جرحى النظام في الساحل.. بين غياب الإحصائيات والإهمال الشديد
“مدينة الشهداء” هي تسمية جديدة بات يطلقها الموالون للنظام الأسد على مدنهم التي قتل عدد كبير من أبنائها في الحرب إلى جانب قوات النظام في المعارك ضد قوات المعارضة، وتحديداً في مدن الساحل السوري التي تعرف أغلبيتها بتأييدها الكبير للأسد وبوقوف أبنائها مع النظام وانخراطهم بالحرب بشكل كبير، كمدينة طرطوس وأرياف جبلة وغيرها، لكن واقع هذه المدن التي باتت خالية من الشباب بشكل شبه كامل لا يقتصر على ما قدمته من قتلى فهناك نسبة كبيرة منهم تحولوا إلى معاقين جراء الإصابات الحربية فلا تكاد توجد أسرة من أسر الساحل إلا وخسرت أحد أولادها أو ربما أكثر بين قتيل أو جريح، إذ يعتبر وضع الجرحى أكثر صعوبة وخطورة إذا ما تمت مقارنتهم بالقتلى فنسبة كبيرة منهم يعيشون ضمن ظروف إنسانية صعبة عاجزين عن تقديم حاجات أسرهم أو حتى تأمين العلاج لأنفسهم في ظل الغلاء الشديد وعجزهم عن العمل وعدم تقديم النظام أية مساعدات أو مشاريع جدية تؤمن لهم حياتهم.
إحصائيات وأرقام:
لا توجد أية إحصائيات أو أرقام دقيقة حول أعداد المصابين في الساحل ويعد السبب الأساسي في غيابها، منع النظام وإعاقته لأية عملية إحصاء دقيقة سوف تقام لهذا الأمر في بيئته الحاضنة لما ستترك من أثر سلبي على مواليه وخوفاً من استغلالها من قبل معارضيه ولضمان متابعة عمليات التجنيد وانخراط أبناء هذه المدن بها.
يوضح “أ.ث” أحد سكان مدينة بانياس لـ نينار برس؛ أن عدد المصابين في الساحل يعد بالآلاف، لكن ليس هناك أية أرقام دقيقة عن حالات هذه الإصابات وماهي نسبة الحالات التي تسببت بعجز كامل أو الأقل ضرراً، فضلاً عن أن الأرقام كبيرة جداً وهذا ما يمكن ملاحظته أثناء زيارة أي مشفى أو نقطة طبية، موضحاً أن أعداد الجرحى توازي أعداد القتلى بشكل تقديري فهناك إحصائيات تشير إلى أن مدينة طرطوس قدمت 200 ألف قتيل وبذلك يمكن أن يكون عدد المصابين يقارب هذا الرقم.
تابع أن عمليات الإحصاء لمثل هذا الوضع ربما تشكل خطراً على الجهات التي سوف تقوم بها وتدفعها للمساءلة أمام النظام، وتتم جميعها بسرية تامة وتعود لجهات رسمية تابعة له، منوهاً إلى أن الوضع الأمني السيء يدفع الكثيرين للابتعاد عن هذا الأمر.
أوضاع صعبة:
يعيش معظم مصابي الحرب في الساحل ضمن أوضاع صعبة فمعظمهم لم يحصلوا على أية مساعدات تذكر أو رواتب جيدة تساعدهم في تدبر أمور حياتهم اليومية.
“أبو ثائر” والد أحد الشباب المصابين يقيم مدينة اللاذقية يتحدث عن وضع ولده الذي خسر قدميه أثناء خدمة العلم في جيش النظام، فهو حالياً غير قادر على العمل ويحتاج إلى علاج متواصل ولا يوجد أي تعويض له أو راتب ثابت معتبراً أن الجميع قد نسيه وليس هناك من يسأل عنه وهذا الأمر يتسبب بحالة نفسية سيئة بالنسبة له، منوها إلى أن الحديث عن المصابين قليل جداً ويسعى النظام للتغاضي عنه بشكل كبير، ويسعى إلى تهميشهم فهو منهار اقتصادياً ويعجز عن تعويض كل هؤلاء المصابين وتقديم مشاريع وخدمات دائمة لهم، وتسليط الضوء على أوضاعهم السيئة، هذا سيجعل الكثيرين محبطين ويرخي عزيمة من يقوم بتطويعهم وسحبهم حالياً للخدمة.
أضاف لنينار برس، أن موضوع المساعدات والدعم وفرص العمل جميعها تأتي لأصحاب الوساطات والرتب العالية، فضلاً عن الأولوية التي يحصل عليها عناصر الدفاع الوطني والمليشيات الرديفة لقوات الأسد، خصوصاً في مدن الساحل التي تسيطر عليها هذه القوات أكثر من سيطرة الجيش وقوى الأمن فجميعها تتبع لشخصيات من أقرباء بشار الأسد.
تعويضات النظام
قدم النظام العديد من التسهيلات والمساعدات لأسر القتلى والجرحى التابعين له في الساحل، لكن جميعها كانت بسيطة ولا تقدر بحجم الحاجات ويعود الأمر لعجزه عن تعويض هذه الأعداد الكبيرة ولحالة الانهيار الاقتصادية التي يعيشها، فلم يتم فتح مشاريع لهم أو تأمين فرص عمل دائمة، فضلاً عما نالته معظم هذه المساعدات من انتقادات وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي لسخافتها وبساطتها من قبل الموالين للنظام قبل المعارضين، منها تقديم ماعز وأغنام، وبعض صناديق البرتقال إضافة إلى تخفيضات على بطاقات النقل الداخلي، ورصيد من شركات الهاتف المحمول، كذلك حصل بعض ذويهم على وظائف كانت مخصصة للنساء بعقود لمدة ثلاثة أشهر وهذه كانت مقتصرة على أصحاب الوساطات، وبعض الرخص لفتح بسطات في الشوارع أو العمل في سيارات النقل العامة.
كذلك يتم توزيع مساعدات غذائية ومادية بسيطة لهم بين الحين والآخر أغلبها مقدمة من روسيا وإيران ويحصل عليها المصابون في القوات التي كانت تتبع لهم، إضافة إلى بعض التكريمات المعنوية والحفلات والأعراس الجماعية التي أقيمت لهم من قبل متبرعين منهم رامي مخلوف.
من جانبها أعلنت إحدى الصفحات الموالية للنظام على موقع فيسبوك أن مدينة “جبلة” وريفها، التابعة لمحافظة اللاذقية، قدّمت عشرين ألف قتيل، منذ بدء الثورة السورية على نظام الأسد. ونشرت صفحة “شبكة أخبار جبلة لحظة بلحظة” منشوراً مصوّراً يظهر سقوط عشرين ألف قتيل، من المدينة وريفها، وكذلك أشارت إلى عدد الجنود الموجودين الآن، في جيش النظام، وينحدرون من المدينة وريفها، ويبلغ عددهم أربعون ألف جندي، كما ذكرت الصفحة السابقة، وجاء المنشور بهدف العتب على النظام لعدم تقديمه خدمات وتعويض للمدينة لقاء ما قدمته، ولم يتم التطرق لعدد المصابين أو أية معلومات عنهم.
يشار إلى أن الأرقام والتقديرات بشأن خسائر النظام تختلف ما بين 400 و500 ألف قتيل، جلها من مدن الساحل التي انهارت بشرياً رغم عدم تعرضها للقصف والدمار.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”