fbpx

ثقافة الجندرة: إضاءة على مواقف السوريين منها

0 400

تباينت الآراء والشروحات لمفهوم “الجندرة”، بين مؤيد لهذا المفهوم أو المصطلح الاجتماعي القديم المتجدد، وبين رافض له معتبرين أنه “مطية للشذوذ الجنسي”، ومنهم من رأى أنه مصطلح تم تحريفه بهدف تحرير المرأة، مشيرين إلى أنه تقليد أعمى لثقافة الغرب.
وحاولت عدة جهات أممية ومنظمات نسوية تعريف “الجندرة” بهدف إيصال الفكرة لمن يصعب عليه فهم هذا المصطلح، إذ عرّفت “منظمة الصحة العالمية” هذا المصطلح على أنه “المصطلح الذي يُفيد استعماله وصفَ الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية”.
فيما عرّفت بعض المواقع النسوية مصطلح “الجندرة” على أنه “نوع اجتماعي يتعلق بالأدوار المحددة اجتماعياً لكل من الذكر والأنثى، وهذه الأدوار تكتسب بالتعليم وتتغير مع مرور الزمن، وتختلف اختلافاً واسعاً داخل الثقافة الواحدة ومن ثقافة لأخرى، وهذا المصطلح يشير إلى الأدوار والمسؤوليات التي يحددها المجتمع للمرأة والرجل، وهو يعني أيضاً الصورة التي ينظر بها المجتمع للمرأة والرجل، وهذا ليس له علاقة بالاختلافات الجسديَة”.
ووسط كل هذا التباين حول مصطلح ومفهوم “الجندرة”، يثار التساؤل الأبرز حول نظرة السوريين له؟ وهل هم مع هذا المفهوم أم ضده ولماذا.
رصدت “نينار برس” آراء بعض الشخصيات السورية الموجودة سواء في تركيا أو حتى في أوروبا حول نظرتهم لمفهوم “الجندرة”، وتوضيح موقفهم منه.
الإعلامية “مي الحمصي” قالت: “بالتأكيد أنا مع المفهوم، وإذا سألتني أن هناك تقصير في هذا الأمر من قبل المنظمات وخاصة النسوية، فجوابي أن نتائج الاستطلاعات هي من يحكم، ففي المناطق المحررة في الداخل السوري وعلى الرغم من عمل عدد من المؤسسات النسوية إلا أن صوت المرأة ما يزال ضعيفا مقارنة مع المأمول”.
وأضافت “الحمصي” “بالمقابل لا يمكنني نكران أن للمرأة السورية دور واضح بعد اندلاع الثورة، ولا يمكنني أن أنكر أنها تخلصت من الكثير من القيود وأصبحنا نراها في ميادين العمل والحياة العامة بمختلف أنواعها، ومع ذلك يبقى الأمر دون المأمول وبجميع الحالات المشوار ما يزال طويلاً”.
وتابعت “الحمصي” قائلة: “دعنا نعرّف أن (الجندر) يعني الدور الاجتماعي وماذا يقدم الفرد لمجتمعه، وبالتالي نحن أبناء دولة أنهكتها الحرب ما بعد الثورة، بحاجة لجهود جميع الأفراد لإعادة البناء بغض النظر عن الجنس”.
وأوضحت أن “ما ذكر يتعلق بالحالة السورية، أما في العموم ولأنني مع نيل المرأة كامل حقوقها وبالعدل وكذلك الفئات المهمشة بالمجتمع، فأنا مع ترسيخ مبادئ الجندرة التي تتفق مع مجتمعاتنا”.
وحسب مصادر مهتمة بمفهوم “الجندرة” أشارت إلى أن “مفهوم النوع الاجتماعي أو الجندر انتشر في الغرب في القرن التاسع عشر من خلال ثلاثة موجات نسوية التوجه ظهرت في أمريكيا الشمالية، ومن ثم انتقلت إلى أوروبا الغربية عام 1988، حيث طالبت النسويات بالمساواة بين الرجل والمرأة في الواجبات والحقوق، لذلك فهو مفهوم يعتبر غربي الجنسية وشرقي الملامح”.
وفي هذا الصدد قال طالب العلوم السياسية في إحدى جامعات إسطنبول “إبراهيم الهايل”، إن “هنالك مغالطة كبيرة في فهم قضية (الجندرة) على أنها دعوة للإباحية الجنسية، وهذا بالتالي يرجع لطبيعة المجتمعات الشرقية الذكورية التي تعزز من دور الأب والأطفال الذكور في الأسرة، وصولاً إلى أعلى المستويات الاجتماعية والثقافية في المجتمع”.
وأضاف “أعتقد أنه من الضروري فهم الخلفية التاريخية للجندرة التي بدأت بالتشكل مع موجات الحركات النسائية العالمية، والتي طالبت بالحصول على حقوق أوسع للمرأة وتحسين ظروف عملها على الأصعدة كافة ابتداء بالمصانع وورشات العمل، وليس انتهاء بكفاحها للحصول على حقها في المشاركة في الانتخابات واستخدام صوتها في عملية التصويت”.
وتابع “على العموم يجب ألا نغفل الفروقات المتعلقة بالمصطلح والتي لا تناسب المجتمعات العربية والشرقية على وجه العموم، والتي تشكل الأسرة النواة الأولى في تشكيلها مع الحفاظ على خصائص ووظائف أفرادها من الجنسين، وهذا ما تحاجج به المجتمعات المسلمة على نظيرتها الغربية بأن إحداث هوة بين الجنسين، من خلال فهم كل جنس لخصائصه وقدراته ومهامه يؤدي لتحديد العلاقات بينهما على أساس التصادم وليس التكامل”.
وأشار إلى أنه “عند الحديث عن (الجندرية) لا يمكننا أن نتغاضى عن أنها جمعت تحت لوائها جميع الحركات والأقليات الاجتماعية المضطهدة، سواء على أساس العرق أو الجنس أو حتى في مرحلة لاحقة الميول الجنسية”.
وأختم بالقول: “أعتقد أنه لابدّ من تصحيح مفهوم (الجندرية) في فكر المجتمع، خصوصاً في ظل هذا التطور المتسارع الذي يشهده العالم، والذي يتجه نحو الانفتاح والحرية بشكل أكبر، وأعتقد أنه من الأفضل مراجعة هذا المفهوم والعمل على تمكين المرأة إضافة إلى الأقليات الاجتماعية الأخرى بشكل أقوى، وذلك من الممكن أن يحصل فقط في مجتمع متحرر وديمقراطي ويمتلك القدرة الكافية على إنتاج فكر جديد، قادر على تقبل الآخر وتقبل ثقافة المساوة بين الجنسين، عندها من الممكن أن يحكم في ضوء تجربته الخاصة على (الجندرة) وعلى مواضيع أخرى تبقى عالقة على البحث والتطبيق في ظل الظروف الحالية التي تعيشها المجتمعات العربية، في ذلك الوقت فقط باستطاعتنا أن نتقبل أي ثقافة سواء كانت (الجندرة) أو غيرها”.
أما الصحفي الكردي “سردار ملا درويش” فرأى أن “ثقافة (الجندر) تمنح توازناً للمجتمع. تعني التشاركية، وأيضاً هناك اتزان في آلية التعامل المجتمعي، فعندما تكون المرأة ويكون الرجل ندرك مدى قوة المجتمع وصلابته، وأيضاً تقدمه وتطوره، لكن لا ينجح المجتمع بطرف على حساب الآخر”.
ووسط كل ما ذكر تجدر الإشارة إلى ضرورة التفريق، حسب مهتمين، ما بين مصطلح “الجنس” الذي يشير إلى التقسيم البيولوجي بين الذكر والأنثى، وبين “الجندرة” الذي يشير إلى التقسيم الاجتماعي من حيث الذكورة والأنوثة وليس من خلال التقسيم البيولوجي.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني