جهاد الدم.. قراءة من الصومال
151 قتيلاً على الأقل الحصيلة الأولى للتفجير الدموي في الصومال، وتنظيم حركة الشباب الإسلامي يتبنى على الفور التفجير بوصفه جهاداً في سبيل الله!!.
والصومال الذي يبدو بعيداً في الجغرافيا ليس بعيداً في التاريخ ولا بعيداً في الاعتقاد، وهو أحد الأوطان الإسلامية المنكوبة بالطائفية والتخلف، وعلى الرغم من واقعه المتخلف فهو في الواقع لم يكن أقل سعادة من جاره (اليمن السعيد!!) بل كان تاريخياً يعرف بثراء أهله، وقد كانوا يطلقون على من يقيم بهذا القرن الأفريقي لقب ذو مال وتدريجياً تحولت من الذومال إلى الصومال، فهي أرض غنية بالخيرات وفيها أكبر ثروة إبل في العالم وأطول شاطئ بحري في أفريقيا أهم مضيق بحري ظل طيلة العصور الوسطى بقرة من ذهب لأهل هذا القرن الإفريقي.
لم يسمع كثير من قرائنا بحركة الشباب الإسلامي المجاهدين، ولا بأس أن نعرف بهم كما يختارون فهم حركة إسلامية ملتزمة، تلتزم هدي الكتاب والسنة، وفق اختيار السلف، وترفض التجديد في الدين، وبإمكانك أن تقرا الثناء عليهم في كثير من المواقع المعتدلة التي تثني على اهتمامهم بالقرآن والسنة وقراءتهم واهتمامهم البليغ بتحفيظ القرآن والسنة، ولكنهم لم يترددوا في تفجير ساحة عامة يرتادها العابرون ولم يترددوا في تسجيل ذلك بوضوح جهاداً في سبيل الله، ولكن كيف أمكن إقناع شباب هذه الحركة القساة بارتكاب جرائم كهذه تحت عنوان الإيمان.
يلومنا بعضهم بأننا نقوم بتحميل التطرف الديني سبب المشكلة ونصوب سهامنا صوب التعليم المتزمت والمشايخ المتطرفين، وأننا نبرئ الاستعمار والامبريالية واسرائيل وهم الفاعل الحقيقي لهذا الشر.
وفي الواقع فإن أهم كوارثنا أننا لا نعترف بالسبب الجوهري للكارثة ونختار دوماً أسباباً أخرى ترضي غرورونا ووهمنا، وتدفعنا لمزيد من الكوارث والأخطاء.
لست معجباً بالاستعمار ولا الامبريالية ولا إسرائيل، ولكنني أرفض هذا الثقب الأسود الذي نحيل إليه كل أخطائنا وخطايانا، وبه نرتكب الشر ونحن مغمضي الأعين على أساس أنه من صنع الآخرين.
لا أنكر أن لهذا الجنون أسباباً أخرى على رأسها المظالم ولا أنكر أن الظلم هو أبو التطرف وعمه وعمه وخاله، ولكن يجب الاعتراف أيضاً بأن هناك ثقافة مسمومة تلقاها ذلك الثائر الغاضب، تستند إلى أصول عميقة من التفكير المتطرف، فقد تم إقناعه بأن الزمان قد ارتد إلى جاهلية أسوأ من جاهلية قريش وهي (جاهلية القرن العشرين)، وأن الناس وقعوا في (ردة ولا أبو بكر لها) وأن المطلوب مواجهة هذه الردة بحتف السيوف، فإن الله بعث محمداً بالسيف رحمة للعالمين، وأن الله استنفر المسلمين للجهاد وقال إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً، وهكذا فإن الناس جميعاً وقعوا في الردة وتقاعسوا عن الجهاد ولن يتخلصوا من هذه الردة إلا ببيعة أمير الجهاد والقتال بين يديه، وهذا بالضبط ما يجعل المجاهدين أمناء الله على عباده اشترى الله أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، ومن مات وليس في عنقه بيعة جهاد مات ميتة جاهلية.
لا يصدق كثير من القراء أن هذه المبررات التي سوغت القتل والتفجير هي بالضبط ما يدرسه كثير من الطلبة في معاهد الدين المتشددة، بل إن ما وضعته بين قوسين هو عناوين كتب كاملة يتم تداولها وتدراسها وتعليمها للطلبة باستمرار، والكتب التي تنص على هذه الروايات لا تزال تطبع وتنشر كل يوم، وهي في معارض الكتاب لا تزال الأكثر تداولاً وانتشاراً.
يؤكد التعليم الوهابي أن الله تعبدنا ببغض المشركين وعداوتهم، وأن هذا هو ركن الولاء والبراء الذي يقوم عليه الدين، وأن الموادّة للمشركين والنصارى واليهود هي أكبر الكبائر، ومن البديهي أن يتهم المسلم العلماني بالشرك والردة، بل إن التفكير الجهادي الدموي لا يتردد في وصف الفرق الإسلامية والأحزاب الإسلامية الأخرى بأنها أحزاب مرتدة جرى فيها حكم الله ومضى أمره، والتارك للجهاد كالتارك للصلاة مستحق لسيف القصاص والردة.
أما الشهداء والقتلى فليسوا في الواقع إلا البائسين الذين حملهم حظهم العاثر أن يكونوا في تلك الساحة المكتظة حين قرر الإرهابي أن يفجر المكان، وبالمناسبة فإن الإرهابي لا يشعر بوخزة ضمير على الإطلاق وهو يقول ببساطة إنهم يبعثون على نياتهم! فإن كانوا محسنين عجلنا بهم إلى الجنة وإن كانوا مسيئين رحلناهم إلى النار!!.
إنها الجرائم المظلمة التي تسللت إلى حركات تسييس الإسلام، وهي جرائم تتناقض كلياً ومنهاجياً وأصولاً وفروعاً مع منطق القرآن الكريم الذي نادى بالإخاء الإنساني وإعذار المختلف واكتفى بإلقاء السلام سبباً لوقف الجهاد ومنح الأمان وبناء المجتمع السعيد، وقال: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً
ذات يوم سيدرك ابناؤنا أن الكهنة كانوا يلقون في مسامعهم ثقافة الكراهية السوداء ويقدمونها للأجيال الآتية على أنها قواعد الإيمان.