fbpx

ثقافة الكراهية تنهش السوريين.. والسبب الإعلام

0 365

احتلّ “خطاب الكراهية” مؤخراً حيزاً واسعاً من ثقافة الشارع السوري، نتيجة تعرّض المجتمع لانتهاكات استهدفت وجوده ووحدته ومختلف مكوناته الإثنية والدينية والثقافية؛ منذ اندلاع الاحتجاجات في آذار/مارس 2011 وصولاً إلى هذا اليوم.
وتجدر بنا الإشارة إلى أنّ المفهوم العام لـ “خطاب الكراهية” لم يتمّ تناوله، بالصورة الصريحة، في المواثيق والقوانين الدّوليّة إلّا من باب النهي عن ممارسة أشكاله، نتيجة الخلط بين مفهوم خطاب الكراهية ومفهوم حرية التعبير عن الرأي وحقوق الإنسان.
ولم يعد انتشار الخطاب داخل الشارع السوري خافياً على القاصي والداني، حتى بات يهدّد ليس حاضر السوريين فحسب بل ومستقبلهم أيضاً، نظراً لتبنّي فئة واسعة من المثقفين والكتّاب والسياسيين والإعلاميين خطاباً موغلاً في التمييز والعنصرية والإلغاء، ونشر تفاصيل ذلك الخطاب سواء في مقالاتهم أو حواراتهم أو لقاءاتهم، أو على صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل (السوشال ميديا) الأكثر متابعة والأسرع وصولاً والأشدّ تأثيراً.
أسماءٌ كثيرة تساهم اليوم بنشر ثقافة الكراهية داخل مختلف الأوساط السورية، نتيجة الجهل، كما أشرنا، في فهم الفارق بين عبارات الكراهية وحرية التعبير، وبمجرد متابعة كتاباتهم وأنشطتهم ومنشوراتهم، تبرز أمامنا ملاحظتان اثنتان:
الأولى: نوعية، وتتمثل في تنوّع واختلاف محتويات ومضامين خطابات الكراهية الموجّهة للجمهور، تبعاً لميول أصحابها. بعضها ذات طابع ديني/سياسي، لا يخلو من النزعة الطائفية، وبعضها ذات طابع إيديولوجي/حزبي، وآخر قومي ومناطقي وفكري وثقافي وهلم جرّا.
الثانية: وهي كمّيّة، وتتجلى بتفوّق نسبة أصحاب التيارين القومي و(الديني/السياسي) على بقية التيارات والتوجّهات، وكذلك كثرة عددهم مقارنةً بأعداد المؤثرين من أصحاب التوجهات الأخرى. وتجدر الإشارة هنا بأن المقصودين بأصحاب التيار (الديني/السياسي) لا يشمل منتسبيه ومعتنقيه فحسب، بل كذلك أصحاب الخطاب المعادي والمتشدد في رفضه للأول.
وبالمقابل، برزت فئة من مختلف الشخصيات الفكرية والسياسية والإعلامية استطاعت الحفاظ على توازنها الوطني، رغم تعرّضها للعديد من المضايقات والانتقادات من الأطراف المعارضة والموالية على حد سواء. ولا تخلو منشوراتهم من خطابات التعايش المشترك ومفاهيم المواطنة المستندة على أسس المجتمع المدني الديموقراطي وسيادة القانون.
إلا أن أفراد هذه الفئة يبقون أقلّ نشاطاً وتأثيراً من أصحاب الفريق الأول، فغالبيتهم لا ينتمون لحزب أو تيار سياسي أو مؤسسة تقوم بدعمهم أو تتبنى خطابهم الوطني الجامع.
ولا شك من وجود رواسب ساهمت في نشوء خطاب الكراهية بين أفراد المجتمع السوري، ويمكن القول إن محفزاته قد بدأت من العائلة التي لا تراعي تربية الأبناء على احترام الآخر المختلف، وهناك مناطق سوريّة منغلقة على ذاتها ويسود فيها نمط ثقافي واجتماعي واحد، وتجهل حقيقة الآخرين، كانت فريسة سهلة للتحريض والكراهية، وأضحت لا تقبل الجديد وتتصادم معه وترفض الاندماج معه.
ولا يمكن إغفال المسؤولية التي اضطلعت بها المؤسسات التعليمية في تحديد مناهج تراعي التنوع والتعدد في مكونات المجتمع، ولا تعتمد على رأي الأغلبية فقط. والمؤسسة الدينية مسؤولة أيضاً عن هذا التدهور الأخلاقي لأنّ الخطاب الديني، المتشدد منه، يستدرّ العواطف لدى الجمهور ويعمل على إثارة الفوضى والفتنة والتّحريض والكراهية وصولاً إلى القتل.
وفي واقع المجتمعات التي تعيش حالات من الخلافات والمشاكل السياسية والاجتماعية، وحديثنا هنا مستمر عن الحالة السورية، من المحزن رؤية الإعلام يلعب دوراً في زعزعة السلام المجتمعي، وتأجيج لغة العداء والكراهية، بدل أن يمثّل الجانب التوعوي المناهض لتلك اللغة الهدّامة.
لذا، فنحن بأمسّ الحاجة اليوم لخطاب إعلامي إنساني جامع، يمثّل الركيزة الأساسية في بناء المجتمع السوري القائم على أسس المواطنة والعدالة ونبذ ثقافة الكراهية.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني