حرائق سورية الأسباب والنتائج
كأنما لم يكن ينقص السوريين بل سورية وغاباتها المتواضعة غير الحرائق.. فعلى الرغم من أن سورية قد احترقت بالكامل عن سابق إصرار وتصميم، ووفق شعار “الأسد أو نحرق البلد” إلا أن المعنيين بالشأن العام من داخل النظام قد التفتوا إلى هذه الرئة الوحيدة المتبقية كل من موقعه على الخارطة السياسية، ومن خلف متراسه الراسخ إلى تحليل ظاهرة الحرائق الأكثر خطراً بحثاً عن عدو يلصقون به هذه المؤامرة ضد سورية، ورئيسها.. أهي تركيا أم هم مسلحو إدلب، أهي طائرات مسيرة أم هي قذائف مدفعية.. ولم يخطر ببالهم بعد أن آلت سورية في عهد رئيسهم “الميمون” إلى خراب، أن تكون هذه النيران هي نتيجة طبيعية لوضع البلد العام حيث فقدان الأمن والجهل وهوس الناس بلقمة عيشهم المرة، ولم ير ذلك الرئيس من حل غير الاستعانة برجال الدين ودعوتهم إلى صلاة الاستسقاء.. لكن النار ما تزال على أشدها وتتمدد، بحسب الأنباء التي تتوارد من الساحل وعبر وسائل الإعلام السورية الرسمية وقد شملت ريفي اللاذقية وطرطوس وامتدت إلى ريف حمص.. ولا بد من التذكير هنا بأن حرائق مصياف في ريف حماة الغربي قد سبقتها قبل نحو شهر وقيل حينها أنها مفتعلة إذ ربطها المراقبون آنذاك ببعض الفاسدين الذين افتعلوها للاستيلاء على الأراضي وتحويلها إلى أراض زراعية إذ هي أملاك دولة ويمكن بعد تعريتها أن تزرع بالأشجار المثمرة، ثم تجري المصالحة عليها حينما تنمو فيها الأشجار لسنة أو أكثر، أو بهدف قطع الأشجار وبيعها لاستخدامها في التدفئة، في وقت تفتقد معه كل وسائل التدفئة في الشتاءات الباردة جسداً وروحاً.. وبالفعل فقد اعتقلت السلطات آنذاك عدداً من الفلاحين بناء على شهادات بعضهم، والحقيقة، تبقى تلك الحرائق صغيرة نسبياً أمام حرائق اليوم التي لا تزال مستمرة وقد بلغ عددها بحسب وزير الزراعة السوري تسعة وسبعين حريقاً في ريف اللاذقية وحده، وعموماً التهمت الحرائق العديد من البيوت الزراعية البلاستيكية في طرطوس واللاذقية كما أتت على آلاف الهكتارات وطالت عدداً من القرى ما أدى إلى نزوح مئات السكان إلى مناطق أكثر أمناً بعد أن حدثت حالات من الاختناق تسببت ببعض الوفيات.. ولا تزال الأنباء السيئة تتوارد ولا أحد قادر أن يفعل شيئاً.. رغم الاستعانة بسيارات إطفاء من أربع محافظات..
إن من يتوخى الدقة والموضوعية يجد أن الحرائق هي تحصيل حاصل لكل ما جرى في سورية أو لكل ما آلت إليه سورية فلا شك في أن الفلتان الأمني لعب دوراً كبيراً في هذا الأمر كما أن الظروف المناخية السيئة ساعدت على انتشار الحرائق التي قد يسببها عقب سيجارة نتيجة جهل أو إهمال بسبب غياب الوعي، وهناك من يرى أن الوقت الحالي هو وقت قطاف موسم الزيتون إذ يقوم بعض الأهالي بحرق الأعشاب بغية تنظيف الأرض منها كما أن خطوط التوتر الكهربائي تصدر أحياناً شرارات كهربائية نتيجة التعدي على الشبكة وكثرة التحميل بسبب ندرة الكهرباء فتسبب الحرائق..
وبحسب تصريح وزير الزراعة تجاوز عدد الحرائق الثمانين حريقاً حتى عجزت فرق الإطفاء عن عدها بينما يصرخ مندوب الفضائية السورية بأنه وفريقه غير قادرين على البقاء وعليهم أن يرحلوا بعيداً عن النيران ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، يوم أمس، عن رئيس الجمعية الفلاحية في قرية بيرة الجرد، غياث الراشد، قوله إن المساحة التي التهمتها النيران تتجاوز ألفي دونم من الغابات التي تحتوي على مساحات واسعة من أشجار السنديان والسرو والصنوبر المعمرة. والواقع هي أضعاف هذا الرقم.
وإذا كان الإهمال والجهل والفلتان الأمني سبباً مباشراً لإشعال مثل هذه الحرائق فإن إمكانيات الإطفاء المتواضعة جداً بدءاً من سيارات الإطفاء وجاهزيتها الدائمة إلى الطرقات المعبدة التي تسمح بمرورها وتعبئتها بالمياه من فتحات قريبة.. إلى كل ذلك.. وثمة أسئلة يلقيها المواطنون السوريون على الروس وحركتهم تجاه مثل هذا الخطر ولمَ لم يسارعوا للمساعدة ولا تستغرق الطائرات المتخصصة من روسيا إلى سورية لأكثر من ثلاث إلى أربع ساعات.. أم إنهم مؤمنون كما الأسد بقدرة رجال الدين على إطفائها..!
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”