fbpx

تيرميناتور

0 216

إبراهيم الجبين

صحيفة العرب 18 فبراير 2022

القصة بالطبع مرتبطة بآرنولد شوارزينغر، نجم مطلع الثمانينيات وصاحب الملصقات الحماسية على جدران مراهقتنا، والذي حمل أسماء مثل “الماحي” و”المبيد”، والذي لم أكن قد شاهدتُ الجزء الأحدث من سلسلة أفلامه تلك إلا مؤخرا، وظهوره متقدما بالسن في فيلم جديد عن فيلمه الكبير الأول حين عاد من المستقبل لمحو سارة كونور.

غير أن مبيدي الشخصي من نوع مختلف، فبدلاً من محاربة المن الذي يعشش على شجرة التفاح اليانعة في حديقة منزلي، نصحني صديقي المهندس الزراعي المخضرم أسامة آغي وهو قاص وصحافي مرموق، بالابتعاد عن المواد الكيمائية، وقال واثقاً من نفسه إن الحل الأفضل هو اللجوءُ إلى أبي نواس “وداوها بالتي كانت هي الداءُ”. قلت: لم أفهم. فقال: يجب أن تشتري كائنات حية مجهرية وتنثرها على جسم الشجرة، فتنتشر بسرعة، ليس فقط في حديقتك بل في حديقة الجيران وفي الحيّ، وربما في المدينة كلّها، لأن تكاثرها كثيف جداً، فتقوم بإبادة الكثير من الأصناف الضارة التي تتطفل على الأشجار.

ولأني أبعد ما أكون عن هذه الأمور، لم أستطع تصوّر الأمر إلا على طريقة صاحبنا أرنولد. وبدأ الخيال العلمي بنسج حبكة مثيرة تبدأ عندما أنفذ وصية أسامة، وأرشّ تلك القطرات فوق غصن التفاحة مع موسيقى تشويقية، حتى أني صرتُ أرى الأشياء باللونين الأحمر والأسود كما تفعل نظارات الأشعة التي تكشف الأمور والخفايا.

بقيتُ متردداً، فمن أين سأحصل أساساً على سلاح بيولوجي مثل هذا؟ كيف سأطلبه من الصيدلانية الألمانية؟ هل عندكم كائنات مدمّرة يمكن تسليطها على كائنات أخرى لإبادتها؟ عادة يتجمّد عقلها حين أحاول شرح ما هو أبسط من ذلك، فكيف بمثل هذا المشروع النازي ضد الكائنات المجهرية؟ وماذا لو فعلتُ حقا ثم تحولت تلك الكائنات المبيدة إلى مشكلة هي الأخرى؟ هل سأضطر للاستعانة بجيل أكثر شراسة لإبادتها؟

تداخلت السينما مع حياتنا تداخلاً كبيراً، حتى أننا لم نعد نميّز بين الحقيقة السينمائية وتلك الواقعية، حتى في قصص الحب والبطولات والأكشن، ولعل غالبية أفكارنا عن الأبطال قادمة من السينما، وعن الزعماء والمنقذين والمخلّصين من المصائب، ومع الوقت صار أبطال الواقع أنفسهم يقلّدون أبطال السينما، فيبحثون عن بطولات سياسية واقتصادية وعسكرية مثلما يجري في السينما، ولها ديكورها ومؤثراتها البصرية وخدعها وكومبارساتها ومخرجوها. وكثيراً ما يستخدم المخرجون أبطالاً من البدلاء يحلون في المواقف الصعبة في محل الأبطال الحقيقيين من الزعماء السياسيين، حتى لا يتعرض الزعيم للخطر إذا اتخذ موقفاً شجاعاً في يوم من الأيام.

ما زلتُ حتى الآن أتفاوض مع أسامة، لتغيير أقواله، والابتعاد عن مثل تلك الأفكار، واقتراح حلول أخرى تكون سلمية. فالحكاية أبسط من مثل هذه الأفلام.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني