fbpx

تنامي ظاهرة التسول في الشمال السوري

0 361

يعيش ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﻫﺎﻟﻲ إدلب أوضاعاً معيشية متردية، الأمر الذي أدى إلى انتشار ظاهرة ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ، حيث ﻳﻨﺘﺸﺮ عشرات المتسولين من ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﺮﺍﺣﻞ ﺍﻟﻌﻤﺮﻳﺔ ﻣﻦ ﺃﻃﻔﺎﻝ ﻭﻧﺴﺎﺀ ﻭﺷﻴﻮﺥ ﻃﻠﺒﺎً ﻟﻠﻤﺴﺎعدة، ﻭﺁخرون يقومون ﺑﺒﻴﻊ البسكويت أو ﺍﻟﻤﻨﺎﺩﻳﻞ ﺍﻟﻮﺭﻗﻴﺔ، فمن يمشي ﺑﻀﻊ ﺧﻄﻮﺍﺕ ﻓﻲ ﺷﻮﺍﺭﻉ مدينة إدلب تباغته مشاهد ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻭﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﺴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻮﻗﻔﻮﻥ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ لإثارة عطفهم وﺗﺴﻮﻝ بعض ﺍﻟﻨﻘﻮﺩ.

ليس التسول بجديد على المجتمع السوري، لكن أسباب عدة أدت إلى ازدياد الظاهرة بشكل ملحوظ في ظل الحرب، منها الغلاء والبطالة ﻭﺍﻟﺘﺴﺮﺏ ﺍﻟﻤﺪﺭسي، وﺗﺮﺩﻱ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ.

أم يوسف نازحة من ريف حماة إلى مدينة إدلب دفعت ولدها ﺇﻟﻰ التسول في ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﻟﻴﺴﺎﻋﺪها ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ ﺑﻌﺪ وفاة ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻓﻲ الحرب، حيث ضحت ﺑﺪﺭﺍسته ﻣﻦ ﺃﺟﻞ إبعاد الجوع عنه وعن إخوته الصغار، فما يحصل ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ شوارع ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻤﻜﺘﻈﺔ بالسكان ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﺪ ﺭﻣﻖ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮﺓ.

عائلة أم يوسف ﻣﻦ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﺳﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺩﻓﻌﺖ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺧﺎﺭﺝ ﻗﺮﺍﻫﺎ ﻭﺑﻠﺪﺍﺗﻬﺎ، ﻭمنها من فقدت معيلها نتيجة موت أو اعتقال، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺩﻓﻊ ﺑﺄﺑﻨﺎﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺎﺋﻼﺕ ﻭﻧﺴﺎﺋﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ للبقاء على قيد الحياة.
أم محمد ليست أفضل حالاً، حيث تذهب برفقة أبنائها الصغار إلى السوق الشعبي في مدينة سرمدا لاستجداء عطف المارة وتحصيل قوت يومها وعن سبب ذلك تقول ل نينار: “أصيب زوجي بشظية في عموده الفقري أقعدته عن العمل، ولم أجد عملاً أساعد به أسرتي، لذلك أضطر للتسول لتأمين نفقات أبنائي.”
تبين أم محمد أن المهنة معيبة، وفيها الكثير من الذل والهوان، لكن الجوع دفعها إليها، مؤكدة أن من حق أبنائها أن ﻳﺄﻛﻠﻮﺍ ﻭﻳﺤﺼﻠﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻑﺀ ﻋﻠﻰ ﺃﻗﻞ ﺗﻘﺪﻳﺮ، ﻭﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻋﻤﻞ ﻳﻠﺒﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ، ﺭﻳﺜﻤﺎ ﻳﻜﺒﺮ ﺃبناؤها ﻭﻳﺼﺒﺤﻮﻥ ﻗﺎﺩﺭﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﻛﺴﺐ ﺍﻟﻤﺎﻝ ‏.
المرشدة النفسية عبيدة الحسن من معرة النعمان تتحدث عن مخاطر ظاهرة التسول بقولها: “ظرﻭﻑ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﻨﻬﺎ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻷﺳﺪ ﺿﺪ ﺷﻌﺒﻪ ﺍﻟﺜﺎﺋﺮ، وﻣﺎ ﺧﻠﻔﺘﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻣﻦ ﺃﺭﺍﻣﻞ ﻭﺃﻳﺘﺎﻡ ﻭﻣﺼﺎﺑﻴﻦ ﺑﻌﺎﻫﺎﺕ ﻣﺴﺘﺪﻳﻤﺔ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻇﺮﻭﻑ ﺍﻟﺘﺸﺮﺩ ﻭﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ ﻷﺭﺯﺍﻗﻬﻢ وأﻋﻤﺎﻟﻬﻢ، كلها أسباب أدت ﺇﻟﻰ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ، وجعلت ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ يلجؤون لطلب ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﻣﻦ ﻋﺎﻣﺔ ﺍﻟﻨﺎﺱ، أما مبررات ﺍﺳﺘﺠﺪﺍﺋﻬﻢ فهي كثيرة منها ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﺠﺰ ﺃﻭ ﺳﻮﺀ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﻲ، لذلك ﻓﺈﻥ ممارسو عادة ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ ينتشرون ﻋﻠﻰ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﻄﺮﻗﺎﺕ ﻭﺍﻷﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻨﺘﻈﺮﻳﻦ ﻋﻄﻒ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻴﻬﻢ.”
وتتابع الحسن قائلة: “ﻻ ﻳﻘﺘﺼﺮ التسوﻝ ﻋﻠﻰ ﺑﺴﻂ الأيدي ﻭﺍﺳﺘﺠﺪﺍﺀ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺘﻤﺎﺱ ﻛﺮﻡ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ، ﺑﻞ ﻳﺘﻨﻜﺮ ﻋﻠﻰ هيئة بيع إحدى السلع ﻭﻣﺴﺢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺪﺭﺝ ﺗﺤﺖ اسم ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ ﺍﻟﻤﻘﻨﻊ، ﺣﻴﺚ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﺻﺮﺍﺭﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺑﻴﻊ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻭﻣﻼﺣﻘﺘﻬﻢ ﻟﻠﻤﺎﺭّﺓ ﺗﺪﻓﻊ ﻟﻮﺻﻒ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺑﺎﻟﺘﺴﻮﻝ ﺑﻌﻴﺪاً ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﺒﻴﻊ.

وﻛﺜﻴﺮﺍً ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺘﺮ ﺧﻠﻒ ظاﻫﺮﺓ التسول ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﺮﺳﺖ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻣﺨﺎﻭﻑ ﻭﺃﺧﻄﺎﺭ ﺗﻌﺮﺽ ﻫﺆﻻﺀ ﺍلمتسولين ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻄﻒ ﻭﺍﻹﺗﺠﺎﺭ ﺑﻬﻢ ﻭﺑﻴﻊ ﺃﻋﻀﺎﺋﻬﻢ ﻭﺍﺳﺘﺪﺭﺍﺟﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻓﺨﺎﺥ ﺍﻹﺩﻣﺎﻥ ﻭﺍﻻﺳﺘﻐﻼﻝ ﺍﻟﺠﻨﺴﻲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺣﻔﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻘﻮﺩ.”
وتشير الحسن إلى أنه من الواجب إعادة الأطفال إلى مدارسهم، وتأمين حاجاتهم لإكمال تعليمهم، وإدخال النساء المعيلات في ورشات تدريب مهنية، وتوعية الأهالي من خطورة الظاهرة.
ﺍﻟﺘﺴﻮﻝ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ المجتمعية الخطيرة التي فرضها الفقر وﺍﻻﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻟﻸﺳﻌﺎﺭ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻋﺪﻡ ﺗﻮﻓﺮ ﻓﺮﺹ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﻓﻘﺪﺍﻥ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﺔ، وزيادة متطلبات الحياة التي أصبحت صعبة المنال في ظل حرب فتكت بالبشر والحجر.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني