fbpx

جمع القمامة مصدر رزق في إدلب رغم المخاطر

0 180

ﺃصبح جمع القمامة مهنة لعدﺩ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻭﺍﻷﻃﻔﺎﻝ في إدلب، نتيجة النزوح وﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺸﻬﺎ ﺍلمناطق المحررة، حيث ﻳﻨﺘﺸﺮ ﺃﻃﻔﺎﻝ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ ﺃﻋﻤﺎﺭﻫﻢ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺴﻮﺓ ﻭﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﺴﻦ على مكبات القمامة ﺑﻬﺪﻑ ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ ﻷﻏﺮﺍﺽ ﺍﻟﺘﺪﻓﺌﺔ ﻭﺍﻟﻄﻬﻲ ﺃﻭ ﺑﻴﻌﻬﺎ، ﻭﺍﻻﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﺋﺪ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﻗﻀﺎﺀ ﺍﺣﺘﻴﺎجاتهم.

الطفل أكرم (13 عاماً) من مدينة كفرنبل اعتقل ﻭﺍﻟﺪه منذ 4 سنوات ويعيش ﻣﻊ ﺃمه وإخوته في خيمة صغيرة داخل مخيم بريف سرمدا وعن ذلك يقول: “ﺗﺮكت ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻘﺼﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﺮّﺿﺖ له مدينتي ونزوحنا من منازلنا، وﺣﺎﻭلت ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻋﻤﻞ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﺟﻨﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻹﻋﺎلة أسرتي، وﻟﻜﻦ ﺩﻭﻥ ﺟﺪﻭﻯ.”

بدأ أكرم يعمل ﻓﻲ ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ، ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻬﻨﺔ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ، وﻻ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﻟﺨﺒﺮﺓ ﺃﻭ ﺭﺃﺱ ﻣﺎﻝ، ﻳﻤﺘﻬﻨﻬﺎ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺻﺎﺭ أكرم ﻳﺠﻤﻊ ﻳﻮﻣﻴﺎً ﺛﻤﻨﺎً ﻟﻜﻴﺴﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺒﺰ وبعض الحاجيات الضرورية.

يشاهد أكرم ﻋﻨﺪ ﺧﺮﻭﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﻤﻠﻪ ﺻﺒﺎﺣﺎً ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻭﻫﻢ ﺫﺍﻫﺒﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ، ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻮﺟﻪ برﻓﻘﺔ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺒﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ، ﻭعن ذلك يقول: “أتمنى أن أتعلم ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﻲ ﺍﻟﺬﻫﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ بسبب الحاجة الماسة للعمل.”

أصيب أكرم ﺑﺎﻟﺮﺑﻮ ﻭﺑﺄﻣﺮﺍﺽ ﺟﻠﺪﻳﺔ، ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻋﻤﻠﻪ ﺑﺎﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ، ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻳﻘﻮﻝ: “ﺇﺫﺍ لم أعمل سنموت ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻮﻉ”، ﻓﻲ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻟﻠﻮﺿﻊ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﻴﺸﻪ ﺃﺳﺮﺗﻪ.

وليد أبو الحسن مدير المخيم الذي يقطن به أكرم وأسرته يتحدث لـ نينار برس بقوله: “ﻓﺎﻗﻢ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﻨﺎﺯﺣﻴﻦ ﺍﻟﺘﺪﻫﻮﺭ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭﺍﻧﺨﻔﺎﺽ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻠﻴﺮﺓ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ ﻣﺆﺧﺮﺍً، ﺣﻴﺚ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻬﻢ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎﺕ ﻋﺎﺋﻼﺗﻬﻢ، ﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﺍﻟﻐﺬﺍﺀ ﺍﻟﻬﻢ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻬﻢ ﻭﺇﻫﻤﺎﻝ ﺍﻟﻨﻮﺍﺣﻲ ﺍﻟﺼﺤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ.”

يتابع أبو الحسن: “ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻤﻘﻴﻤﻴﻦ في ﺎﻟﻤﺨﻴﻢ ﻣﺄﺳﻭﻱ ﺟﺪاً، حيث يعمل اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺃﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﻤﺨﻴﻢ ونسائها، ﻭﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺍﻷﺳﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻏﻴﺎﺏ ﺭﺏ ﺍﻷﺳﺮﺓ ﺃﻭ ﻋﺠﺰﻩ، كما تسرب ﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ من ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ، بهدف الذهاب ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺒﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﻳﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺨﻴﻢ والعمل، يدفعهم إلى ذلك ﺍﻟﻔﻘﺮ والحاجة، ﻭضرورة ﺗﺄﻣﻴﻦ ﻣﻮﺍﺩ ﺍﻟﺘﺪﻓﺌﺔ لفصل الشتاء، ﻳﻀﺎﻑ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﻴﻤﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺯﺣﻴﻦ.”


كذلك أم عمر(40 عاماً) النازحة من مدينة معرة النعمان تذهب ﻣﻊ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﺃبنائها إلى مكب للنفايات بالقرب من مكان نزوحها في بلدة كفرلوسين الحدودية مع تركيا، ﺑﺤﺜاً ﻋﻦ ﺧﺮﺩﺓ ﺃﻭ ﻣﻮﺍﺩ ﺑﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ ﻟﺒﻴﻌﻬﺎ، وجني بعض المال من ثمنها، وعن معاناتها تتحدث لـ نينار برس: “نزحنا تاركين ﻭﺭﺍﺀﻧﺎ أرزاقنا وبيوتنا ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺳﻴﻄﺮ نظام الأسد ﻋﻠﻰ مدينتنا، وأصبحنا مضطرين للعمل، حيث نجمع ﺍﻟﺒﻼستيك ﻭالأسلاك ﺍﻟﻨﺤﺎسية والخبز اليابس، ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺑﻴﻌﻪ ﻣﻦ ﻣﻜﺐ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ.”

ﻭتشير أم عمر بحزن إلى أنها كانت مع أفراد أسرتها يجتمعون في مثل هذا الوقت من ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺑﻴﺎﺩﺭ ﻣﺤﺎﺻﻴﻠﻬﻢ، ﺃﻭ ﻛﻌﻤﺎﻝ في ﻭﺭشات ﺍﻟﺤﺼﺎﺩ ﻭﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺍﻟﺰﺭﺍﻋﻴﺔ ﺃﻭ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﺷﻲ، لكنهم وجدوا ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻧﺎﺯﺣﻴﻦ يبحثون بين القمامة عما يسد رمقهم. 

لا تخلو أماكن تجمع القمامة وﻣﻜﺒﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ من الأوبئة، حيث تعتبر ﺑﻴﺌﺔ ﺧﺼﺒﺔ ﻟﻠﺠﺮﺍﺛﻴﻢ، ﻭﻧﺎﻗﻼً ﻟﻬﺎ ﻭﻟﻠﻔﻴﺮﻭﺳﺎﺕ ﻭﻟﻠﻄﻔﻴﻠﻴﺎﺕ مثل ﺍﻟﺒﻌﻮﺽ، ﻣﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺻﺎﺑﺔ ﺑﺎلأمراض، كما ﺗﺤﺘﻮﻱ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﻠﻔﺎﺕ ﻃﺒﻴﺔ، ﻭﻳﺸﻜّﻞ ﻟﻤﺴﻬﺎ ﺧﻄﺮﺍً ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ العاملين بها، يضاف إلى ذلك ﺧﻄﺮ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺃﻛﻮﺍﻡ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ، ﻣﺎ ﻗﺪ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﻭﻓﺎﺓ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ، ﻛﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﻣﻜﺒﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺇﺩﻟﺐ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺕ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻃﻔﺎﻝ بتاريخ السادس من شهر كانون الثاني/يناير من العام الحالي.

حيث ﻗﺎﻝ ﻣﺼﺪﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﺣﻴﻨﻬﺎ: “ﺇﻥ 3 ﺃﻃﻔﺎﻝ ﺗﻮﻓﻮﺍ ﻓﻲ ﻣﻘﻠﻊ ﻣﻜﺐ “ﺍﻟﻬﺒﺎﻁ” ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﻃﺮﺍﻑ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺇﺩﻟﺐ، ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻋﻤﻠﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻊ ﻗﻄﻊ ﺣﺪﻳﺪ ﻭﺑﻼﺳﺘﻴﻚ ﻟﺒﻴﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﻗﻮﺕ ﻋﺎﺋﻼﺗﻬﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻇﺮﻭﻓﺎً ﺻﻌﺒﺔ، ﺣﻴﺚ ﺍﻧﻬﺎﺭﺕ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﻤﻴﺎﺕ ﺍﻟﻘﻤﺎﻣﺔ ﻭﻟﻢ يتمكن ﺃﺣﺪ من ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻬﻢ.”

ﻭﺃﺿﺎﻑ إن ﻓﺮﻕ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﺗﻮﺟﻬﺖ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻜﺐ ﺑﻌﺪ ﺍﺳﺘﻐﺎﺛﺔ ﺃﺣﺪ ﺍﻷﻫﺎﻟﻲ، واستغرقت في محاولة إنقاذهم من تحت القمامة أكثر من أربع ساعات، وﺍﻧﺘﺸﻠﻮﺍ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻓﺎﺭﻗﻮﺍ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.”

فرض واقع الحرب على الكثير من الأسر السورية خيارات صعبة مع غياب البدائل والحلول، ﺇﺫ ﺃﺻﺒﺢ ﻣﺄﻟﻮﻓاً ﺃﻥ ﺗﺸﺎﻫﺪ ﺃﻃﻔﺎلاً ونساءً ﻳﺒﺤﺜﻮﻥ ﻓﻲ ﺣﺎﻭﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﻤﺎﻣﺔ ﻋﻦ ﻣﻮﺍﺩ ﺑﻼﺳﺘﻴﻜﻴﺔ قابلة للبيع بهدف تأمين لقمة العيش اللازمة لاستمرار أنفاس الحياة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني