توصيف حالة الصراع في حوض الفرات إيران – القوات الأمريكية
سنقوم في هذه الورقة بذكر عدة نقاط توصف حالة الصراع بين الميليشيات الإيرانية والقوات الأمريكية، من خلال عدة بنود ونقاط تتضمن حجم القوات العسكرية الأمريكية والإيرانية وماهية ونوعية هذه القوات، إضافة إلى البعد الاستراتيجي للقوى العسكرية الموجودة في المنطقة الشرقية، والخطوات العسكرية المتخذة من قبل القوات الأمريكية لمواجهة تمدد وانتشار الميليشيات الإيرانية.
نقاط تمركز القوى العسكرية في المنطقة الشرقية:
الميليشيات الإيرانية:
تنتشر الميليشيات الإيرانية بشكل كبير في المنطقة الشرقية وخصوصا في محافظة دير الزور وأريافها وفي محافظة الرقة ثانياً وأقل وجوداً في محافظة الحسكة مقارنة بالمحافظتين السابقتين، حيث تتمركز الميليشيات الإيرانية في محافظة دير الزور وأريافها عبر نقاط عسكرية مستقلة وقواعد عسكرية تتبع للحرس الثوري الإيراني ومئات المقرات العسكرية والأمنية وداخل ثكنات النظام السوري العسكرية، عدا عن الوجود الدعوي والثقافي من خلال مراكز ثقافية ودعوية تعمل على إجراء تغيير إيديولوجي في المنطقة الشرقية بشكل عام، عدا عن ذلك فهناك أكثر من 22 ميليشيا محلية موالية لإيران تتمركز في المحافظة وأريافها وهي ممولة بشكل كامل من الحرس الثوري الإيراني.
أما في محافظة الرقة فتوجد الميليشيات الإيرانية في قرى ريف الرقة الشرقي الملاصقة
للبادية السورية، وخصوصا بلدات) معدان – السبخة – غانم العلي – الخمسية (وهي قرى فاصلة بين مناطق سيطرة قسد من طرف ومناطق سيطرة النظام السوري من طرف آخر.
وفي محافظة الحسكة فقد بدأت مؤخرا الميليشيات الإيرانية بتعزيز وجودها العسكري في مدينة القامشلي بريف الحسكة وبعض القرى التابعة للقامشلي، وتوجد في المواقع العسكرية التابعة للنظام السوري قرب مطار القامشلي وفي بلدة هيمو (الحرس الثوري الإيراني – ميليشيات محلية موالية لإيران – قيادات محلية في الدفاع الوطني تابعة لإيران).
التحالف الدولي:
قوات التحالف الدولي منتشرة في كافة محافظات المنطقة الشرقية ضمن مناطق سيطرة قسد، وأبرز النقاط العسكرية للتحالف الدولي والقوات الأمريكية التي توجد بالقرب من مناطق سيطرة ونفوذ الميليشيات الإيرانية) قاعدة حقل العمر النفطية – بادية هجين (إضافة لعدد من النقاط والقوات العسكرية المتنقلة للتحالف الدولي في ضفة نهر الفرات المقابلة لمواقع سيطرة الميليشيات الإيرانية، ولكن يعتبر وجود التحالف الدولي والقوات الأمريكية في حقل العمر النفطي هو الأبرز والأهم لمواجهة النفوذ الإيراني بالمنطقة.
وفي أرياف الحسكة تقوم قوات التحالف الدولي بتسيير الدوريات العسكرية في محيط القامشلي وبمناطق سيطرة قسد، وتراقب بشكل مستمر تطورات الأوضاع العسكرية الإيرانية والروسية في مدينة القامشلي والبلدات التابعة لها.
ماهية القوى العسكرية في المنطقة الشرقية:
الميليشيات الإيرانية:
نقاط الميليشيات الإيرانية الموجودة في المنطقة الشرقية متنوعة وتحمل أهداف مختلفة حسب موقعها الجغرافي، فمثلاً الميليشيات التي توجد في البوكمال والميادين بريف دير
الزور هدفها الرئيسي تأمين النشاط الإيراني المتعلق بإدخال الأسلحة من العراق إلى سورية وحماية النشاطات الاقتصادية الإيرانية، وتثبيت النفوذ العسكري للميليشيات الإيرانية في أرياف دير الزور واتخاذ هذه المدن والبلدات نقطة قيادة عسكرية رئيسية للميليشيات الإيرانية كافة في سورية، بينما الميليشيات الإيرانية التي توجد في قرى وبلدات ريف دير الزور) العباس – السيال – الجلاء – العشارة – محكان (فهي قوات هجومية وتحركاتها وانتشارها في المنطقة تدل على نوايا هجومية، من خلال المتابعة والرصد لانتشار الميليشيات بالمنطقة تبين أن أعداد المقاتلين ونوعية سلاحهم وتمركز نقاطهم تهدف إلى تحقيق تفوق عسكري ضد التحالف الدولي والميليشيات الكردية وتشكيل رادع عسكري لحماية النقاط العسكرية الإيرانية في عموم أرياف دير الزور، أما الهدف من وجود الميليشيات الإيرانية في ريف الرقة الشرقي فهو الضغط على التحالف الدولي وقسد من ناحية، واتخاذ المنطقة نقطة انطلاق عسكرية ضد خلايا تنظيم داعش بالبادية السورية، وفي القامشلي بريف الحسكة فالهدف موضع موطئ قدم بريف الحسكة والتغلغل عسكريا مع مرور الأيام والتنافس مع روسيا عسكريا في هذه المنطقة أيضاً.
التحالف الدولي:
قوات التحالف الدولي المنتشرة في المنطقة الشرقية بمعظمها قوات دفاعية وحماية للمنطقة من كافة القوى العسكرية، أما القواعد والنقاط العسكرية الموجودة بالقرب من مناطق سيطرة الميليشيات الإيرانية فهي تحمل الطابعين الدفاعي والهجومي للحد من التغلغل والانتشار الإيراني بالمنطقة ومنع الميليشيات من التسلل إلى مناطق قسد والقيام بنشاطات اقتصادية وعمليات تهريب تساعد في تمويل الميليشيات الإيرانية.
روسيا:
تكاد الميليشيات الروسية أن تكون غير موجودة في أرياف دير الزور باستثناء بعض الميليشيات المحلية التابعة لها ودوريات للشرطة العسكرية الروسية، والسبب هو الوجود الكبير للميليشيات الإيرانية بالمنطقة والتنافس مع روسيا لمنع ميليشياتها من الانتشار في أرياف دير ال زور وخصوصا قرب البلدات والمناطق الحدودية مع العراق والمقابلة لمناطق سيطرة قسد كي لا يتم تعطيل نشاطاتها الاقتصادية والعسكرية، أما في الحسكة فإن الميليشيات الروسية توجد بقوات هجومية ودفاعية كبير وخصوصا في القامشلي وأريافها وبأرياف الرقة الشمالي والجنوبي، في محاولة من روسيا بسط نفوذها العسكري على مناطق سيطرة قسد وجعلها ورقة تفاوض مع التحالف الدولي، وقد انسحبت قبل عدة أسابيع الميليشيات الروسية من قرى وبلدات في ريف الرقة الشرقي لعدم أهمية المنطقة لروسيا وكونها نقطة اشتباك مباشر مع خلايا داعش في البادية السورية، وتركت المواقع لصالح الميليشيات الإيرانية والهدف إشغال واستنزاف الميليشيات الإيرانية بقتال خلايا تنظيم داعش في المنطقة.
النظام السوري:
النظام السوري يوجد بشكل كبير في أرياف الرقة الشمالي والغربي والجنوبي وريف الحسكة الشمالي، بينما توجد بعض القوات العسكرية للنظام في أرياف دير الزور، والتي ليس لها أي تأثير عسكري يذكر مقارنة بالميليشيات الإيرانية، وقوات النظام التي توجد في أرياف الرقة هي قوات هجومية وخصوصاً في ريفي الرقة الجنوبي والشمالي بهدف قتال تنظيم داعش وتأمين خطوط نقل النفط القادم من مناطق سيطرة قسد قرب بلدة الرصافة، وإعادة الوجود العسكري في ريف الرقة الشمالي وريف الحسكة الشمالي من خلال تعزيز نقاط عسكرية في بلدات (تل تمر – القامشلي – عين عيسى) والهدف الأهم للوجود العسكري للنظام بهذه المنطقة منع الجيش التركي والجيش الوطني من القيام بعمليات عسكرية بحكم وجود ميليشيات إرهابية في المنطقة، وبذات الوقت يكون النظام قد استعاد أجزاء جديدة لصالحه بالتفاهم مع قسد.
الخطوات العسكرية التي تقوم بها قوات التحالف الدولي لمواجهة الميليشيات الإيرانية: اتخذت القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي عدة خطوات لمواجهة الميليشيات الإيرانية في المنطقة الشرقية عسكريا واقتصاديا وكانت الخطوات على النحو التالي:
- تصعيد الهجمات العسكري ة الجوية والصاروخية على مواقع الميليشيات الإيرانية في ريف دير الزور وتدمير مستودعات الأسلحة والمواقع الاستراتيجية واستهداف القادة العسكريين التابعين للحرس الثوري الإيراني المؤثرين والمهمين على صعيد تنظيم عمل الميليشيات الإيرانية في سورية.
- منع الميليشيات الإيرانية من أي تمدد عسكري باتجاه مناطق سيطرة قسد من خلال وضع نقاط عسكرية مؤقتة بشكل مستمر في كافة البلدات المقابلة لمناطق سيطرة الميليشيات الإيرانية.
- متابعة كافة الأرتال العسكرية وشحنات التجارة والتهريب التي تقوم بها الميليشيات الإيرانية التي تدخل من العراق إلى سورية عبر المعابر الغير شرعية والعمل على تدميرها بشكل مستمر.
استراتيجية الميليشيات الإيرانية بالمنطقة:
كما ذكرنا لكم أعلاه أن الميليشيات الإيرانية لديها عدة أهداف استراتيجية بالمنطقة منها:
- أهداف عسكرية من أجل السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من محافظات المنطقة الشرقية والتمدد نحو محافظتي الرقة والحسكة على حساب القوى العسكرية كافة، والإضرار بمصالح القوات الأمريكية.
- هدف اقتصادي للسيطرة على كافة الطرق المستخدمة في نقل البضائع والأسلحة والنفط بين مناطق سيطرة قسد ومناطق سيطرة النظام السوري، إضافة لمحاولة الميليشيات السيطرة على الآبار النفطية وطرق التهريب غير الشرعية.
- الحصول على مكاسب سياسية عبر الضغط على القوات الأمريكية عسكرياً في المنطقة الشرقية من خلال تهديد مصالحها العسكرية والاقتصادية.
- إجراء تغيير إيديولوجي في المنطقة عبر تشييع السكان المحليين، والسيطرة على منازل وممتلكات المدنيين المهجرين من المنطقة واستقدام عوائل إيرانية ووضعها في هذه العقارات والأملاك بغية إجراء تغيير ديمغرافي.
الأهداف الاستراتيجية للعمليات العسكرية الإسرائيلية الجوية:
يقوم سلاح الجو الإسرائيلي باستهداف متكرر لمواقع الميليشيات الإيرانية في المحافظات السورية كافة ومنها مواقع وثكنات وأرتال عسكرية للميليشيات الإيرانية في المنطقة الشرقية، ولاسيما في البوكمال والميادين بريف دير الزور وقرب القرى الواصلة بين محافظة الرقة والبادية السورية، ويوجد العديد من الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل من هذه العمليات منها:
وقف الإمدادات العسكرية للميليشيات الإيرانية بين المحافظات السورية وخصوصا أرتال الشحنات القادمة من شرق سورية إلى الجنوب السوري.
استهداف معسكرات ومواقع تجربة الأسلحة الإيرانية لكبح القدرة الصاروخية وتدمير الطائرات المسيرة الإيرانية التي تعمل إيران على تطويرها في الأراضي السورية.
منع إيران من التمدد عسكريا في البادية السورية التي تسعى إليها الميليشيات لتأمين طرق تهريب بديلة عن الطرق الرئيسية التي باتت مستهدفة بشكل دائم من قبل القوات الأمريكية والطيران الإسرائيلي.
محاولة استهداف الخبراء الإيرانيين المسؤولين عن تطوير الأسلحة الإيرانية، وهؤلاء الخبراء يقيمون في أرياف دير الزور قبل توجههم إلى معامل الدفاع في حلب ومراكز البحوث العلمية في دمشق وحلب.
خلاصة:
بالمجمل لا يمكن وصف حالة الصراع الإيراني – الأمريكي في شرق الفرات بأنها من الدرجة البسيطة وذلك لكثرة المدخلات والمخرجات المؤثرة ولكثرة الفاعلين المحليين وصعوبة ضبطهم ولتأثر هذه الحالة بملفات خارج الحدود السورية، ويمكن توصيفها بعدة مستويات منها:
- حالة معقدة ومتداخلة ذات أبعاد جيوسياسية
- رغبة بالحفاظ قدر المستطاع على مناطق النفوذ.
- حاجة لتخفيف حدة التوتر ونسب الصدام المباشر.
تحقيق حالة من الردع العسكري.
- تغييب الفواعل المحلية ذات البعد الوطني والثوري والعمل على خلق قوى محلية سياسية وعسكرية واجتماعية تخدم الحالة.
- إبقاء العامل الإسرائيلي خارج الصراع وتحييد تأثيره على ردات الفعل العسكرية.
- إبقاء نقاط التلاقي والتقاطع بناء على متغيرات داخلية وخارجية.
خرائط انتشار الميليشيات الإيرانية والتحالف الدولي في أرياف دير الزور:
تمركز الميليشيات الإيرانية في ريف الرقة الشرقي: (معدان – الخمسية – غانم العلي – السبخة)
خريطة الانتشار العسكري في المنطقة الشرقية