حرب السلطة: الأسد والمقامرة على حساب الجنرالات الإيرانيين
ماذا كان يُطبخ في اجتماع الجنرالات الإيرانية في الاول من نيسان 2024 في المبنى الملحق للسفارة الإيرانية في دمشق؟. حيث كان الاجتماع يضم كامل هرم القيادة المسؤولة عن أنشطة الحرس الثوري في سوريا ولبنان، بما في ذلك الجنرال في فيلق القدس محمد رضا زاهدي ونائبه محمد هادي رحيمي إلى جانب عدد من الضباط الآخرين، كانوا يعتقدون بأن مبنى القنصلية المجاور لمقر السفارة الإيرانية هو “الأكثر أماناً” في دمشق.
ومن المعروف أن الأسد لم يكن يرحم في التعامل مع أي تهديد لسلطته، وقد قام بسلسلة من الإجراءات القمعية بما في ذلك القتل والاعتقالات لمنع أي محاولات للانقلاب ضده.
كلنا يذكر خلية الأزمة التي تم تشكيلها بعيد اندلاع الثورة السورية 2011، فقد ضمت العديد من الجنرالات، وزير الدفاع العماد داوود عبد الله راجحة، نائب وزير الدفاع العماد آصف شوكت، ورئيس مكتب الأمن القومي حينها، اللواء هشام بختيار، ورئيس خلية الأزمة العماد حسن تركماني واللواء محمد الشعار وزير الداخلية، بالإضافة لقيادات الأفرع الأمنية، حيث كانوا يحضرون اجتماعات دورية لخلية الأزمة. والذين تم قتلهم بانفجار أثناء اجتماعهم في مقر الأمن القومي في دمشق، مع غياب رؤساء الأفرع الأمنية عن الاجتماع، وقُتل خلالها أربعة من أعمدة النظام الأسدي.
“الشخصيات التي قُتلت في الاجتماع صباح 18 تموز 2012، كانت على تنسيق مع بعض الدول، للإطاحة بالأسد، وإيقاف شلال الدم في سوريا، ولتشكيل حكومة انتقالية، وإن لم تكن لتُغيّر كثيراً في نظام الحكم في سوريا، لكنها ستكون مرضية لأغلب الأطراف”، فكانت الضربة الاستباقية من قبل بشار الأسد لتصفيتهم للحفاظ على سلطته.
لم يكتفِ بشار الأسد، باغتيال خلية الأزمة، لمنع الانقلاب ضده، بل شنّت “استخبارات القصر الرئاسي” حينها حملة تصفيات واعتقالات طالت أكثر من 40 شخصية بين الجيش والمخابرات، كانت على تنسيق مع الأشخاص الذين جرى اغتيالهم، من أجل الإطاحة ببشار الأسد.
الجنرال محمد رضا زاهدي كان يُعتبر، ثالث أعلى رتبة عسكرية في فيلق القدس تُقتل خارج إيران، بعد اللواء قاسم سليماني الذي قضى في غارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي قي الثالث من يناير/كانون الثاني 2020، والعميد رضي موسوي الذي قتل في 25 ديسمبر/كانون الأول 2023 إثر قصف صاروخي إسرائيلي على منزله في منطقة السيدة زينب بالعاصمة السورية دمشق.
وتُدرج الولايات المتحدة زاهدي على قائمة العقوبات منذ أغسطس (آب) 2010 ضمن حزمة عقوبات طالت قيادة «فيلق القدس» لدورهم في رعاية الإرهاب وتمويل «حزب الله».
ولعب زاهدي دوراً رئيسياً في توسيع أنشطة «فيلق القدس» الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري» في لبنان، خصوصاً دعم «حزب الله» اللبناني وشحن الأسلحة، وكان همزة الوصل بين «حزب الله» اللبناني وأجهزة المخابرات السورية.
ونظراً لانتهاء صلاحيه بشار الأسد في خدمه النظام الإيراني، بعد إعلان موقفه من عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الاول عام 2023، والذي اخترقت فيه حماس الموالية لإيران جدار إسرائيل، بما يُفسر تموضع النظام تجاه الحرب في غزة، وهو تموضع متمايز بشكل واضح عن بقية المحور الإيراني في المنطقة؛ حيث يُلاحَظ أن أمين عام حزب الله حسن نصر الله قدم في خطابه الأول بعد الحرب إشارة يُفهَم منها عدم رضا طهران عن موقف الأسد تجاه الحركة، وكذلك الطلب من روسيا إنشاء نقطة مراقبة إضافية مشتركة مع قوات النظام السوري، بالقرب من الجولان السوري المحتل، عقب التصعيد الأخير في المنطقة والحرب الإسرائيلية على غزة، والتي لم تعجب إيران إيضاً، والنأي بنفسه عن الصراع الإيراني – الإسرائيلي، وإرسال رسائل للأمريكان للرضى عنه، وبعد أن تكشف للإيرانيين من خلال تحقيقاتهم، أن الأسد، ومنظومته الأمنية وراء كل الاغتيالات لقادات فيلق القدس في سوريا ولبنان.
فكان اجتماع الجنرالات الإيرانيين يهدف إلى إعلان الانقلاب على بشار الأسد ونقل مركز القرار، وإعلان المنطقة الجنوبية من دمشق كضاحية مستقلة وسلطة موازية لسلطة الأسد بقيادة الجنرال زاهدي.
أتت الضربة الاستباقية من اﻷسد لأسباب متعددة، “وكما فعلها بخلية الأزمة”، فعلها مع الجنرالات الإيرانيين، والتي اتخذ قراراً بالاستعانة بالضربات الإسرائيلية لتنفيذ هذا الاغتيال، وهذا ما أشار إليه أحد أبواق النظام في لقائه مع المذيع طوني خليفه على قناة المشهد، بأنه سيستعين بالشيطان من أجل القضاء على التواجد الإيراني في سوريا، وأن إيران عدو لسوريا، بالواقع، كانت الاستعانة بالشيطان، أي إسرائيل، لتصفية منافسيه الحقيقيين على السلطة. ولا يعني هذا بالمطلق أن بشار الأسد في حالة عداء للنظام الإيراني، بل هو مطية لهم، وأنا جنرالكم الذي تعتمدون عليه.