تمثيل السوريين مناطقياً
وجه المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية عبر صفحته الإلكترونية ومنصته على فيس بوك دعوة للسوريين لإيجاد ممثلين لهم، بعد فشل جميع الهياكل المعارضة والرسمية في تمثيلهم لصالح تمثيل مصالح الأطراف الإقليمية والدولية الداعمة لها. وذلك انطلاقاً من تجربة أهالي مدينة يبرود السورية، الذين قاموا باستثمار برامج الفضاء الإلكتروني لتجميع أنفسهم وانتخاب ممثليهم، عبر انتخابات إلكترونية جرى خلالها التأكد من هوية المنتخبين وصحة معلوماتهم الشخصية، ليشارك في الانتخابات قرابة ثلاثة آلاف سوري من مدينة يبرود بغض النظر عن أماكن إقامتهم الحالية، منتخبين هيئة مكونة من 23 شخص لتمثيل مدينة يبرود سياسياً، والعمل على مساعدة اليبروديين وإيجاد الحلول الممكنة لهم بكل المجالات.
حيث تعتمد هذه المبادرة اليبرودية على متانة العلاقات الاجتماعية بين سكان المنطقة، ما ساعد المنتخبين على تحديد ممثليهم، لكن هل يكفي ذلك لتحديد ممثلي المدينة؟ وهل تصح الدعوة لمحاكاة هذه التجربة الفريدة في باقي المناطق السورية؟ وهل يمكن الانطلاق من لجان مناطقية تمثيلية لتشكيل مجلس أو هيئة سورية تمثيلية جامعة؟ فمن المبكر جداً الآن الحكم على نجاح التجربة اليبرودية من عدمه، لأن انتخاب الهيئة التمثيلية بمثابة نجاح إجرائي نسبي، لا يضمن نجاح اللجنة لاحقاً في تمثيل اليبروديين والدفاع عن حقوقهم وحل مشاكلهم، وهو ما يتطلب فترة من الزمن قد تطول قليلاً. كما هناك حاجة للتدقيق قليلاً في شرعية العملية الانتخابية عبر التدقيق في حجم العينة المنتخبة قياساً لمجمل سكان يبرود ممن يحق لهم الانتخاب، كما لابد من إلقاء نظرة على حجم مشاركة المرأة والشباب وكيفية تمثيلهم، فضلاً عن طبيعة الجو الانتخابي، فهل كانت سمته العامة ذات ملمح عائلي إثني؛ عرقي؛ ديني؛ يعبر عن طبيعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي كانت مسيطرة على المدينة وسكانها، أم تعكس الرؤى السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتباينة بين سكان المدينة.
إذ تعبر الأسئلة السابقة عن فحوى العملية الانتخابية بدقة، وبالتالي يصعب علينا الآن تحديد مدى نجاحها من عدمه دون الاطلاع على هذه المعطيات، وهو ما نأمل من المركز السوري تسليط الضوء عليه في القريب العاجل، عبر استقصاء الحقائق وتحليلها موضوعياً دون أي تحيز، بغرض الاستفادة من هذه التجربة المناطقية بعد تدارك مواضع الخلل المحتملة فيها، سواء كانت ذاتية الأسباب أم موضوعية بحكم الظرف السوري غير المساعد لمثل هذه التجارب المميزة. وعليه فمن المبكر الآن الاستعجال في الدعوة لتكرار هذه التجربة، لما قد يسفر عنه من توارد وتراكم في مواضع الخلل المحتملة، والتي سوف تنعكس تلقائياً في تركيبة الهيئات الانتخابية المناطقية أولاً والوطنية ثانية، على فرض النجاح بسلاسة في تطبيق ذات التجربة على امتداد المدن والبلدات السورية، وفي تجميع هذه الهيئات ضمن مجلس سوري شامل ينتخب هيئته التمثيلية الوطنية.
فمن الخطأ البناء المتسرع على أي عملية انتخابية مهما صغرت أو كبرت دون التيقن من إيفائها لكامل الشروط والظروف الانتخابية، وخصوصاً في الحالة السورية، لأنه قد يعود على السوريين بوابل من المصائب الجديدة. ثم لابد من البحث بجدية في آليات المحاسبة والمساءلة الشعبية لهذه الهيئات الانتخابية وفق قواعدها التمثيلية المناطقية، فغياب هذه التفاصيل يفتح الباب واسعاً أمام القوى الإقليمية والدولية لشراء ذمم جزء من المنتخبين ربما، وتحويلهم من ممثلين للمناطق السورية إلى ممثلين للمصالح الخارجية، تماماً كنظرائهم في غالبية الهيئات التي تدعي تمثيل السوريين.
بمعنى أنه لا خلاف حول أهمية تمثيل السوريين استناداً إلى عملية انتخابية حقيقية، كما لا خلاف حول أهمية الانتخابات المناطقية المحلية كخطوة أولى في مسار انتخابي شاق وطويل، يفضي إلى انتخاب هيئة تمثيلية سورية وطنية تعنى بحمل مطالب وأهداف الفئات الشعبية السورية، لتناضل من أجلها وتقود النضال السوري من أجل المصلحة الوطنية السورية. لكن وكما يقول المثل فإن الشيطان يكمن في التفاصيل، فالتفاصيل هي التي تحدد إن كانت العملية الانتخابية مجرد إجراء جديد يؤشر على سيطرة البنى التقليدية الشعبية ذات الامتداد العشائري أو الديني أو العرقي أو سواها، أم هي خطوة أولى في مسار سياسي ديمقراطي يستند إلى شرعية شعبية تمثيلية وطنية، تراقبه وتحاسبه منذ اليوم الأول لانتخابه، لتفرض عليه تمثيل مصالح السوريين دون سواهم من القوى الخارجية.
ثم لابد من الالتفات إلى معضلة تطبيق هذه المبادرة في المدن الكبرى ذات الاكتظاظ والتنوع السكاني الكبير والمتغير، الأمر الذي يضعف من قدرة الفرد على بناء قراره الانتخابي استناداً إلى معرفة مسبقة بهذا الشخص أو ذاك، إذ غالباً ما تأخذ العلاقات داخل المدن الكبرى شكلاً مغلقاً ومحصوراً ضمن فئة محددة من الأفراد المشتركين في مكان العمل أو من ذوي الاهتمامات المشتركة، وهو ما يجعل من الصعب بناء قرار انتخابي استناداً لها فقط، كما يصعب تقدير مدى انتهازية هذا الشخص من مصداقيته وثباته على المبادئ والأهداف التي انتخب من أجلها. وهو ما يتطلب آليات إجرائية رقابية متقنة وفاعلة أولاً، وبناء آلية تفاعل بين السوريين لتعزيز التعارف فيما بينهم وتطوير العلاقات وتبادل الأفكار، لاسيما بما يخص القضايا السورية الملحة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.
طبعا لا أقصد التقليل من أهمية التجربة اليبرودية بقدر ما أود الإشارة إلى أهمية تحليلها والاطلاع على تفاصيلها وعرض سلبياتها بموضوعية وعلمية بعيداً عن أي تحيز أو تعاطف مع التجربة ومع القائمين عليها. ثم يجب البناء على التجربة والدروس المستفادة منها في المناطق السورية ذات العلاقات الاجتماعية القوية والمتينة تاريخياً أو ثورياً، أي المناطق ذات الكثافة السكانية القليلة التي تسمح للأفراد بالتعرف على توجهات وخصائص كل منهم، أو تلك التي نجحت فيها الحركة الثورية في خلق جو من التعارف السياسي والاجتماعي المفيد كما في مناطق الثورة السلمية الأولى كداريا وربما درعا البلد ودوما وبعض المناطق الأخرى التي يصعب حصرها جميعها الآن. ومن ثم لابد من الاستناد إلى هذه الهيئات والمحاولات الانتخابية المطورة لخلق فضاء سياسي سوري يتيح مشاركة الآراء والخبرات والتجارب، ويعرض وجهات النظر المتباينة حولها، قبل التفكير في انتخاب أي إطار تمثيلي سوري جامع، على أمل أن تساهم مثل هذه التجربة في تمكين السوريين من اختيار ممثليهم وقادتهم الوطنيين والمخلصين في هذا الظرف السوري الصعب والقاسي.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”