جهاز التنفس
اتصلت بأحد معارفي الذين علمت من مقربين له، بأنه يعاني من مشاكل صحية، طارئة، مع انتشار كورونا، وبات تنفسه جد صعب، لأطمئن على صحته، فرد على اتصالي الهاتفي، وبدأت أسمع أنينه، وصراخه، الذي يدمي القلب:
أستاذ، أكاد أختنق؟
أرجوك دلني ماذا أفعل؟
تمزقت أحشائي حزناً عليه، ولم أرد أن أذكره بكورونا، ويبدو أنه هو الآخر، ما كان يريدني أن أذكر اسم هذا الوباء اللعين، سألته: ماذا يلزمه؟ فأجابني: أريد دعاءكم لا أكثر
اشتد بي الحزن، فأحببت أن أذكر قراء صفحتي على الفيس بوك ضرورة الحذر فكتبت:
شاب، أعرفه، عن قرب، يعيش لحظات صعبة من ضيق التنفس إلخ، ورحت أشرح حالته، وأرجو له الشفاء
المئات تفاعلوا مع المنشور وهم يتمنون أن يعود إلى أسرته معافى!؟
وباعتبار المريض شاباً، وأنا أعرف أسرته عن قرب، بل أعرفه عن قرب، وكان من الشباب الجديد الشهم الذي أظهر لي وده، بل ترجمه، كما هو حال ذويه، فقد وجدتني معنياً به، ومن يعرفني يعرف أني معني بأي امرئ أعرفه أو لا أعرفه حين يكون في وضع يحتاج للمساعدة، أقدم ما لدي، من كلمة طيبة، عندما لا أملك غيرها. قلت له:
اذهب إلى أحد المستشفيات
رد علي، وهو يتنفس بصعوبة:
سأفعل ذلك، ولكني أحتاج الاستعانة بـ “جهاز تنفس” في المشفى، وقد قرأت قبل مرضي أن المصابين بصعوبة التنفس أنى اضطر وضعهم الأطباء للاستعانة بجهاز تنفس لمعالجتهم فإن أكثرهم يتوقف قلبه، لأن جهاز التنفس بحاجة إلى مراقبة طبيب وفني وممرض وغيرهم، إلا أن ذلك غير متوفر بسبب كثرة المرضى في المستشفيات.
كنت قد قرأت كلاماً مثله، حقيقة، بل اطلعت على معلومات أكثر تتعلق بضرورة المعالجة في البيت، لطالما لا توجد أدوية ناجعة، حتى الآن. بل إن عدم توفر الأدوية مأساة عالمية، وقد بات جميعهم يفكر بها: الفرد البسيط ورئيس الحكومة أو رئيس البلاد، والرؤساء باتوا يستحثون الخبراء والعلماء لاكتشاف الأدوية. كل منهم حرصاً على نفسه. فرئيس أمريكا انهار هلعاً، كما أن رئيس حكومة إيطاليا أعلن:
انتهت تدابير الأرض وبتنا بحاجة إلى رعاية السماء؟
وهو ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للسفر بالطائرة من باريس إلى مرسيليا، لزيارة بروفسيور و عالم هو ديدييه راوول الذي اكتشف عقار”كلوروكين” لمعالجة هذا الوباء الخطير.
قلت له:
لكن، من الضروري، أن تراجع المشفى، لربما كان أمرك جد سهل، وأنك مصاب بنزلة صدرية لا أكثر
لدي ما يلزم من أدوية التهابات، وإنفلونزا، وسأتناولها، وأنا مؤمن بالله، لكن أرجوك ادع لي
علمت أن حديثه إلي عبر الهاتف يتعبه أكثر، لذلك، استودعته داعياً له بالشفاء، لأتصل بذويه، وأقترح عليهم تشجيعه لإجراء اختبار طبي
قالوا لي:
نحن نعلم ذلك، لكنه يخاف من جهاز التنفس في المشفى
ربما لا يحتاج إليه
قلت لهم
أجل، ووسائل الإعلام تتحدث عن قلة هذه الأجهزة في الدول الكبرى: أمريكا – بريطانيا وغيرهما، إلا أن عددها جيد في هذا البلد، وثمة سعي من الجهات العليا لصناعة أكبر عدد منها، لأن الدول الكبرى اكتشفت أنها كانت مخطئة في تقديراتها بالاكتفاء بأجهزة محدودة في المستشفيات، اعتماداً على الحاجة الاعتيادية في غير أوقات الأوبئة
الأمر الآن تغير!
قلت لهم
في صباح اليوم التالي اتصلت بالشاب فلم يرد علي ما جعلني أعيش نهاري وليلي قلقاً عليه
بعد يومين
اتصلت به، فرد علي
أبشرك أستاذ، أجريت الاختبار وقيل لي:
أنت سليم!
تغير صوته فوراً، بالرغم من أنه لم يتناول أياً من الأدوية
ها أنت عدت كما كنت.. قلت له فرحاً
ردَّ علي:
كنت أخاف. أخاف المرض. أخاف جهاز التنفس اللعين لقد تصورته مشنقة وأنابيبه عبارة عن أنشوطات. أخاف من المستشفيات لأنها قد تكون ملوثة، موبوءة
لكن الأمر ليس كما تقول
أعترف أن خوفي هو الذي دمرني
كنت مريض الوساوس. مريض الخوف من كورونا، فما إن قالوا لي أنت معافى حتى عدت إلى حياتي الطبيعية
ضحكت، وضحك
وكتبت في صفحتي: إن ذلك الشاب الذي حدثتكم عنه تماثل للشفاء!
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”