حرب الطوابير في سوريا
في الأربعينيات من القرن المنصرم سمعنا وقرأنا في كتب التاريخ عن طوابير من المتطوعين للجهاد في فلسطين وكانت طوابير من المتطوعين بقيادة عز الدين القسام وغسان جديد.
وفي الخمسينيات كانت طوابير الانتخابات البرلمانية النزيهة
وفي الستينيات طوابير توزيع الأراضي للفلاحين وما سمي الإصلاح الزراعي.
وما رافقه من طوابير الانقلابات العسكرية في سوريا.
في بداية السبعينيات كانت طوابير انتخابات الرئاسة وما رافقها من مسيرات ضخمة مؤيدة ومظاهرات ضدها، لتستمر فيما بعد ما سميت انتخابات الرئاسة، التي تمت تسميتها بالبيعة والبيعة تطورت وتمت تسميتها تجديد البيعة لتخرج طوابير البيعات وللأبد ورافق تلك البيعات حشود من الطوابير البشرية.
ورافق ذلك طوابير انتخابات مجلس الشعب والتي غالباً لونها واحد، ما تم تسميته بأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية.
لتبدأ بعدها طوابير الفقر والعوز وكان أشدها في الثمانينيات، بعد طوابير الموت في أحداث الثمانينيات.
وبعدها عاشت سوريا طوابير المؤسسات الرسمية أي القطاع العام التي احتكرت بيع المواد الغذائية الأساسية بعد فقدانها في الأسواق العامة أي القطاع الخاص بحجة الحصار الاقتصادي المفروض على الشعب السوري من قبل أمريكا وكانت طوابير السكر والشاي والسمن، لتنتشر بعدها طوابير التهريب من الدول المجاورة إلى سوريا، وأخذ المهرب دور الدولة بتأمين حاجيات المواطن الأساسية من غذاء وأدوية.
وهنا انتشرت نكتة وطبعاً، النكات تنتشر في الأزمات وهي وجدان الشعوب وغالباً يكون مصدرها مجهول رغم أنه يقال إن الراحل جمال عبد الناصر كان لديه مكتب خاص لبث النكات بين الناس لمعرفة أثرها ورد فعل الجماهير.
ولدى السورين تحكي النكتة: إن مواطناً دخل إحدى المؤسسات وصدم لتوفر كل المواد التموينية المفقودة وبأسعار زهيدة فاشترى كل حاجياته الغذائية وعند خروجه من المؤسسة تم استرداد ما اشتراه مع ابتسامة من الموظف وهو يقول له: انتهى التصوير كان معك التلفزيون السوري!
في بداية استلام الرئيس بشار الأسد الحكم وخطابه الأول في مجلس الشعب، تحدث مطولاً عن الآخر، لتشهد سوريا طوابير من المنتديات الثقافية والفكرية والسياسية والصالونات التي تعنى بالشأن العام وطوابير البيانات والإعلانات و….
فيما بعد وخلال المطحنة السورية عام 2011 حتى الآن شهدت سوريا أطول علم حاكه السوريون في مظاهرة حماه مع حشد من طوابير المعارضين للنظام، ليليه أطول علم حاكه السوريون في مسيرة تأييد بدمشق مع حشد كبير من المؤيدين.
ومع تصاعد الأحداث شهدت سوريا طوابير من المراسلين الحربيين من المعارضة ومن المؤيدين بالإضافة لطوابير المراسلين من أنحاء العالم كافة، إضافة لطوابير المحللين السياسيين.
ومع تصاعد العنف والعنف المتبادل بدأت تصل لكل بيت سوري ضحية أو مصاب بتلك الحرب المجنونة، لنشاهد طوابير التوابيت لضحايا المطحنة السورية الموجعة، ورافق ذلك طوابير الأطفال اليتامى والنساء الأرامل، والطوابير المرعبة من الفارين من تلك المطحنة.
ومع الهدوء النسبي، تفاقمت الحياة المعيشية لمن تبقى داخل سوريا، فعادت بنا العجلة إلى الوراء حيث طوابير الغاز والمازوت التي تم حصرها بمخاتير الأحياء، ومن ثم بالرفيق البعثي الذي تحول بدوره إلى بائع غاز ومازوت ويوزع هاتين المادتين حسب مزاجه.
ولا ننسى أطول طابور سيارات في العالم في مدينة دمشق أمام محطّات البنزين، ورافق ذلك الانقطاع الطويل للكهرباء ما أدى لاستيراد طوابير من الطاقة البديلة من (أمبيرات ولدّات) ومولدات كهرباء، ناهيكم بطوابير الخبز والموت المجاني.
وطبعاً كان قانون قيصر الجائر بحق السوريين، إضافة لطوابير الذين يتعاطون حبوب الهلوسة التي انتشرت كالنار في الهشيم بين أوساط الشباب العاطلين عن العمل والحياة إضافة لطابور العساكر الذين أطالت الأزمة خدمتهم الإلزامية والتي وصل بعضها الخدمة لأكثر من تسع سنوات.
وهنا تسأل العسكري منذ متى أصبحت عسكرياً؟
يجيبك بغصة: منذ معركة بدر
وأضيف طابور الفارين من الخدمة الإلزامية إلى الصومال والسودان وإربيل العراقية لأن تلك الدول هي الوحيدة التي تستقبل السوريين الفارين من الجحيم.
حتى الآن طوابير السوريين وهم ينتظرون رسالة الغاز والخبز والموت المؤجل.
كل تلك الطوابير أصبحت طابوراً واحداً.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”