتحرك لا يوصله إلى إمكانية الضغط على صناع القرار.
رغم جميع العوائق، والموانع المادية والقانونية والسياسية فلا يمكن الركون والاستسلام الى الحالة المأسوية التي يعيشها أطفالنا والتي تهدد حياتهم ومستقبلهم، جيل كامل ضحية هذه الحرب الملعونة، ويجب العمل على إعادة بناء الإنسان عبر:
– الحماية القانونية للإنسان منذ ولادته وخلال مراحل الطفولة وتفعيل ما هو ملائم من القوانين النافذة.
– سن تشريعات جديدة تتلاءم مع الحاجة المجتمعية لإعادة بناء الإنسان
– وضع آلية تنفيذية فعّالة تجعل من تنفيذ القانون ممكناً عبر سيادته وتمكين المجتمع قانونياً.
وفي الوقت نفسه لا يمكن الانتظار لحين سن تشريعات أو تعديلاتها، في هذا الوقت يجب حماية الأطفال بإعادة المتسربين إلى مقاعدهم الدراسية ومعالجة ضحايا العنف الجسدي والنفسي من الأطفال وفق برنامج وطني تنموي شامل تقوم به فرق عمل قانوني ونفسي وغيرها متخصصة بمعالجة مشاكل الطفولة في الحرب وما بعدها، مع تسريع وتيرة العمل للحالات المستعجلة مثل العلاجات النفسية لما بعد الصدمة، وغيرها من اختصاصات وإعطاء المجال للمجتمع المدني وتسهيل حركته فهو الأقدر كما أثبتت التجارب على المسح والرصد والاستبيان والدراسة والبحث في غياب المؤسسات الرسمية، أو إحجامها وتقاعسها عن العمل، بسبب غياب روح المبادرة وضعف القانون وانتشار الفساد العائق الأكبر لأي عمل بنّاء.