حرب الألوان في سوريا
بدأت حرب الألوان في سوريا منذُ أيام الاستقلال عن الانتداب الفرنسي، وكان علم الاستقلال بألوانه الأخضر والأبيض والأسود وفي منتصفه ثلاثة نجوم حمراء، حيث يحمل كل منها دلالة معينة.
فاللون الأخضر يُشير إلى الخلافة الرّاشدة، واللون الأبيض يُشير إلى الدولة الأمويّة، ويُشير اللون الأسود إلى الدّولة العباسية، في حين ترمز النّجوم الحمراء الثّلاث إلى ثلاثة مناطق في سوريا وهي دمشق وحلب ودير الزّور. وقد استمَّر العَلمُ بألوانه ونجومه الثّلاث حتّى يوم الوحدة بين سوريا ومصر، حيث تمَّ استبدال النّجوم الثّلاث بنجمتين ترمزان إلى البلدين سوريا ومصر، وتحوّلت ألوانه إلى أحمر وأبيض وأسود والتي تُشير إلى التّالي:
اللون الأحمر رمزٌ إلى دماء الشّهداء، واللون الأخضر في النّجمتين رمزٌ إلى الخلافة الرّاشدة، في حين تُشير النّجمتين إلى الاتحاد السّابق بين الدّولتين سوريا ومصر، أمّا اللون الأبيض فهو رمزٌ للدولة الأمويّة، والأسود رمزٌ للدّولة العباسية. وقد ظهر علم البعث بألوانه مُرافِقاً لِعَلم الدّولة السّوريّة، وقد استمَّر العلمان يرفرفان فوق رؤوس السّوريين لأكثر من خمسين عاماً حتى يومنا الحالي، إلّا أنّه ومع بداية الثّورة السّورية في 17 آذار عام 2011 حَدَثَ خَرق في لوني العلمين (علم النّظام وعلم البعث)، حيث تمَّ رفع علم الاستقلال لأول مرة في سماء سوريا، وبدأ يُرفرف فوق رؤوس السّوريين التّواقين للحريّة بعد قَمْعِهِم لعقودٍ طويلة ومريرة. وهنا بدأت حرب الألوان، حيث استمَّر وجود علم الثّورة في المظاهرات، في حين رَفرف كُل من العلم السّوري بنجمتيه وعلم البعث المُتمثل فوق رؤوس المسيرات المؤيدة للنظام. وقد تمَّ حَرق العلمين من الجهتين، حيثُ قامَ بعضُ المعارضين بِحَرق علم النّظام بنجمتيه وعلم البعث، وقام بعض المؤيدين للنظام بِحَرق علم الثّورة. ونجد أنَّ الضحية من الطّرفين يتمُّ لَفُّ جِثمانُه بعلمه.
ويبدو صراع السّوريين وخلافهم حول لون العلم وما يرمز إليه وعدد نجومه قد أدّى بهم إلى درجة الألم التي رأوا بها نجوم الظهر. ففي البداية كان صراع الألوان ودلالته بين الطّرفين في سوريا سلمياً، إلى أنْ تمَّ تسليح بعض حاملي علم الثّورة لحماية المتظاهرين من النظام، وهنا بدأت الحرب الفعليّة، حيث توّسعت دائرة العنف وتسليح المعارضة بالأسلحة الثقيلة، وهنا دخل لونٌ جديدٌ إلى ساحة الصّراع والذي تمّثلَ في راية جبهة النصرة، التي رَافَقَ ظهورها ازدياد توسع دائرة العنف بشكل مرعب وقد طال الكثير من المناطق السورية، حيث بدأت عمليات الخطف والقتل والتّمثيل بالجثث بطرق مرعبة، وفي هذه المرحلة سيطر لون علم جبهة النصرة في كثير من المناطق، ليَحلَّ مكان ألوان العلمين التّابعين للجيش الحر في المناطق التي كان يُسيطر عليها، وعلم النّظام في المناطق التي كانت تابعة للنظام.
وفيما بعد بدأ الصراع بين فصائل جبهة النّصرة ضدّ كل من الجيش الحر وجيش النّظام، وأصبح حينها حُلم الكثير بأن يندمج الجيشين تحت اسم واحد “الجيش العربي السوري الحر”، وتحت لون واحد “علم واحد”.
ومع بدء التّسليح والعنف المتبادل من الطرفين، كانت ألوان حزب الله الصّفراء المدعومة من كل من إيران والنظام السوري، تُقاتل جنباً إلى جنب مع القوات الرديفة للنظام مثل الدّفاع الوطني وغيرها من الحركات الشّعبية.
ومع تسارع الأحداث وسيطرة المعارضة على جغرافيا كبيرة من سوريا، ظهر فصيل آخر أشد تنظيماً وقسوة، الذي اتّخذَ من اللون الأسود والأبيض لوناً لرايته والذي عُرِف باسم “داعش”، وكلمة “داعش” عبارة عن حروف مختصرة لعبارة “دولة إسلام العراق والشام”، التي سيطرت بسرعة مذهلة على أراضٍ مهمة في كل من سوريا والعراق، واحتلّت الكثير من منابع النفط، وأخذت تنشر ثقافتها العنيفة وتعاليمها المتشدّدة، طامحةً لبناء دولة إسلام العراق والشام.
وبعد ظهور داعش، ظهرت ألوان جديدة في حرب الألوان، فظهرت حركة “قسد”، وهذه الكلمة عبارة عن اختصار يجمع الأحرف الأولى من عبارة “قوات سوريا الديمقراطية”، وينتمي أفراد هذه الحركة غالباً إلى الأكراد السوريين.
ومن جانب آخر – جانب النّظام – وفي الوقت الذي كانت الأعلام الصفراء – رايات حزب الله – تظهر على ساحة القتال إلى جانب علم النظام، وبعد سيطرة المعارضة بتنوع ألوانها ومبادئها وأهدافها ونهجها (من الجيش الحر إلى المعارضة السورية إلى النّصرة إلى داعش إلى قَسد… إلخ)، وعلى الرَّغم من صراع تلك الفصائل مع بعضها بعضاً، ظَهر لون جديد على ساحة الصّراع تمثّل بالعلم الرّوسي، حيث تدخّل الرّوس لصالح النّظام لترفرف ألوان علمه فوق المناطق التي بدأ الروس بتحريرها واستعادتها بالتعاون مع قوات النظام. وعلى الطّرف الآخر – طرف المُعارضة – وخاصةً في الشّمال السّوري (تحديداً إدلب وريف حلب) وبعد استعادة مواقع كثيرة من قبل النّظام وحليفه الرّوس، التي كانت بيد المعارضة أعلنَ التّرك تدخلهم المباشر الدّاعم للمعارضة، تحديداً الجيش الحر، ليُضاف بذلك العلم التّركي كلون جديد إلى ساحة حرب الألوان في سوريا.
ثمَّ سرعان ما تدخّل الأمريكان في بعض المناطق السّورية الغنية بالنفط تحديداً، ليبدأ العلم الأمريكي يعلو مرفرفاً فوق تلك المناطق لتتسع بذلك دائرة حرب الألوان في سوريا.
كانت النّتيجة لذلك إصابة المواطن السّوري؛ الذي يمكن القول عنه بعبارة محكية (الآكل الموس على الحَدين)؛ بعمى الألوان، منتظراً بشيءٍ من اليأس أن يستعيد رؤية لون واحد وهو لون السّلام الذي سيجلب معه ألوان العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية، ليكون مصير كل ألوان حرب الألوان الانحلال والاضمحلال.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”